المحامي ادوار حشوة : كلنا شركاء
ما يجري في حمص ليس مصالحة مع الاستبداد ولا مصالحة مع الماضي هو بالتحديد عملية تبادل للاسرى مع الراعي الايراني مقابل فك الحصار عن مناطق في في نبل والزهراء في ريف حلب والموالية للنظام وفك الحصار عن احياء معارضة في حمص ومحاصرة وخروج المسلحين باسلحتهم الى مناطق معارضة.
أحياء حمص القديمة ستصبح تحت مسؤولية النظام وهي حالياً خالية من السكان ومهدمة ولا يمكن عودة كل اهلها اليها فلا مياه ولا خطوط كهرباء ولا حتى مجارير للصرف الصحي ومع ذلك سنشهد اذا وافق النظام عودة لبعض المهجرين اليها وتحديهم الواقع الصعب والتعايش مع اخطاره.
منذ ذهاب النظام الى الحل القمعي المسلح ثم ذهاب بعض المعارضة الى عسكرة الاحتجاجات دفاعا مشروعا عن النفس كنا نقول ان التوازن في السلاح مفقود وبالتالي يجب التخلي عن تحرير المناطق وعن التمترس بين السكان لان ذلك سيؤدى الى قيام النظام بتدمير مناطق تواجد المسلحين فيتم تهجير السكان وتهديم المدن
كان اقتراح البعض صحيحا في اعتماد حرب عصابات لاستنزاف القوى العسكرية للنظام والابتعاد عن المدن واماكن السكن ما امكن وعدم التمسك بالمواقع لانها ستكون هدفا للتدمير ولا يمكن حماية الاستقرار فيها لان توازن القوى مفقود وخاصة في الطيران .
هذا التدمير الهائل اخذ في طريقه اكثر من مئتي الف قتيل0 9 % منهم من المدنين العزل وهذا الوضع في المفهوم العسكري ان النظام يضع المعارضة المسلحة في مركز المسؤولية لان وجودها هو السبب المباشرفي التدمير وبالتالي صار معروفا لدى الناس ان دخول المعارضة المسلحة الى قرية او منطقة او مدينة هو مقدمة لتدميرها وتهجير سكانها والفرحة من الدخول المنتصر محدودة في الزمن ومعرضة لارتداد عنيف يدفع ثمنه السكان وهم من الحاضنة الشعبية للثورة .
في حمص لم تنجد الفصائل المسلحة المحاصرين لانهم ليسوا من اتباع داعش ولا النصرة ولا من متشددين محلين وكلهم من ابناء المدينة وشبابها الذين خرجوا في البدايات لتغيير النظام لا لاسقاط الدولة ولا الذهاب الى الحرب الطائفية .
المسلحون الغرباء المتطرفون ارادوا الخلاص من معارضة مسلحة ليست في جيبهم
فلم ينجدوها لفك الحصار عنها طيلة 668 يوما وذهبوا لاحتلال مواقع النفط والقمح في الشمال والشرق.
الان ومن الدرس الحمصي على المعارضة المسلحة ان تغير اسلوب قتالها الى حرب عصابات تعتمد السلاح الخفيف والافراد المتنقلين بسرعة لاصطياد القوى العسكرية وعدم الاختباء في مناطق ثابتة بين السكان وهي كما قال الخبراء حرب استنزاف طويلة المدى يعجز اي نظام عن وقفها في سنوات وقد يسقط بسببها .
بقي من الدرس الحمصي موضوع الهدنة او التفاوض او المصالحة مع الاستبداد
فاما شكل التفاوض الذي تم برعاية من الامم المتحدة ليس تفاوضا على السياسة بل هو تفاوض على تبادل اسرى ومصالح ولا يعني استسلاما ولا قبولا بشرعية الاطراف على الجانبين وهو تفاوض بين مقاتلين ولا يمتد الى السياسة ومحدد في امور محددة كتبادل اسرى مهمين كجنود ايران التي تدير الحرب وتمولها مقابل تبادل اسرى من المعارضة او فك حصار.
ما تم في حمص ليس اعترافا سياسيا من كل طرف بالآخر بل هو اعتراف بين متقاتلين فقط بوجودهم على ارض الحرب ولا يعني الاعتراف بشرعية النظام او بشرعية المعارضة بل اعتراف بوجودهما فقط .
اما المصالحة فهي بعيدة عن المشهد لانها اذا اريد لها النجاح فيجب ان تكون مصالحة سياسية على الماضي بما فيه من اعتقالات وتعذيب وتهديم من احداث حماة 1982 الى احداث الحرب الحالية وهذا لايمكن تحقيقه الا في اطار سياسي يعيد تشكيل الوطن والاتفاق على شكله السياسي بما يحقق الحرية والديمقراطية ويخلق مساحات من التسامح تساعد على لملمة جراح كل اطراف الحرب.
استمرار الحرب وتهجير السكان وتدمير المدن والقرى وعدم وجود حل حاسم في الزمن المنظور جعل للمصالحة على الماضي كله انصار اقوياء في الشعب وخاصة
لدى معارضين لم يحملوا السلاح ولدى موالين ارغموا على الاصطفاف المؤقت مع النظام خوفا لا اقتناعا و هم في كلا الجانبين الان يمثلون الاكثرية .
لكي تنجح المصالحة السياسية يجب ما يلي :
1- ان تكون داخلية ولا يحضرها اي طرف دولي او اقليمي
2- ان تكون مباشرة مع اصحاب القرار في الجانبين السياسي والعسكري
3- ان تتم في بلد عر بي مجاور كالاردن يرعى الاجتماعات امنيا ولا يتدخل
4- ان تحدد مواضيعها بشكل النظام السياسي وبوقف اطلاق النار وعودة المهجرين والعفو العام عن جرائم الاحداث وحكومة اتفاق وطني تعيد هيكلة الجيش وقوى
الامن وانتخابات حرة وتعويضات للمتضررين من المال العام ومن القروض الخارجية.
الان وبعد الدرس الحمصي صار بالامكان الانتقال من التفاوض بين المسلحين الى التفاوض السياسي لا على النظام وشكله فقط بل على الماضي كله في اطار حوار وطني شامل لايتدخل فيه احد ويملك مساحات من التسامح متقابلة.
فهل هناك وعي سياسي يساند مشروع المصالحة على الماضي ام ترانا سنظل وقودا في حرب داخلية يقودها الغرباء والدول من اقليمية ودولية تفرح للدم السوري ولا تريد نهاية له هذا هو السؤال .