خسوف القمر وكسوف الشمس من الظواهر الفلكية والكونية التي لا علاقة للبشر بها لا عن قريب ولا عن بعيد. يحدث الخسوف عندما تحجب الأرض خلال دورانها أشعة الشمس عن القمر، وغالبا ما يحدث هذا الأمر مرتين في السنة. ويتخذ الخسوف ثلاثة أشكال: الكلي، وذلك عندما يدخل القمر كله منطقة ظل الأرض، فتنعدم الرؤية تماما. والجزئي عندما يدخل جزء من القمر في منطقة ظل الأرض. وأخيرا خسوف شبه الظل، حيث يدخل القمر منطقة شبه الظل، فيخفت ضياءه ولا يُخسف كله.
أما الكسوف فيحدث عندما يتحرك القمر في ظل الأرض الأرض، أو كوكب ما يتحرك في ظل أحد أقماره. ويكون الكسوف كلي عندما يصل ظل القمر إلى سطح الأرض، والجزئي عندما يسقط فيها شبه ظل القمر على سطح الأرض، والكسوف الحلقي(خاتمي) عندما يكون القمر في نقطة بعيدة ما عن الأرض، فيكون قرص القمر عندئذ أصغر من أن يحجب كامل قرص الشمس. وجاء في معجم المصطلحات العلمية والفنية أن” خسوف القمر
Lunar Eclipse
هو احتجاب سطح القمر أو جزء منه، عندما تكون الأرض بينه وبين الشمس، وقد يكون هذا الاحتجاب جزئيـًا أو كليـًا. وأما الكسوف
Solar Eclipse
فهو احتجاب الشمس أو جزء منها حينما يقع القمر بينها وبين الأرض، وقد يكون جزئيـًا أو حلقيـًا أو كليـًا” ( معجم المصطلحات/204).
الظاهرة في الإسلام
الإعتقاد السائد في الجاهلية ان الكسوف ناجم عن موت رجل عظيم أو ميلاد عظيم، وظن المنجمون أنه يؤثر على سلوك الناس وتصرفاتهم، وكان الوثنيون” يعظمون الشمس والقمر بإعتبارهما أعظم الأنوار السماوية، حتى بلغ الأمر عبادتهما”. (اليسار الإسلامي وتطاولاته) وقد كان عرب الجاهلية الأولى يعتقدون أن القمر في ضائقة أو أسِرٌ، فكانوا يضربون بالمعادن محدثين ضجيجـًا وجلبة، ويقولون: يا رب خلـّصه”. (حسن الباش/29). إلى وضح النبي (ص) بأنه لا علاقة للظاهرة بالموت.
فقد ورد في سورة يس/40 (( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)). وجاء في سورة الفرقان/47 (( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا)). وفي سورة يونس/57 (( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب)). وروى المغير بن شعبة” كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم فقال الناس: كُسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال قال النبي(ص): الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فأفزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة”. (صحيح البخاري3/223). وقد أدهش هذا الحديث العلمي المستشرقين لعلميته، وهذا ما عبر عنه المستشرق درمنغم في كتابه حياة محمد بقوله” إن محمدا كان واسع العقل فردٌ على هذه الخرافة بهذا القول، وهذه كلمات لا يقولها مخادع”. (محمد رسول الله/345). وفي حديث آخر وردت الإضافة الآتية ” صلوا حتى ينجلي”.(صحيح البخاري/1011). وفي حديث آخر” لكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده”. (صحيح مسلم/901). وهذا يعني أن السبب الشرعي من وراء الظاهرتين يمكن في تخويف الله عباده، وفعلا فقد كانوا الناس يخشون هذه الظواهر الفلكية ولا يفقهون سرها.
ورد عن عائشة رضي الله عنها إنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله (ص)، فصلى رسول الله، فقام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا، وتصدقوا، ثم قال : يا أمة محمد ، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً”. ( صحيح البخاري ).
