البحث في تاريخ الديانات والعقائد له حساسيات خاصة ،لاسيما في بلادنا اكثر من سواها ،لكن لابد التصدي لهذا الموضوع ، مثل التصدي لجميع الموضوعات التاريخية ، بشكل علمي وحيادي ووثائقي ، ومع ان البحث يكون لكثير من الاحيان شائكا ، وصعبا وكثير المنزلقات، ويكاد يكون من المستحيل الوصول فيه الى راي ثابت ، لذا اتناول موضوعا يخص الديانات القديمة لبلاد الرافدين في المصادر العربية، وانتخبت عدد من قدامى المؤرخين الذين عاشوا في حقبة زمنية واحدة، ليقدموا لنا سردا تاريخيا عن معتقدات وافكار وملامح هذه الاديان، كما ساقتبس مقاطع محددة بما ورد في مؤلفاتهم ، واقول انه من المؤسف لم يكتب عن حقيقة مفاهيم وافكار هذه الديانات بالوصف والمضمون كما يجب ،بل ولتنقل لنا صورة غير واضحة ومشوهة في الكثير من الاحيان ،اما جهلا بحقيقة تلك الديانات باعتمادهم على ماورد من مؤلفات اخرى ،سبق وان كتب عنها ،او التقليل من شان وعظمة هذه الديانات ودورها الكبير في التغيير للمعايير الانسانية والقيم الحضارية في التاريخ ، والانكى من ذلك ان المؤرخين المعاصرين ،اعتمدوها كمصادر رئيسية موثوقة في مؤلفاتهم دون مراعاة الدقة والحرص على نقل المعلومة مقارنة بالوثائق والدلائل الاثرية من مصادرها المختلفة ، مانتج عن ذلك ،هو ترك مفهوم سلبي لدى المتلقي عن حقيقة تلك الديانات.. لذا انا مؤمن بان التاريخ لاتكتبه الحقيقة بل من يملك السلطة والنفوذ ،والامثلة كثيرة على ذلك ..
كتب المؤرخون عن الديانات التي كانت سائدة ومتسيدة في بلاد بابل في القرون الاولى للميلاد ، كتبوا عن الزرادشتية ،والمسيحية ،والمندائية، والمانوية ، واليهودية، وباقي الديانات البابلية، ومنهم ابي الحسن علي بن الحسن المسعودي [364ه ــ 957م] ،الذي وصف الزرادشتية بشخص زرادشت نفسه ،في كتابه [ مروج الذهب والمعادن الجوهر] حيث قال [[-;-زرادشت بن اسبيمان، وهو نبي المجوس ، الذي اتاهم بالكتاب المعروف بالزمزمة عند عوام الناس واسمه عند المجوس بستاه ,, يعرف حاليا باسم الافستا,, واتى زرادشت عندهم بالمعجزات الباهرات للعقول ، واخبر عن الكائنات من المغيبات قبل حدوثها ، ومن الكليات والجزئيات ، والكليات ،هي الاشياء العامة ، والجزئيات ،هي الاشياء الخاصة ، مثل زيد يموت يوم كذا ويمرض فلان في وقت كذا ، ويولد لفلان في وقت كذا ، واشباه ذلك. وفي ايام ماني ظهر اسم الزندقة الذي اضيف اليه الزنادقة ، وذلك ان الفرس حين اتاهم زرادشت بن اسبيمان بكتابهم المعروف بالبستاه باللغة الاولى من الفارسية ، وعمل له التفسير ، وهو الزند ،وعمل لهذا التفسير شرحا سماه البازند ، وكان الزند بيانا لتاويل المتقدم المنزل الذي هو البستاه ، فلما جاءت العرب اخذت هذا المعنى من الفرس ،وقالوا -;- زنديق ،وعربوه،والثنوية هم الزنادقة ، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم ،وابى حدوث العالم ،ولما هلك زرادشت ولى مكانه ــ خاناس العالم ــ وكان من اهل اذربيجان ، وهذا اول موبذ قام فيهم بعد زرادشت، نصبه لهم يستاسف الملك .
