عندما تبحث عن سر قوة الدول العظمى, فانك ستجد أنها تملك مصادر متنوعة للإيرادات, أن سر القوة يكمن في تحصيل الأموال لخزينة الدولة, والتي من خلالها تتمكن الدول من الأنفاق على التزاماتها, وتنطلق بتنفيذ مشاريعها, وهكذا تعمل حتى الدول الصغير أو ذات الإمكانيات المحدودة, كالأردن وتونس وسوريا, فالتنوع بالإيرادات يحفظ الاقتصاد الحكومي من الانهيار ويبعده عن تأثيرات السوق, فعملية تدعيم الاقتصاد بمصادر دخل كثيرة ومتنوعة, تفتح الأسواق وتوفر الإعمال وتملئ خزينة الدولة, وهو الحلم الذي تطمح به كل سلطة سياسية.
لكن يغيب كل هذا عن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق, حيث فشلت تماما في إيجاد اقتصاد عراقي قوي, بسبب اعتمادها الكلي على إيرادات البترول وإهمال باقي مجالات الإيرادات, فالكسل وعدم الاهتمام بقيام دولة قوية جعلهم يجعلون تركيزهم ينصب على البترول فقط , جزء من إيراداته يوفر لهم تسديد رواتب المؤسسات, وحصة كبيرة تذهب لجيوبهم أو يهدرها الفساد والصرف غير المنتج, مما جعل العراق تحت تأثير أسعار سوق البترول.
ممكن أن تكون الإيرادات المتنوعة في العراق ضمن أبواب كثيرة, ومنها:
●السياحة الدينية
يملك العراق الكثير من المراقد الدينية, موزعة على محافظات متعددة, أهمها كربلاء والنجف وبغداد وبابل والناصرية وميسان والبصرة, وهي تعود لأكثر من ديانة, وتمثل رمز كبير لشعوب متنوعة في أكثر من قارة, فيمكن تأهيل الأماكن الدينية وبناء فنادق قريبة منها, والعمل الإعلامي التعريفي للتسويق, وتوفير شركات سياحة عراقية ترتبط بشركات السياحة العالمية, كي توصل الوفود لهذه الأماكن.
وهذا الاتجاه سيوفر إيرادات عظيمة,نظرا لاستمرار الزيارات الدينية على مدار أيام السنة, وبعض الزيارات مليونية كزيارة الأربعين في كربلاء, بالاضافة الى أنها ستسهم في خفض البطالة, وتحقيق تواصل ثقافي مع ثقافات العالم, ويمكن تنظيم الأمر وفق خطة متكاملة تشمل وزارة السياحة والنقل ومجالس المحافظات بحيث تضمن تحقيق الهدف وهو استقرار وديمومة إيرادات السياحة الدينية.
●السياحة التاريخية
تتواجد في العراق أماكن تاريخية لحضارات ما قبل الميلاد كالحضارة السومرية والأشورية والبابلية والساسانية, واثأر الدولة العباسية وما تبعها, فمن مثل بابل والعمارة وواسط والناصرية وبغداد, تحوي الكثير من الأماكن التاريخية, ويمكن مع الاهتمام والتأهيل تصبح هذا المواقع قبلة للعالم, لما تحويه من نوادر تاريخية.
ويأتي الخير الكثير فقط عبر تنظيم بسيط وتوفير فنادق وخطوط نقل وتنظيم جدول بالرحلات السياحية لهذه الأماكن, مع حملة إعلامية كبيرة للتعريف بهذه الأماكن وكيفية زيارتها.
●الزراعة
كان العراق فيما سبق يوفر كل ما يحتاجه من الثمار والمزروعات محليا, ولم تكن توجد أي أزمات, لكن بعد دخول الكويت تدهور حال كل مجالات الحياة في العراق ومررنا بسنوات الحصار العجاف, الى أن زال الطاغية, وكانت الأحلام كبيرة بان تنهض الزراعة في بلاد الرافدين,لكن تم إهمالها تماما وفتحت الأبواب لاستيراد البصل والخيار والطماطم وكل شيء, مما جعل الفلاح العراقي ضعيفا في مواجهة أسعار المستورد, الى أن باع أرضه واشترى باص ليسترزق به, هذا حال الكثير من الفلاحين في زمن الديمقراطية.
فأهملت الزراعة تماما في العراق, حيث لجأت الحكومات الديمقراطية”ما بعد الطاغية” الى الكسل والاعتماد الكلي على إيرادات النفط,وفتح الحدود للتجار مما سرع بمقتل القطاع الخاص الذي فشل في التنافس مع المستورد.
اليوم نحتاج الى إعادة دعم الفلاح عبر خطين, الأول تحديد الاستيراد مع فرض ضريبة,والثاني مطالبة الفلاح بالإنتاج ودعمه ماديا,كي يستطيع سد فراغ المستورد, هذا الدور المطلوب من الدولة, وهي فشلت به منذ 14 عام.
●مشاريع استثمارية
يمكن للعراق أن يفتح باب الاستثمار لتدخل الشركات الأجنبية وتعمل في العراق خصوصا في الوسط والجنوب الذان ينعمان بهدوء واستقرار نسبي, فيكون ثورة في مشاريع الإسكان, أو إنشاء مصانع وفروع لشركات عالمية, ويمكن الاتفاق مع الشركات العالمية على شراكة مقابل فتح السوق العراقي لها, فتكون الإرباح داخل العراق مناصفة, بالاضافة الى حل نسبي لمشكلة البطالة, فانتهاج أفكار منتجة ويعود بالفائدة على الوطن والمواطن.
هذا الاتجاه يمكن أن يغير شكل الحياة في العراق, لو تم العمل, وسبقنا الكثير من الدول حققت قفزات كبيرة نتيجة التزامها خطط استثمارية رصينة ومحكمة مع تواجد حكومات نزيه محبه لوطنها, تعمل بجهد واجتهاد من اجل الوطن, هذا ما نتمنى أن نجده يوما ما في عراقنا.