اختلف العلماء في حكم صلاة الكسوف والخسوف، فمنهم من قال: أنها سنة، ومنهم من قال بل هي واجبة، وهو رأي بن القيم الجوزي لأنه لو لم تكن واجبة لما فزع النبي (ص)، ونادى لصلاة جامعة؟ قال الإمام الغزالي في تفسير الظاهرة ” كقولهم خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس وكقولهم ان كسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعف أمره وأن هذه الأمور يقوم عليها براهين هندسية حسابية لا يبقى معها ريبة فمن يطلع إليها ويحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف وقدرهما ومدة بقائهما الى الانجلاء إذا قيل له أن هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة أكثر من ضرره ممن يطعن فيه وهو كما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل فإن قيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة فكيف يلائم هذا ما قالوه؟ قلنا: ليس في هذا ما يناقض ما قالوه إذ ليس فيه إلا نفي الكسوف لموت أحد وحياته والأمر بالصلاة عنده والشرع الذي يأمر بالصلاة عند الزوال والغروب والطلوع من أين يبعد منه أن يأمر عند الخسوف بهما استحباباً”. (تهافت الفلاسفة).
الخسوف والكسوف قديما
أول من رصد هذه الظواهر الكونية هم الكلدانيون والبابليون والهنود والصينيون من خلال المراصد الفلكية البدائية التي إستخدموها. وأقدم الألواح التأريخية التي تتعلق بالظاهرة وجدت في القرنين السابع والثامن قبل الميلاد. هي تلخص المعارف الفلكية
Mulapin
وأرصاد منهجية للخسوف وللكسوف. وكان الناس في العهد البابلي يسمون اله القمر(سين) وإله الشمس(شمش) وهما يسيران العدالة في الأرض. وكان البابليون يخشون الظاهرتين كبقية الشعوب فالسبب يكمن في معتقدهم هو إعتداء الأرواح الشريرة على القمر، حيث يهحم سبع من الشياطين عليه، وهو يرون أن الهجوم يستهدف الملك نفسه، مما يجعلهم يتخذون إجراءات حماية ووقايه لإخفاء الملك الحقيقي بالتنكر كعامة الناس ونصب بديل مزيف له. وكان العامة يهرعون إلى المعابد للصلاة والدعاء وينحرون الذبائح للكهان.
تمكن علماء الآثار عبر دراسة ظاهرة الكسوف أن يحددوا تسلل السنوات في العهد البابلي، ويشير العهد القديم بأنه “في هذا اليوم يقول الرب سوف أخفي الشمس في وقت الظهيرة حيث تظلم الأرض في النهار”. في حين ان المؤرخ هيرودوتوس(484 ـ425 ق. م) ذكر الكسوف في كتابه أربع مرات دون ان يعرف معناه، فقد وصفه مرة بقوله” أظلمت السماء بغتة”، وتارة “صار النهار ليلا، والنور ظلاما”، وتارة أخرى ” تركت الشمس مكانها في السماء وإختفت عن الأبصار”. مما يعني تقدم علم الفلك عند سكان بلاد الرافدين عن بقية الشعوب، ولكنهم اليونانيين كانوا أيضا يقدمون الذبائح والقرابين إسترضاءا للسماء والآلهة أسوة ببلاد الرافدين.
أما الهنود فكانوا عندهم الكثير من الأساطير حول الظاهرة الفلكية، منها أن القمر هو كأس يعود للآلهة (الأمريتا) وكانت تشرب منه أكسير الخلود، وتقوم الإسطورة على أن الآلهة حركت حليب البحار فنشأ (الأمرينا) فقان الغول (راهو) بسرقة رشفة منه، فإكتشف الإله (فيشنو) السرقة وقتل الغول وقطع رأسه، فأخذ رأس المارد يطارد القمر، وعندما يلتهم الرأس القمر يحدث الخسوف، ولأنه فقط رأس وليس عنده بقية الجسم كالمعدة، يعود القمر للخروج من رأسه مرة أخرى فيظهر من جديد، وهكذا تستمر المطاردة السماوية. وخلال الخسوف الذي يعبرونه نذير شؤم لا يطبخون الطعام ولا يأكلون شيئا خلاله بإعتقادهم أن الطعام سيكون مسموما. ويردد الهنود تراتيل وأدعية خاصة ليحفظهم الإله ويمنع عنهم الخراب والأوبئة والحروب والكوارث الطبيعية.