ثم ملك بعده ــ بهمن ــ بن اسفنديار بن يستاسف بن بهراسف ، وكان له حروب كثيرة مع رستم صاحب سجستان الى ان قتل رستم ووالده دستان ، ( وقيل ) ان ام بهمن كانت من بني اسرائيل من ولد طالوت الملك، وانه هو الذي بعث بالبختنصر مرزبان العراق[نبوخذنصر ملك بابل] الى بني اسرائيل ، فكان من امرهم ما وصفنا، وكان ملك يهمن الى ان هلك مائة واثنتي عشرة سنة ،(وقيل) انه في ملكه ردّ بقايا بني اسرائيل الى بيت المقدس، فكان مقامهم ببابل الى ان رجعوا الى بيت المقدس سبعين سنة، وذلك في ايام كورش الفارسي المملك على العراق من قبل بهمن ، وبهمن يومئذ ببلخ ، وقد(قيل) ان ام كورش كانت من بني اسرائيل ، وكان دانيال الاصغر خاله، وكانت مدة الملك كورش ثلاثا وعشرين سنة ، وفي وجه اخر من الروايات ان كورشا كان ملكا برأسه لا من قبل بهمن ، وذلك بعد انقضاء ملك بهمن، وان كورشا من ملوك الفرس الاولى، وليس هذا عاما في كتب التواريخ القديمة،ودانيال الاكبر كان بين نوح وابراهيم الخليل ، وهو الذي استخرج العلم ومايحدث في الازمان الى ان تنقضي الارض ومن عليها وعلوم ملوك العالم ومايحدث في السنين والشهور والايام من الحوادث،ودلائل ذلك في الافلاك ، ولما رجعت بنوا اسرائيل الى بيت المقدس ، استخرجوا التوراة وغيرها من المواضع التي خبئت فيها من الارض على ماقدمنا .
ثم ملكت [حماية] بنت بهمن بن اسفنديار بن يستاسف بن بهراسف وكانت تعرف بامها شهرزاد،ولهذه الملكة سير وحروب مع الروم وغيرهم من ملوك الارض ،وكانت حسنة السياسة لاهل مملكتها ،وكان ملكها بعد ابيها بهمن ثلاثين سنة ،(وقيل)غير ذلك .
قال المسعودي-;- كان كثير من اهل الهند والصين وغيرهم من الطوائف يعتقدون ان الله عز وجل جسم ، وان الملائكة اجسام لها اقدار ،وان الله تعالى وملائكته احتجبوا بالسماء،فدعاهم ذلك الى ان اتخذوا تماثيل واصناما على صورة الباري عز وجل، وبعضها على صورة الملائكة ،مختلفة القدود الاشكال، ومنها على صورة الانسان وعلى خلافها من الصور ،يعبدونها ،وقربوا بها القرابين ،ونذروا لها النذور ،لشبهها عندهم بالباري وقربها منه ،فاقاموا على ذلك برهة من الزمان وجملة من الاعصار ، حتى نبههم بعض حكمائهم على ان الافلاك والكواكب اقرب الاجسام المرئية الى الله تعالى ،وانها حية ناطقة ، وان الملائكة تختلف فيما بينها وبين الله ، وان كل مايحدث في هذا العالم فانما هو على قدر ماتجري به الكواكب عن امر الله ،فعظموها وقربوا لها القرابين لتنفعهم ،فمكثوا على ذلك دهرا ، فلما رأوا الكواكب تخفى بالنهار وفي بعض اوقات الليل لما يعرض بالجو من السواتر امرهم من بعض من كان فيهم
من حكمائهم أن يجعلوا لها أصنامأ وتماثيل على صورها وأشكالها، فجعلوا لها أصنامآ وتماثيل بعدد الكواكب للكبار المشهورة. وكل صنف منهم يعظم كوكبا منها ،ويقرب لها نوعا من القربان خلاف ما للاخر ،على انهم اذا عظموا ماصوروا من الاصنام تحركت لها الاجسام العلوية من السبعة كل مايريدون ، وبنوا لكل صنم بيتا وهيكلا مفردا ،وسموا تلك الهياكل باسماء تلك الكواكب .
