* تنويه :
أرى من الضروري أن أبين بداية أن مفهوم الدولة بشكل عام عربيا مرتبط في بعض الدول بالحاكم بشكل أو بأخر ، ففي كثير من الدول العربية ( خاصة التي يستفرد بها الحاكم بالسلطة لعقود من الزمن.. ) التي يسقط بها الحاكم تسقط الدولة ( وأعني بالسقوط هنا بالتحديد ، أنهيار هيكل الدولة المؤسساتي ، التفكك في هرم القوات المسلحة أضافة الى الأنقسامات المناطقية و التخلخل الأجتماعي ..) وهذا فعلا ما حدث بشكل واضح وتام عند سقوط بغداد أبريل 2003 ، ليبيا أكتوبر 2011 ، سوريا بداية من فبراير 2011 / وبشار الأسد لا زال على رأس السلطة ، اليمن / المضطرب منذ رحيل الرئيس علي عبدالله صالح وتونس يناير 2011 / ذو التوجه الأسلامي ، الغير مستقر حاليا بعد أن كان بعيدا عن هذا المنحى في زمن الرئيس زين العابدين بن علي …
* النص :
المتابع للوضع العربي الراهن ، يلاحظ أن الدول العربية تمر بأسوأ مراحلها السياسية ، نعم أنها دول مستقلة ولكنه أستقلال صوري ، دول لا تحكم بل تحكم ( بضم التاء ) ، و أن أغلب روؤساء / ملوك / أمراء / شيوخ هذه الدول هي صور متباينة للحاكم الأوحد ، كما أن بعض الطواقم الوزارية لهولاء الحكام / الدول هم كالتجار يتقاضون العمولات والرشاوي حالهم حال رجال الأعمال ، يحكمون الدولة بمشاركة كل أفراد العائلة أضافة الى الأصهار والنسباء ، لأن الحكم بالنسبة لهم كالمشروع التجاري الخاص !! والفساد مستشري بشكل قياسي بأنظمتهم ، وأصبح بعض حكام هذه الدول تتاجر على حساب شعوبها المقهورة كما هو الحال مثلا في ( العراق بعد نيسان 2003 ، ليبيا في عهد القذافي ، تونس في عهد زين العابدين بن علي ، مصر في عهد حسني مبارك ، كما هناك شبهات مالية أخذت بالظهور الى العيان كالذي يجري في الكويت ..) ، و بلغت ملكيات بعض الحكام العرب مليارات الدولارات !!
أن أغلب الدول العربية وحكامها فشلوا في السياسة ولكنهم نجحوا في تحقيق مصالحهم الخاصة !! وأبقوا شعوبهم في زنزانة كبيرة أسموها الوطن ، فكيف يحكمون !! وهم أبعد ما يكون عن الحراك السياسي الدولي المتمثل بعالم تحكمه التكتلات الأقليمية أضافة الى الموازنات الدولية والمصالح الأقتصادية المشتركة المقترنة بالسياسات الدولية زد على ذلك دور الشركات العظمى وتأثيره على الاقتصاد العالمي والعربي بشكل عام .
سابقا كانت الدول العربية دول شعارات ، فجيلنا / المأسوف على شبابه أمضى عقودا من الزمن مأسورا بالشعارات فهو كان يهتف لفلسطين في المظاهرات ،المؤتمرات والمؤسسات التعليمية / عن غير وعي ، ومن الشعارات المتداولة أنذاك :
* القضية المركزية هو تحرير فلسطين ..
* معركة المصير الواحد ..
* عودة اللاجئين ..
* حق العودة ..
* راجعين ..
* سنعود …
* معركة حتى النصر ..
* ثورة ثورة حتى النصر ..
* بالروح بالدم نفديك يا فلسطين ..
وبعد أن خضنا ثلاثة حروب رئيسية / 1948 ، 1967 و 1973 ( أضافة الى حرب الأستنزاف ) قادة القضية الفلسطينية تفاوضوا على القضية ، فلا تحرير ولا عودة ولا أرض .
دول حكامها حكام خطب و كلام ومؤتمرات وليس حكام أفعال وأنجازات ومشاريع ، في حفل التتويج / التنصيب يقسم الحاكم أن لا يخون الوطن وأن يخدم الشعب ، بعدها يكفر بأي شي يتعلق بسيادة الوطن وبكرامة الشعب ، حقا حكام يندى لهم الجبين ..