أما الإسطورة عند الصينيين فتذكر بأن الخسوف ناجم عن قيام الحيوانات المفترسة بعضٌ القمر وإيلامه فيغضب منهم، لذا كانوا يحدثون ضوضاءا كبيرة لأبعاد الحيوانات المؤذية عنه. وهناك إسطورة أخرى تتلخص بأن التنين السماوي يهجم على القمر ويلتهمه، فيدقون الطبول ويقرعون الأجراس كي يتقيأه. في الأساطير الأفريقية يعتبرون أن الكسوف هو غضب إلهي، مما يتطلب الصلاة، وتقديم القرابين لتعود الشمس مرة أخرى. وتعقد بعض القبائل أن للقمر (22) زوجة، وهو يمتلك مختلف الحيوانات ويطعمهم، وعندما لا يوفر لهم الطعام يهاجموه وينهشون به، فتأتي زوجاته الـ (22) ويعالجونه من جروحه فيشفى ويعود ثانية. وهناك إسطورة حول إعتلال القمر بسبب مرض يلمٌ به، وعن طريق الصلاة والأدعية ونحر القرابين يشفى من مرضه ويقوم سالما معافى. ولكل قوم إسطورة وحكاية حول الظاهرة. ولكن يلاحظ إنها تتفق بأن سببه هو سخط السماء، وهي معركة كونية.
الخسوف والكسوف عند العرب
هناك تشابه كبير في العادات والتقاليد في الدول العربية حول تفسير الظاهرة وكيفية مواجهتها والإحتفال بإنتهائها. فالحوت أو الحوتة هي التي تبتلع القمر، ولأخراجه من بطنها لا بد من إحداث ضوضاء كبيرة تزعجها وتجعلها تخرجه، وعندما تعود الحالة الطبيعية يتبادل الناس التهاني ويبقى الموضوع حديث اليوم والأيام المقبلة، كل يتحدث عن مآثره، سيما في الأزمان التي لم يخترع فيها الكهرباء فكانت الناس تتسلى بالأحاديث.
في مصر مثلا عندما يبدأ الخسوف أو الكسوف يهرع الرجال والأطفال للشوارع، وتعتلي النساء السطوح وهم يظنون بأن الشياطين تختق القمر أو الشمس، ويطرق الجميع بأواني النحاس لإبعاد الشياطين، وهم يصيحون بأعلى صوت:
يا حوتة يا مكحوتة قمرنا أكل الحوتة
والحوتة راحت مكحوتة (أي مهزومة).
وبعض العامة يعتقد أن” بنات الحور يمسكن به ليمنعن النور عنا، لذا كانوا يدقون الطبول منادين: يا بنات الحــــور سيبوا القمـــر للنـــــــور” . (السحر والمجتمع/60).
وينشد آخرون” يا سيدنا يا عمر فك خنقة القمر.. يا سيدنا يا بلال فك خنقة الهلال”. يقصدون عمر الفاروق والصحابي بلال الحبشي.