وقد ذهب قوم الى ان البيت الحرام ،هو بيت زحل ،وانما طال عندهم بقاء هذا البيت على مرور الدهر معظما في سائر الاعصار لانه بيت زحل ، وان زحل تولاه ، لان زحل من شانه البقاء والثبوت ،فما كان له فغير زائل ولا دائر ،وعن التعظيم غير حائل ،وذكروا امورا اعرضنا عن ذكرها لشناعة وصفها. ولما طال عليهم العهد عبدوا الاصنام على انها تقربهم الى الله ، والفوا عبادة الكواكب ، فلم يزالوا على ذلك حتى ظهر بوداسف بارض الهند، وكان هنديا ،وقد كان خرج من الهند ال السند ثم سار الى بلاد سجتان ــشرق ايران ،جنوب خراسان ــ وبلاد زابلستان ــ جنوب افغانستان ،مع حدود ايران ـــ ، وهي بلاد فيروز بن كبك ثم دخل السند ثم الى كرمان ،فتنبأ وزعم انه رسول الله ، وانه واسطة بين الله وبين خلقه ، واتى ارض فارس ، وذلك في اوائل ملك طهمورث ملك فارس و(قيل)-;- ذلك في ملك جَمّ، وهو اول من اظهر مذاهب الصابئة(!!) على حسب ماقدمنا انفا فيما سلف من هذا الكتاب ، وقد كان بوداسف امر الناس بالزهد الى هذا العالم ، والاشتغال بما علا من العوالم ،اذا كان من هنالك من بدء النفوس ، واليها يقع الصدر من هذا العالم ، وجدد بوداسف عند الناس عبادة الاصنام ، والسجود لها ،لشبه ذكرها ، وقرّب لعقولهم عبادتها بضروب من الحيل والخدع (!!!!) .
وذكر ذوو ((الخبرة)) بشان هذا العالم واخبار ملوكهم ، ان جَمّ الملك اول من عظّمَ النار ، ودعا الناس الى تعظيمها ، وقال-;- انها تشبه ضوء الشمس والكواكب ، لان النور عنده افضل من الظلمة ، وجعل للنور مراتب . ثم تنازع هؤلاء بعده ، فعظّم كل فريق منهم مايرون تعظيمه من الاسماء تقربا الى الله بذلك (!) .
ونشأ عمروا بن لحي فساد قومه بمكة واستولى على امر البيت ، ثم سار الى مدينة البلقاء من عمل دمشق من ارض الشام ، فرأى قوما يعبدون الاصنام ، فسالهم عنها ، فقالوا-;-هذه ارباب نتخذها ، نستنصر بها فننتصر، ونستقي بها فتسقى ، وكل مانسالهم تعطي ، فطلب منهم صنما يدعى هُبل، فسار به من مكة ، ونصبه على الكعبة ومعه اساف وناثلة ، ودعا الناس الى تعظيمها ،ففعلوا ذلك ، الى ان اظهر الاسلام وبعث محمدا عليه الصلاة والسلام ،فطهر البلاد ، وانقـــــــــــــذ العـــــــــــباد ….]] . هنا انتهى الاقتباس .
لابد الاشارة الى ان كلمة ,, الزندقة ,, والتي نعت بها اصحاب الديانات البابلية ، والمستعارة من الفارسية ،بعد ظهور الاسلام في بلاد الرافدين ، لتشمل الزرادشتية ،والمندائية ،والمانوية ،والمرقيونية،والديصانية،والماهانية، والجنجيين، والرشيين، والمهاجرين، والكشطيين، والمزدقية، والبوذيين، وحتى اليهودية في كثير من الاحيان، وباقي الديانات الفرعية الاخرى ،والتي تمتد من الديانات البابلية القديمة، اي بمعنى اخر كل من يخالف المبادئ الاسلامية،يعتبر زنديقا ،والعقوبة هي دفع الجزية ،واما الموت او التحول الى الاسلام، هذا المفهوم كان سائدا ليس في بلاد الرافدين فحسب بل شمل كل البلدان التي ظهر فيها الاسلام .
اما فيما يخص موضوع الصابئة المندائيون، وما ذكره المسعودي في مؤلفه ،فهو لايعبر عن حقيقة الصابئة بشئ، فعندما وصف بوداسف ،تلك الشخصية القادمة من الهند، ليبشر بديانته الجديدة في بلاد فارس ومنها الى بلاد الرافدين،كونها كانت تحت سلطة الفرس ،فهي ليس الا الديانة البوذية والذي هو مؤسسها وقاد اتباعه بكل نواحي البقاع للتبشير بالبوذية . اما الملك جَمّ الفارسي ،والذي اشار اليه المسعودي ، على انه الاول في اظهار مذاهب الصابئة الى الوجود ، فان هذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلا ، كون المندائية ديانة قديمة تمتد جذورها الى مملكة بابل في زهوها وهيبتها، فهي كانت تنافس الديانات الفارسية والهندية الكبيرة كالزرادشتية والبوذية ،بعظمة مفكريها وعلمائها،وحكمائها ،والمقصود هنا ليس منافسة على الحكم اوالسلطة ، بل ماكانت تتمتع به من حظوة وتقدير لدى جميع الفرقاء ، وحتى في مبدأ منح السلطات،كان المندائيون يتمتعون اقرب مايسمى الان الحكم الذاتي ، المتمثلة حدوده من شرق صحراء السماوة غربا ،وميسان وجزء من اقليم خوزستان في ايران شرقا،ومدينة بابل شمالا حتى القرنة ـملتقى نهري دجلة والفرات ـــ جنوبا، والذي يدعى اقليم ــ ميشان ـــ كما اثبتت المصادر الاثرية في تلك المناطق ،كما كانت مستقرا لشتى الاقوام والديانات من كل نحو وصوب ، لتعيش متاخية ومتسالمة تحت خيمة الانسانية في تلك الحقبة الزمنية ، والتي كانت بمثابة الفترة الذهبية لاتباع الديانات جميعا. اما الملك جَمّ ،لم يكن سوى ملكا فارسيا من ملوك الفرس ،وليس له يد في اظهار اية ديانة في فترة حكمه بل كان يدعوا الى الالتزام بالديانة الزرادشتية ،وهي الديانة الرئيسة لبلاد فارس..
