عام 1965 ذهبنا، الزميل عادل مالك وأنا، إلى دمشق، هو من «الجزيرة» وأنا من «النهار» لتغطية حدث ما، لا أذكر ما هو لكثرة ما تكاثرت أحداث عاصمة الأمويين في تلك الفترة. بعدما عبرنا الحدود بقليل، أعادنا حاجز للجيش السوري قائلا إن المدينة في حالة حصار، والأفضل ألاَّ نغامر. فعدنا إلى بيروت نتلقى الأخبار من وكالات الأنباء، والبيانات العسكرية من إذاعة الجمهورية العربية السورية التي كانت برئاسة الفريق أمين الحافظ. طبعا حمدت الله أنني لم أكمل الطريق ذلك اليوم، ليس بسبب أخبار القصف على المدنيين في بساتين اليرموك، بل بسبب اللهجة التي تحدث بها السيد الفريق إلى مواطنيه والعرب والعالم.
أحببت أن أنسى الخطاب السياسي الذي ساد في تلك المرحلة، وأشهر شعاراته «اسحقوهم حتى العظم»، البرقية التي أرسلها علي صالح السعدي إلى رفاقه في بغداد، ومن بعدها عاش منفيا وحزينا بعيدا عنها. ومع العمر، توصلت إلى قناعة وهي أن حالات العنف المريعة التي وصلنا إليها بدأت تنمو كالفطر في عَتم السجون.
كان علي أن أقرأ، كمحرر للشؤون الخارجية، بالاضطرار، لا بالاختيار، نصوصا مفزعة ومقلقة على المستقبل. ويومها قال السياسي اللبناني أديب الفرزلي جملة ذهبت مثلا: «لقد وضعوا سيارة الأمة على السرعة الخلفية. وبدل أن يدوسوا على المكبح، يدوسون بكل قواهم على دعسة البنزين».
في «النهار» زاوية يومية عنوانها «قبل 50 عاما». قبل أيام كان موضوعها إضرابا أعلنه تجار دمشق. وجاءت جماعة من الطلاب تعلن دعمها لسيادة الفريق، فقرر أن يلقي خطابا فيهم من خطبه الجليلة التي اتسمت بمحبة الناس وسعة الصدر. قال: «لقد وقف هؤلاء المجرمون المستغلون، مصاصو دماء الشعب (…) ونحن سنسحق رؤوسهم وسنقتلهم في هذا الشهر. لقد استغل بعض هؤلاء المنافقين الجبناء الدجالين الدين، والدين أسمى من أن يُستغل. وقفوا بجانب الجواسيس والعملاء، وسيكون السيف قريبا في رقابهم. وسوف يدوسون (الشعب) على رقاب أعدائكم فرادى ومجموعات. سيبقون في السجون حتى يموتوا كلابا. إن الجرثومة لا يُقضى عليها إلا بالقتل. ثقوا أنكم ستسحقون بأقدامكم هؤلاء اللئام. إننا سندق أعناق هؤلاء اللئام وسينالون حسابهم، هم ومن خلفهم».
خُيِّل إليّ، شابا، أننا لن نخرج من المحنة، لأن من يرَ في مواطنيه كلابا سوف يعاملهم كالكلاب، ولأن مناهجنا الدراسية تُدرج خطبة الحجاج في «باب البلاغة الخطابية»، ولأننا نختار قصيدة المتنبي في كافور لطلاب الثانوية بدل أن نختار أيا من روائعه، فيحفظ الطالب العاشق لشاعره: «لا تشترِ العبد إلاّ والعصا معه، إن العبيد لأنجاس مناكيد». ليس المطلوب إلغاء خطبة الحجاج من التاريخ، ولا قصيدة كافور الإخشيدي من ديوان المتنبي، لكن إبعاد مثل ذلك قد ينشئ جيلا أكثر اعتبارا لأهله.
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :