على الرغم من الجدل الدبلوماسي الأخير بسبب إلغاء الأمم المتحدة للدعوة التي وجهتها لإيران، بدأ مؤتمر «جنيف 2» لمباحثات السلام بين حكومة بشار الأسد والمعارضة السورية، بالإضافة إلى الدعم من جانب أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا. بيد أن عملية التفاوض تواجه تحديات مخيفة.
ما مدى احتمالية تفاوض نظام الأسد بشأن رحيله مع الوضع في الاعتبار، وضعه العسكري الذي يعد أفضل من ذي قبل؟ وإلى أي مدى يمكن لممثلي المعارضة أن يمثلوا القوى المنقسمة، بل والمتناحرة، التي تقاتل في سوريا؟
وفي هذا الصدد، أشار الكثير من المراقبين، منذ بداية الحرب الأهلية السورية، إلى أوجه التشابه بين الوضع في سوريا والبوسنة. ويعد مؤتمر «جنيف 2» تكرارا للجهود التي بذلت لحل النزاع الدائر في البلقان منذ 20 عاما.
وبناء على ذلك، فما الدروس المستفادة؟ إذا كان هناك درس تستفيد منه الأطراف المجتمعة في سويسرا بوجه عام، فإنه سيكون ضرورة التواضع. وفي حين أنه قد يمكن حل الصراع في ضوء تصميم المجتمع الدولي على ذلك، تعد الحرب الأهلية مقاومة بشكل غير عادي للتدخل الخارجي. وبناء على ذلك، ينطوي هذا الأمر على ثلاث نتائج مهمة.
تتمثل النتيجة الأولى في أن مبادرات السلام تكون في أغلب الأحيان عدسة لا يمكن الاعتماد عليها لرؤية الصراع من خلالها. وهناك توجه للافتراض بأن الحقائق على أرض الواقع في أماكن مثل البوسنة أو سوريا يحكمها بشكل أساسي استراتيجيات وجداول زمنية ابتكرتها وصممتها الأطراف الأجنبية، أليس كذلك؟
وفي الواقع أن الصراع يتجسد في البيئة وخطط السلام التي تذهب وتعود. كانت اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك، المعروفة باسم «اتفاقية دايتون للسلام»، التي أدت إلى إنهاء القتال في البوسنة في عام 1995، مسبوقة بأربع مبادرات سلام عديمة الجدوى، وهو ما يعد بالفعل القاسم المشترك مع الصراع في سوريا.
وبنفس القدر من الأهمية، يجب أن نسأل عن كيفية احتمال تداخل جهودنا مع مسألة حل الصراع. وبالنسبة للوضع في البوسنة، ففي عام 1993 أدى تأثير «خطة السلام فانس – أوين» غير الناجحة، التي اقترحت تقسيم كيانات سياسية جديدة على طول الخطوط الإثنية، إلى زيادة حدة حملات التطهير العرقي عندما حاولت الجماعات المتحاربة تقوية وضعها قبل عملية التقسيم. ويجب أن نتوقع أن الخطط التي يجري مناقشتها في سويسرا سيكون لها تأثير مشابه في سوريا.
ربما لا يكون هناك مفر من هذا الأمر، بيد أننا قد نكون قادرين على التنبؤ بكيفية تطور نمط العنف وتخصيص موارد أفضل لتلبية الاحتياجات الإنسانية.
وتتمثل النتيجة الثانية في ضرورة فهم الوضع الإقليمي بشكل أكبر، مثلما أوضح المبعوث الأميركي ريتشارد هولبروك أثناء الطفرة الدبلوماسية التي أدت إلى إبرام اتفاقية دايتون للسلام. وقد ضمن هولبروك تأييد شركائه الأوروبيين وروسيا، بالإضافة إلى إشراك قادة الدول المجاورة للبوسنة وكرواتيا ويوغسلافيا (صربيا الآن) في هذه العملية.
ولم تكن اتفاقية دايتون للسلام مثالية، مثلما يظهر الآن من خلال المشكلات الحالية للبوسنة، بيد أن استراتيجية هولبروك نجحت في خلق الظروف المطلوبة لإنفاذ التسوية. ولعبت روسيا، بجانب كل من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، أدوارا مهمة في تنفيذ اتفاقية دايتون، واستطاع المجتمع الدولي الاعتماد على تعاون كرواتيا وصربيا للمساعدة في إدارة التطورات في البوسنة. ويشير هذا الأمر إلى أن جهود إدارة أوباما لدعم مباحثات جنيف، كجزء من تحالف كبير يضم روسيا، هي الاستراتيجية المناسبة، حتى ولو ثبت أن غياب إيران عن مائدة المفاوضات من أحد العوامل التقييدية.
وفي النهاية، فإن التجربة التي حدثت في البوسنة تقدم لنا درسا بأن الحرب لا تنتهي بوضع السلاح. فوفقا لما يوضحه المؤرخ الحربي كارل فون كلاوزفيتز «عادة لا تعد النتيجة الأخيرة لأي حرب هي النتيجة النهائية. فغالبا ما تعد الدولة المهزومة أن النتيجة مجرد شر زائل، وقد يكون معالجة ذلك موجودا في الحالات السياسية لاحقا». وتشير تجربة البوسنة إلى أن النخبة في وقت الحرب تستمر في مواصلة أهدافها العدوانية حتى بعد توقف الأعمال العدائية.
وبدلا من التركيز بشكل حصري على إنهاء العنف في القريب المنظور، يجب أن ينظر المفاوضون إلى أي اتفاق سلام بالنسبة لسوريا على أنه لحظة تحول عندما تحدد الأطراف العوامل المؤسسية والقانونية المتغيرة التي سيواصلون بموجبها الصراع من دون وجود أسلحة. لن تتخلى الفصائل عن طموحاتها الكبيرة عند الجلوس على مائدة المفاوضات. وتكمن قوة الدبلوماسية لتوجيه الصراع بشكل كبير في مدى قدرتها على تشكيل التصرف المستقبلي من خلال التدبير الدقيق على المستوى الانتخابي والدستوري.
وفي المقابل، تحدو المجتمع الدولي طموحات كبيرة من خلال التعهد بإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وحتى لو نجح مؤتمر «جنيف 2» في إنهاء العنف، يجب أن تتوقع القوى الأجنبية، مثلما حدث في البوسنة، أن بعض الفصائل ستسعى لتقويض التسوية الهشة عن طريق استخدام وسائل أخرى. وفي الواقع لا يعد التمرد ظاهرة عسكرية محضة.
ولذلك يجب أن تتسم دبلوماسيتنا بالمرونة والصبر والتواضع بحيث تقود الأطراف المتحاربة إلى الابتعاد عن النزاع والشقاق العلني. وبناء على ذلك، فلا يمكن على الإطلاق التوصل إلى تحقيق السلام من خلال بذل محاولة على المدى القصير فقط.
* زميل في مشروع مستقبل الدبلوماسية بكلية جون كيندي في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «محاربة التمرد الدبلوماسي: دروس من البوسنة والهرسك»
* خدمة «نيويورك تايمز»
منقول عن الشرق الاوسط