وهناك اشارة اخرى اود ان اقول فيها ،يقال على ان الصابئة عبدة النجوم والكواكب وغيرها من اعتقادات خاطئة الصقت بهم بخلاف الحقيقة .
فالصابئة اقوام متحضرة ،اكتسبت حضارتها من حضارة بلاد بابل بشقيها الشمالي والجنوبي وبلاد فارس وحضارة الرومان وكذلك حضارة الهند .
ترك اتباع هذة الديانة العريقة عبادة الاوثان، التي كانت العبادة السائدة وقتذاك،وقسما اخر من كان يتبع ديانات اخرى ، واتجهوا للعلم والمعرفة للوصول الى حقيقة الوجود، فكان لهم في ذلك ،كثر نشاط كبارهم من التواقين للمعرفة بالترحال والسفر الى ابعد حدود الدنيا، نالوا فيها ما نالوا من لغة وفلسفة وعلوم اغريقية، الى طب وفنون ومهارات من الهند ، وصولا الى الهندسة والكيمياء من الفرس ، والى الادب وفن الترجمة من بابل الشمالية،بهذه الاسلحة كان المندائيون يدافعون بها عن وجودهم وكبريائهم وديمومتهم، في مواجهة الاخطار التي قد تمحقهم ، ازاء كل هذا ،عرف المندائيون بانهم العارفين بكل شئ، لذا اطلق عليهم اسم,, مندا او مندائي,, باللغة الارامية،اي ,, العارف,, ولم يقتصر المندائيون باندفاعهم على العلوم والمعرفة ،بل تعداها الى النواحي الايمانية والتعبدية ،في مواجهة خصومهم ومنافسيهم في المناظرات والحوارات ،بتقديم الحجج تلو الحجج ، لترسيخ القناعات، وابهى ماتمخض من الفكر المندائي والعقيدة المندائية هو[ ان الله موجود في الضمير والوجدان ، في عقل وروح الانسان وفي كل شئ حي وغير حي ،وفي كل مكان ] هذه الحقيقة عرفها المندائيون قبل غيرهم من جميع الديانات القديمة والتي جاءت بعدها ،وعلى هذا تبنى المندائيون نهج واسلوب القناعة الذاتية للتوجه بمسيرة الرقي والسموّ. ولهذهالاسباب وغيرها ، استمرت هذه الديانة بالحياة الى وقتنا هذا ،متحدية كل اشكال الاضطهاد والظلم على مدى التاريخ القديم والحديث ..