وأود أن أسرد واقعة من العهد العباسي ( لأن الواقع الحالي نعيشه أما الماضي قد ينساه البعض والسرد هنا للتذكير ..) تعتبر نموذج مميزا لذلك الواقع المزري :
المستعصم بالله ( وهو الخليفة العباسي الرابع والثلاثون / أخر الخلفاء العباسيين ، حكم بين 1242 – 1258 م والذي أوكل بأهم قراراته لوزيره / أبن العلقمي الذي خانه و سلمه لهولاكو / القائد المغولي ليهلكه بكامل طاقمه من الأمراء والقضاة و الوجهاء … ) يقال عن هذا الخليفة أنه ( كان كريماً حليماً سليم الباطن حسن الديانة. قال الشيخ قطب الدين: كان متديناً متمسكاً بالسنة كأبيه وجده ولكنه لم يكن مثلهما في التيقظ والحزم وعلو الهمة ) ، المستعصم لم يكن متمرسا في الحكم ، فلم يجييش الجيوش لمجابهة الغزاة لأدعائه بعدم كفاية الاموال لدفع رواتبهم / أي الجيوش ( لأن الأموال كانت تخزن / تكنز والباقي يدفع للملذات و اللهو / الجواري .. ) وبعد أن أستسلم الخليفة المستعصم لهولاكو ( وأدله على مخبأ فلوسه و ّذهبه والتي كانت سبايك من الذهب في حوض بساحة القصر ، سلمه حريمه اللتي كان عددهم 700 و عليهم ألف خدامه ، ثم لفوه / أي الخليفة في سجاده أو وضعوه في شوال و ركلوه بالرجلين لغاية ما مات. ( رشيد الدين الهمذاني 292/ 2 ) .
هذا الخليفة سلم بغداد حاضرة الدنيا الى الغزاة ( وسلم كل كنوز الدولة العباسية التي جمعت خلال خمسة قرون من ذهب ومجوهرات الى المغول ) لأن الملذات كانت تشغله عن أمور الوطن وأحوال الشعب ، ويعد هذا أول سقوط لبغداد و من أفجع المأسي تاريخيا بالنسبة للعرب وهو أهول من السقوط الثاني لبغداد نيسان / 2003 .
أما الأن / بعد السقوط الثاني لبغداد فنحن نمر بمرحلة سقوط من طراز جديد وفريد يتعلق بالهوية والأنتماء والأرض والذي ستتضح ملامحه لاحقا ، هذا كله نتيجة لنقص الأداء السياسي الكفوء التي مرت بها حكومة العراق السابقة / برئاسة السيد نوري المالكي ، أضف الى كل ذلك أنعدام الولاء للعراق أرضا وسيادة وتاريخا وحضارة لأن حتى الولاء أصبح له ثمن / ويعد هذا تحول نوعي خطير في ممارسات الحكم اللاوطني في العراق !!
وحال الدول العربية الأن هي دول مشرذمة لا يوحدها هدف ولاتجمعها غاية ، دول ليس لها
ستراتيجية موحدة وانما لكل منها مصالح تحارب من أجلها ، دول تدخل في تحالفات ولكنها تنظر الى مصالحها الخاصة أولا ، دول أنضمت أسميا تحت مظلة هشة أسمها جامعة الدول العربية ( تأسست في 22 مارس 1945 ) ولكن هذه الجامعة التي ضمت الدول العربية ليس لها أي دور مؤثر لا في سياسات الدول العربية بشكل خاص ولا في السياسات الدولية عامة / ولو هامشيا !!
ونظرة الى تاريخ بعض التحالفات العربية البينية / السياسية في التاريخ الحديث نرى بأنها تحالفات أكثرها أنهار أو تفكك لاحقا / لأنها تحالفات تشكلت كردة فعل لأحداث معينة ، حيث قامت بعض الدول العربية بتأسيس بعض التكتلات والتحالفات لغايات آنية مرحلية مثلا :
* جبهة الصمود والتصدي – نوفيمبر1977 وتضم ليبيا ، سوريا ، العراق ، اليمن و منظمة التحريرالفلسطينية ، الجبهة لم تحقق شيئا و أنهارت لاحقا !!
* مجلس التعاون الخليجي – مايو 1981 ويضم السعودية ، الامارات ، الكويت ، عمان ، البحرين
وقطر ، المجلس به تحالفات وتجاذبات داخلية لزعامة / لقيادة المجلس أضافة الى أن قطر دائما تغرد خارج السرب ، والمجلس الأن مهدد بالتفكك !! ( حاليا هناك جبهة داخل المجلس متكونة من المملكة العربية السعودية ، الامارات العربية المتحدة والبحرين من جهة و قطر من جهة اخرى، وذلك لوجود خلافات عميقة متعددة بين الجبهتين منها مثلا ، الموقف من الاخوان المسلمين الذي ترعاه قطر وتموله وتأوي بعضا من قياداته ( سيغادر قطر بعضا من هذه القيادات منها وجدي غنيم وأخرين ) ، منهم الأب الروحي للتنظيم / المثير للجدل يوسف القرضاوي .
* مجلس التعاون العربي – فبراير 1989 والذي يضم العراق ، اليمن ، الاردن و مصر .
أنهار لاحقا بعد دخول العراق للكويت ( علما أن مصر متمثلة برئيسها حسني مبارك أول من باع حليفه العراق / بصفقة !! في مؤتمر القمة العربي الطارئ المنعقد في مصر عام 9.8.1990 وهو الذي مرر قرارا مشبوها بتدخل القوات الأجنبية !! ) .
