أغلقت دولة الكويت الملحقية الثقافية والملحقية العسكرية الإيرانية الخميس الماضي وأمهلت الدبلوماسيين الإيرانيين المطرودين من الكويت مدة 45 يوماً لمغادرة الأراضي الكويتية، إثر هروب 16 متهماً من المدانين فيما عرف بخلية العبدلي الإرهابية المدعومين من إيران إلى الأراضي الإيرانية، مما شكل صدمة للرأي العام ودفع الحكومة الكويتية لاتخاذ تلك الخطوة الدبلوماسية الشجاعة لتضع حداً للتدخل الإيراني والتغلغل السرطاني في الشأن الكويتي.
لم تكن خلية العبدلي الأولى في الكويت ولم تكن حالة معزولة عن الأنشطة الاستخباراتية وخلايا التجسس والإرهاب الإيرانية في الكويت، إذ يعود التاريخ الموثق لإرهاب أجهزة المخابرات الإيرانية في دول الخليج العربي، وفي الكويت تحديداً، إلى الثمانينيات، إذ استهدفتها الاستخبارات الإيرانية بهدف تصدير الثورة ودعم الانقلابات، وشهدت محاولة آثمة لاغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح عام 1985 بتفجير سيارة مفخخة، ومن ثم قام عماد مغنية بخطف الطائرة الكويتية «الجابرية» لمقايضة السلطات الكويتية بإطلاق سراح الـ17 متهماً في قضية محاول الاغتيال. لقد سعت إيران وبأدوات محلية لبناء الخلايا وتجميع الأنصار والمؤيدين وخوض الصراع الإقليمي بأدواتها الناعمة وعلى رأسها الملحقيات الثقافية ودبلوماسيوها، وهو توجه علني معروف لا يحاول الإيرانيون حتى إخفاءه، بل إنهم يفتخرون بأنصار «الثورة الإسلامية» في الدول الخليجية، فزرعت الخلايا السرية ونشطت في الكويت تحديداً لانفتاح المجتمع الكويتي ولطبيعة السلطة الكويتية وشعبها.
ومنذ عام 2010، تمكنت السلطات الكويتية من كشف تسع خلايا تجسسية تعمل لصالح إيران، تضم كويتيين وعدداً من الدبلوماسيين الإيرانيين الذين يعملون في سفارة طهران في الكويت، ففي مايو 2010 أعلنت الكويت عن تفكيك شبكة تخابر وتجسس لمصلحة الحرس الثوري الإيراني تعمل على رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية، ومواقع القوات الأميركية في البلاد، واعترف المعتقلون بتلقيهم الدعم من إيران. وتذكر مصادر كويتية أن الملحق السياحي في السفارة الإيرانية، كان المسؤول الاستخباراتي للحرس الثوري الإيراني في الكويت ومنطقة الخليج العربي. وفي عام 2012 تم تفكيك إحدى أكبر الخلايا التجسسية الإيرانية فقبض على 39 من ضباط الحرس الثوري الإيراني، و58 آخرين من رتب مختلفة، وعثر في سرداب إحدى الحسينيات في منطقة بنيد القار على أجهزة تنصت وتجسس عالية الجودة، وأسلحة وقنابل عنقودية، وتلاها اكتشاف العديد من الخلايا النائمة والمستيقظة المهددة لأمن وسلامة الكويت، انتهاء بخلية العبدلي.
ومن المعروف أن الملحقيات الثقافية الإيرانية تعد نافذة للأنشطة الاستخباراتية الإيرانية، وتنتشر الملحقيات الثقافية الإيرانية في أكثر من 68 دولة حول العالم، وتخضع لإدارة موحدة تسمى «رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية»، وقد تأسست عام 1995 بتصديق من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ولا تتبع وزارة الخارجية، وعلى رغم أن دور الملحقيات الثقافية المتعارف عليه ينصب حول الشؤون الثقافية والسياحية للبلد، وكذلك رعاية الطلاب المبتعثين في البلد المضيف، إلا أن إيران لطالما استخدمت تلك الملحقيات لنشر التشيع وتجنيد مؤيدين محليين، والترويج للكتب والرسائل المحملة بالفكر الشيعي ونشر اللغة الفارسية. والأخطر من ذلك تستخدم إيران هذه المراكز كبنية تحتية لوجستية للنشاطات الاستخبارية، وهو ما أكدته التجربة الكويتية.
جاء قرار إغلاق الملحقيات الإيرانية في الكويت متأخراً نسبياً، ولكنه سيشكل بداية جديدة للعلاقات الكويتية الإيرانية، ولابد من التأكيد على وحدة وتماسك المجتمع الكويتي بجميع طوائفه، والوقوف بحزم تجاه الأطماع الإيرانية الرامية لاستهداف الكويت والدول الخليجية باستقطاب وتجنيد أبنائها خدمة لأجنداتها الطائفية، فأمن الأوطان خط أحمر حين يتجاوز الولاء المذهبي الولاء الوطني.
* نقلا عن “الاتحاد”