.ومهما يكن الامر، اعتمدت المندائية الاسلوب المعرفي لدراسة الظواهر الفلكية والمناخية،وتاثيرها على جميع مظاهر الحياة ،فعمدوا الى مراقبة طلوع ومغيب الشمس والقمر، رصد ودراسة خسوف وكسوف القمر والشمس ،وايضا تحديد الاوقات لفصول الاربعة ،ودراسة ظواهر نزول المطر وقياس سرعة الرياح ،بالاضافة الى مراقبة حركة الكواكب والنجوم، وتحديد مواقع الابراج، ومراقبة نزول الشهب ورصد المذنبات،وكثير من الظواهر الاخرى التي عنى بها المندائيين القدامى ، وذلك لاسباب منطقية،يراد منها معرفة كل مايمت بصلة بحياة ومعيشة المندائي وطقوس وشعائر تقليدية في الحياة اليومية، واخص بالذكر، طقوس التعميد، والصيام ،ومراسيم الزواج ،وطقوس دفن الموتى، و مراسيم ذباحة الحيوانات، وكذلك مناسبات الايام المقدسة ،هذه جميعا ،تتطلب اجراؤها في الماء الجاري ،وفي ظروف مناخية مناسبة ،وهذا يعني يتطلب معرفة سابقة بالظروف المناخية والتي على ضوءها ،تتم الاستعدادات والتحضيرات لاداء هذه او تلك من المناسبات،لان هذه الطائفة معمدانية كما هو معروف، لذا يتطلب على المندائي بذل جهود معرفية للتنبأ بالتغيرات المناخية المحتملة ، ووضع الحلول النتائج وفق الدراسة والمراقبة المستمرة، ومن هذا جاء وصف المندائية بانها عقيدة عبادة النجوم والكواكب ، وعبادة الشمس والقمر، وذلك لكثرة مراقبة حركة النجوم والشمس والقمر ، بمهمة يقوم بها رجال الدين حصرا ،وهي لدراسة المناخ ،وليس لاغراض العبادة..
ولنعود الى المسعودي ،حين قال[[-;- وقد (حكى رجل) من ملكية النصارى من اهل حرَّان يعرف بالحارث بن سنباط للصابئة الحرانيين اشياء ذكرها من قرابين يقربونها من الحيوان ودخن للكواكب يبخّرون بها وغير ذلك مما امتنعنا عن ذكره مخافة التطويل .
والذي بقي من هياكلهم المعظمة في هذا الوقت ــــ وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة ــــ بيت لهم في مدينة حَرَّان في باب الرقة يعرف بمغليتيا ، وهو هيكل آزر ابي ابراهيم الخليل عندهم ، وللقوم في آزر وابنه ابراهيم كلام كثير ليس كتابنا هذا موضعا له (..!) ، ولابن عيشون الحرَّاني القاضي ــــ وكان ذا فهم ومعرفة ،وتوفي بعد الثلثمائة ـــ قصيدة طويلة يذكر فيها مذاهب الحرَّانيين المعروفين بالصابئة ، وذكر فيها هذا البيت وما تحته من السراديب الاربعة المتخذة لانواع صور الاصنام التي جعلت مثالا للاجسام السماوية وما ارتفع من ذلك من الاشخاص العلوية ، واسرار هذه الاصنام ، وكيفية ايرادهم لاطفالهم الى هذه السراديب وعرضهم لهم على هذه الاصنام ، وما يُحدث ذلك في الوان صبيانهم من الاستحالة الى الصَّفرة وغيرها لما يسمعون ,, من ,, ظهور انواع الاصوات وفنون اللغات من تلك الاصنام والاشخاص ، بحيل قد اتخذت ومنافيخ قد عملت -;- تقف السَّدنة من وراء جُدْرٍٍ فتتكلم بانواع الكلام ، فتجري الاصوات في تلك المنافيخ والمخاريق والمنافذ الى تلك الصور المجوفة والاصنام المشخصة ، فيظهر منها نطق على حسب ما قد عُمِلْ في قديم الزمان ، فيصطادون به العقول ، وتسترق ُ بها الرقاب ، ويقام بها الملك والممالك ، ومما ذكر في هذه القصيدة قوله-;-
ان نفيــــــــس العـجائـــــــب بيــــت لــــــهــم فــــي ســــرداب
تُــــــعــبــد فــيـه الكــــواكــب اصـــنامــهـم خــلـف غـائــــب
ولهذه الطائفة المعروفة بالحرانيين ، والصابئة فلاسفة ، الا انهم من حشوية الفلاسفة ، وعوامهم مباينون لخواص حكمائهم ,, في مذاهبهم ، وانما اضفناهم الى الفلاسفة ,, اضافة سبب لا اضافة حكمة ، لانهم يونانية ، وليس كل اليونانين فلاسفة ، انما الفلاسفة حكماؤهم .]] …(يـــتبع) …
المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مروج الذهب والمعادن ــــ ابي الحسن علي بن الحسن المسعودي ــ 346ه ـــ 957م ـــ الجزء الاول ـــ ص 75، ص 170 ،ص 175
الجزء الثاني ــــ ص 183 ، ص 191
المندائية ــــ كونتجن ــــ 1960 ــ 1961
الديانة المندائية ــــ واييدنغرين ـــ 1965 ـــ شتوتغارت