كل حروب التاريخ كان لها مبرر وحامل إيديولوجي لتفسير وتبرير التجاوزات والانتهاكات وكل حروب المنطقة ومجازرها وتجاوزاتها وشدتها وعنفها وتوحشها وقسوتها يبررها، ويعطيها بعداً قدسياً، ويحلل جرائمها، اليوم، الإسلام.
كل كلام عن اختلاف وتمايزات وافتراق بين الإسلام السياسي السني والشيعي هو قبض ريح ومحض هراء وغايته الأصلية فقط إذكاء الفتن وستدامة الاستقطاء وتعميق الصراعات، فالفصيلان صعدا ولمعا بفترة وحقبة جيوسياسية واحدة في السبعينات مع الطفرة النفطية الهائلة، وتمثل الفصيل “السني” الأول عملياً واحتلت واجهته واحتكرته الوهابية السعودية، (واستكمالا للأدوار وضع بتصرفها الناصرية والبعث والإخوان والقاعدة ووو)، وأما الفصيل الآخر فتمثل بالشيعية السياسية (ووضع بتصرفها العراق شيعة الخليج الفارسي وحزب الله والقوى الشيعية السياسية في باكستان وأفغانستان ووو) وعهد به إلى آية الله الخميني القادم من وكر الماسونية و”الاستكبار العالمي”(مصطلح تمويهي يستخدمه الملالي جنود المارينز وجنرالاته المخلصين)، وأحد أهم أضلاعه الثلاثية وركائزه الأساسية في باريس، وأما الضلعان الآخران فهم، بالطبع في، واشنطن ولندن.
هذان الفصيلان الرئيسان يمارسان دوراً تدميرياً وهدفاً استراتيجياً واحداً لجهة تشريخ وتمزيق المجتمعات وترثيث الشعوب وتبرير تخلفها وقبول ضعها الإنساني المزري والبائس باعتباره أقدار مكتوبة وعقوبات من الله، ورد ذلك كله للكفار والشرك والإلحاد والعلمانية وليس بسبب سياسات وظلم وقهر ولصوصية حكام الاستبداد وطغاة العرب والمسلمين العملاء المجندين للدوائر الغربية، وبرمجة القطعان على هذا الأساس وأدلجتها عقائدياً على ثقافة الكراهية وتنمية الأحقاد ووضعها، من ثم، وبعد حشوها وتعبئتها عقائدياً بالمساجد (بني في حقبة الخلافة البعثية الخالدة 27 ألف مسجداً حسب تصريح شهير تباهى به مفتي الجمهورية بدر الدين حسون لهذه الغاية)، بتصرف القوى الكبرى وتحويلها لقطعان جامحة لا ضوابط لها ولا تعترف بأي قانون وضعي وتحتقر أي كيان سياسي سوى خلافة قريش لذا رأينا هذا الحقد والنزعة التدميرية عند “ثوار سوريا” الإسلاميين لتدمير بلدهم وحرق الأخضر واليابس فيها، وزرع فكر الطاعة والجماعة والقطيع في أدمغتها بغية استغلالها جماعياً من القوى الكبرى وتوظيفها إيديولوجياً في حروب الغير…وبفضل الإسلام السياسي لم تعد حروب شعوب المنطقة مع الحداثة والفقر والجهل والصراع الطبقي بل بين الشعوب المختلفة طائفياً وتحويل كل الصراعات وترحيلها للماضي وكله بفضل إحياء قيم قريش و”بعث” العصبيات القبلية والإثنية والعرقية وإحياء ثارات داحس والغبراء وحروب الألف عام وعام.
وحين يركـّز البعثي على أموية سوريا فهو لاستفزاز الحساسيات العرقية والإثنية وإذكاء الصراعات والمشاعر العدائية بين أبناء سوريا الواحدة التي تتألف من عدة قوميات وإثنيات وطوائف وعشائر يريد البعثي أن يضعهم جميعاً تحت بسطار قريش وسادتها وعائلة بني سفيان التي بدأت مسلسل المجازر والمذابح السياسية في تاريخ المنطقة مبرئاً إياهم شرعياً وإيديولوجيا بذلك، ومن خلال تمليكهم سوريا ومنحهم صكاً إيديولوجياً بحيازتهم المطلقة لها، وإعفائهم من المسؤولية القانونية من كل تلك المذابح والمجازر والجرائم والانتهاكات التي ارتكبوها بحق أجدادنا السوريين القدماء والأهم جريمة احتلال سوريا وإعطائها بعداً قدسياً “فتوحات نبوية”، ووضعها من ذلك اليوم والتاريخ تحت سلطة وهيمنة المحتل العربي الإسلامي البدوي القرشي الأموي وبكل ما ترتب على ذلك بحق سوريا والسوريين والأهم إنهاء الدور الحضاري والريادي والمدني لسوريا وكله كي يبرر البعثي وضعه السياسي وشرعيته. (على فكرة لليوم لا يوجد ترخيص قانوني لممارسة حزب البعث نشاطاته في وسريا، أي أنه من الناحية القانونية حزب مخالف وغير شرعي).
وهكذا كان دور الإسلام السياسي بهويته الشيعية والسنية وبكل تلاوينه وأصنافه مسمياته وفصائله الإخونجية والبعثية والداعشية والطالبانية والتي أعطيت أدواراً ثانوية تكيميلية ديكوراتية وهامشية هو أولاً ضرب النزعة والانتماء الوطني وإحلال الولاء والانتماء العابر للحدود الوطنية لمكة وقم (رأينا أفواج الحج السياسي الجماعي للنخب باتجاه قم ومكة)، وصارت مدناً عريقة وحواضر تاريخية مهمة كدمشق وبيروت وبغداد والقاهرة ضواحي صغيرة مهمشة هزيلة لا قيمة لها ملحقة بقم ومكة تستجدي رضاها وتأتمر بأمرتها، كما بالنسبة للأدوار الأهم كفرملة ومقاطعة الحداثة والتنوير وتكفيرها ولعنها بحجة البدع والكفر والشرك وضرب كل القوى المجتمعية الحية التنويرية ونخب التكنوقراط وتهجيرها للغرب “الكافر” للاستفادة من خبراتها (معظم الخبرات والعبقريات السورية المميزة تعيش اليوم بالغرب وتضع خبراتها بتصرفه وتساهم بتنميته)، وتسليم قيادة المجتمعات للجهلة والمشعوذين والبدو الدواعش الأعراب وتدمير قيم العصر وخلق هوة وفجوة حضارية بين الشعوب التي تقع تحت سلطتها وإعادة الاعتبار لقبيلة قريش واحتقار كل ما هو وطني ومحلي مع إحياء النزعات العصبوية والقبلية والطائفية والعشائرية والعنصرية وإعادة هذه الشعوب والبلدان إلى عصور لظلام بحجة أنها عصور النقاء والصفاء الزاهية رغم دمويتها وحجم الجرائم والدم الذي سال فيها، وقد نجحوا بذلك، إي وأيم عشتار أيما نجاح. (البعثيون يطلقون على هذه النشاطات الفاشية الرجعية والظلامية والتخريبية وتدمير المجتمعات بـ”المقاومة والعروبة” ومن هذا الهراء) ويتغنون بذلك ويمجدونهم ويتباهون به بإعلامهم “المقاوم”، عبر كتيبة من المرتزقة والمنافقين الإيرانيين واللبنانيين والمستعربين البدو الدواعش وأبواق الاستعراب، رغم أن سوريا باتت خارج التاريخ والجغرافيا وواحدة من أفقر وأبأس دول العالم على مر التاريخ ..
للبحث صلة