أما الوضع الدولي العربي / بعد 2011 الذي قالوا عنه الربيع العربي ! الربيع الديمقراطي ! فهو بالأحرى بداية الأنقسام العربي ، بداية المذهبية العربية و بداية التوزيع الأثني و العرقي و القبلي ، أضافة الى كل ذلك برز الاسلام السياسي بشكل جلي في المنطقة ، نعم أنهم أرادوا الحرية والديمقراطية ولكنهم يفتقرون الى الأرضية الحاضنة لهذا الوليد العاق / أي الديمقراطية ، الديمقراطية هي مخلوق غريب على العقلية العربية ، وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في الدول العربية على سبيل المثال وليس الحصر ( العراق ، سوريا ، ليبيا ، تونس ومصر بشكل أو بأخر.) . والدول العربية من المحتمل أن تتقسم الى دويلات أو أن تتمتع مدن كل دولة منها بحكم فيدرالي ، وذلك لظهور متغيرات مؤثرة على الساحة العربية تساعد على ذلك .
أما العراق ! يسوده التطاحن السني الشيعي و الشيعي الشيعي و السني السني ، والأقليات سحقوا ، الوضع العراقي كله علامات أستفهام ، فالكتل والجبهات والتحالفات والأحزاب في تناحر من أجل المصالح و الكراسي ( لأن كل فئة لها مرجعياتها وأهدافها و أرتباطاتها الأقليمية و الدولية ) و الشعب يدفع الثمن . فأذا تركنا جانبا فكرة الخلافة الأسلامية التي تنادي بها (داعش ) وأبتعدنا قليلا عن من يحارب أو متحالف معها ، ومن يمول ، ومن يخطط ، ومن يدرب ويدعم هذه المنظمة / الارهابية لوجستيا التي ظهرت بين ليلة وضحاها ، فبعيدا عن كل هذه التساؤلات التي ستدخلك في دوامة عقب أخرى ، لوجدنا وضع العراق قبل التشكيل الوزاري الجديد كما يلي:
سفينة محطمة مغرزة في واقع طيني ، البوصلة مفقودة والمجدفين غير منتمين للسفينة والقبطان رئيس الوزراء السابق / السيد نوري المالكي كالذي يمتطي حصانه فلا يستطيع التجول في السفينة لعدم معرفته وأستطاعته في أدارة الدفة / ويصعب عليه ذلك ، ولا أن يترك السفينة لأنه سيغرق لو تجول خارجها .. فطوبى لركاب السفينة !
أما الحال بعد التشكيل الوزاري الجديد :
رئيس الحكومة الحالي / د . حيدرالعبادي / حكومته لا زالت ضبابية المعالم ، سوف لا يتركوه الأخرين أن يحكم بأستقلالية لتضارب وتقاطع المصالح !! خاصة / عودة رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي و تقلده منصب جديد وهو نائب رئيس الجمهورية / و له بنفس الوقت دور مؤثر على القوات المسلحة !! / لأنه كان قائدا عاما لها.
الوضع المشترك ، قبل وبعد التشكيل الوزاري هو أستمرار تأزم الوضع الامني ، تفاقم دور المليشيات ، أما دوي أصوات التفجيرات فلا زالت تتواصل بنفس الوتيرة ..
ويحضرني بهذه المناسبة البيت الشعري الخالد لشاعرنا الراحل العراقي الكبير / محمد مهدي الجواهري الذي قال :
حييت سفحك عن بعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتين
( فقم من رقادك أيها المارد العظيم وأشهد الواقع السوداوي للعراق / الذي تغنيت به ، فالعراق ليس بعراق ، ودجلة نضبت مياهه وأصبح مدفنا للجثث ، أما البساتين التي ناشدتها حرقت و باتت مقابر جماعية !! ) .
* خاتمة :
الدول العربية متخبطة المواقف ( و ستبقى تتخبط بمواقفها وبقراراتها غير الرشيدة تجاه أي موقف سياسي مادامت أغلب القرارات الستراتيجية لا تتخذ بأستقلالية ) ، دول حكامها مؤبدون على الكراسي ، دول حكامها بواد وشعوبها بواد أخر ، دول تدعي أنها دول عربية وهي دول شعوبها ( فرعونية ، فينيقية ، أمازيقية ، عرب ، كرد ، تركمان ، سريان ، كلدان وأشوريين / أضافة الى الأصول الفارسية.. ) تضم مختلف الأثنيات ، العرقيات ، الأديان ، المذاهب ، الطوائف ، اللغات ، اللهجات والعادات … دول كلما أرادت أن تنهض من جديد تنتكس أكثر من قبل ، دول لا زالت تحلم بالماضي الذي لا ولن يعود ، دول لا يجمع حكامها سوى الأبتسامات المصطنعة والمجاملات الدبلوماسية في مؤتمرات القمة العربية !!