وفي دول الخليج العربي يعتقدون أيضا أن الحوت بلعت نصف القمر، فتدق النساء في الهاونات والأواني النحاسية (قدور الطهي) لكي تتركه بسلام، ويغنين:
يا حــوتــه زوعــي وردٌي القمر (تقيأي القمر)
أو: يا حوتة خلي قمرنا اسمعي دنين النحاسي
العادات والتقاليد في العراق
في العراق يعتقد الناس نفس الإعتقاد بأن القمر بلعته الحوتة، حيث يذهب الرجال عادة إلى المساجد لإقامة الصلاة حسب ما ورد في الشرع، وتضرب الفرق الشعبية الموسيقية الطبول بأصوات عالية، وتهرع النساء والاطفال الى سطوح الدور وهم يدقون بقدور الطبخ النحاسية والهاونات لكي تتقيأه الحوت ويصرخون بأصوات مرتفعة:
يا حوته يا منحوته هدي قمرنا العالي ( أي أتركي)
وإن جــــان ما تهدينا لضربج بسجينه (أي أطعنك بسكين إذا لا تعيده لنا)
هدي قمرنا العالي هذا قمرنا الغالي
يذكر بهذا الصدد عبد الحميد العلوجي”على ضفاف دجلة وقفت الأمهات المرضعات والأزواج الحبالى باتجاه القمر، بعضهنّ يمسك إما بخيوط قصار تتدلى منها كرات من الطين، أو بخرزتين بيضاوين من الخرز المشهور باسم ( در نجف) ، وكلا الفريقين يزعم أن الطين أو الخرز ينكر لونه الطبيعي في أثناء الخسوف، ويميل إلى زرقة غامقة تنفع الجنين في الرحم، والرضيع في المهد والحضن، وتقيه شر الكبسة، أي المفاجأة الخطرة التي تدهم الوليد. ولا ينتهي الكسوف والخسوف بهذه الضجة التي تحدث من جراء الأصوات المتنافرة ، والضرب على الطشوت والصحون، وإنما كانوا يراقبون الألوان التي تصير ساعة الكسوف أو الخسوف، فإذا كان اللون البارز أسوداً مثلاً لشدة الكسوف ضربوا يدًا بيدٍ وقالوا إن مرضـًا في طريقه إليهم وإن كان اللون أحمر قالوا إن الأحمر يدل على الدم ، فلا بد من أن حربـًا قادمة تسيل فيها الدماء كما يسيل الماء في دجلة والفرات”. (مجلة التراث الشعبي5/1972).
من المعتقدات ذات العلاقة بالخسوف والكسوف ان لا يخرج الناس سيما خلال الكسوف على أساس إنه يؤثر على العين ويسبب العمى المبكر، وتبين فعلا إنه يؤذي العيون ولكنه لا يسبب العمى. وهناك من يظن إن خروج المرأة الحامل خلال الكسوف يعرضها للإجهاض أو يكون الطفل معوقا أو مشوه الخلقة. وهناك من يظن أن الحامل إن مست بطنها بيدها وقت الخسوف يُولد الطفل بوجه نصفه أسود، وأذا مَسته وقت الكسوف تلد طفلا أحمر البشرة. ويقوم الأهالي بإخفاء المرضى في زوايا وسراديب البيوت خشية تفاقم مرضهم أو موتهم سيما أمراض الفتق وداء الكلب والصرع. ويعتقدون أيضا إن زيادة الواجهة السوداء من القمر تستدعي الصلاة والدعاء، ومن لا يقوم بهذا الواجب الديني سيزداد عذابه في القبر عند موته. وبعض النساء يملأن طستا بالماء ويأخذنه إلى سطوح منازلهنٌ ويقرأن الأدعية عليه ويستحمنٌ به لإبطال السحر. ومع التطور الثقافي والحضاري وإرتفاع مستوى التعليم بين الناس إنتهت هذه المظاهر، وصارت جزءا من التراث العراقي.
المصادر
ـ القرآن الكريم والصحاح والسنن.
ـ اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة/ د. إبراهيم عوض. مكتبة زهراء الشرق. مصر 2000
ـ محمد رسول الله/ محمد رضا. دار الكتب العلمية. بيروت 1975
ـ الموسوعة الفقهية. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية. دار الصفوة. مصر 1993
ـ مجلة الزهور. السنة 1912/ مطبعة المعارف مصر. 1912
ـ السحر والمجتمع / د. سامية الساعات. دار النهضة العربية. 1983
ـ مجلة التراث الشعبي. العدد الخامس/ بعداد 1972