اعتاد علي مداعبته بالقول : دبور زن علي خراب عشه, وخروف مأمأ علي هدم آثار بلده ..
. واعتاد الخروف (الصغير) .علي احتمال تلك المداعبة الممزوجة بالتقريع . من ابن عمه , وصديقه الذي يكبره بسنوات قليلة .
ولكنه لم يتوقف عن المأمأة علي دمار آثار بلده .
كان الخروف . من اذكي اقرانه من الخراف . متفوقاً في دراسته .
دخل كلية الهندسة . وكان عضوا في جماعة خراف نلك الكلية . وطالما مأمأ علي دمار آثار بلده .. كما في المدرسة الثانوية . كذلك في الكلية ..
كبر الخروف , و أنهي دراسته الجامعية بتقدير عالِ ..
حصل علي بعثة ببلاد الفرنجة الكفار . وهو لا يحبهم .
سأل فقيها في المأمأة . يستفتيه في مدي شرعية قبول بعثة علمية ببلاد الكفار الفرنجة – قالها وهو يستعيذ بالمعيذ .
فطمأنه فقيهه . بأن الضرورات تبيح المحظورات . وعليه السفر للبعثة والاستفادة من علوم الكفار الأنجاس . لمحاربتهم بعلمهم . جهاداً في سبيل المولي .
سافر الخروف . لبلاد الفرنجة ” فرنسا ” . وكان من الطبيعي أن يتعرف علي زميلات وزملاء . من بنات وأبناء الكفار بذاك البلد .
في حلقة سمر . بفناء مبني الكلية . دار حديث بين مجموعة من الطالبات والطلبة . ارتاح ” الخروف ” لاحدي الطالبات ” سيمون ” – فرنسية – . وبرق في ذهنه حلم . في أن يتزوجها . بعد أن يقنعها بأن تلف شعرها وصدغيها وأذنيها بغطاء . وتلتزم بباقي ما ينتوي فرضه علي زوجة المستقبل.
صارت بينه وبين ” سيمون ” شيء من ألفة . راح كل منهما كلما تقابلا في فناء الكلية . يسعي لاستكشاف المزيد عن الآخر.
عندما كلمته عن آثار بلده الفرعونية الشمخاء . التي تحكي عنها الدنيا . باح لها بقناعته العقائدية ونوايا جماعته الخرفانية نحو الآثار ببلده. وخاصة الأهرام وأبو الهول . باعتبارها أوثان وشرك بالله . يجب تحطيمها .
اكتسي وجه ” سيمون ” بذهولً من نوع غريب . وكأن صداعً حاداً قد أصابها فجأة ! .
لم تفق من ذهولها . الا عندما شعر هو بالحرج . وراح ينظر في ساعة يده – بينما زميلة لهما ترمقهما عن قرب .
نظرت ” سيمون ” هي الاخري في ساعة يدها . وقالت له متحججة . ان ميعاد بدء المحاضرة يبدو انه قد اقترب . فلنسرع . وسبقت هي مبتعدة عنه . وفي رأسها خطة تدبرها ..
زميلتها . وصديقتها الحميمية ” جاكي ” التي التقطت حالة ذهولها تلك . رأت أن تسألها عن سر اكتئابها وهي في حديث ثنائي مع ذاك الزميل الذي ترك الشعر يكسو وجهه بشكل قبيح ..
— عندما سألتها ” جاكي ” عن السبب .. أخبرتها بأن وجهها المندهش . كان يشبه بالضبط . وجه المستشارة الألمانية ميريكل . عندما استقبلت عظيم خراف النيل منذ قرابة شهر . و في مباحثاتهما الثنائية الرسمية . وفوجئت بسحب ضخمة من ظلام الجهل . تملأ رأس ومخ . القادم من واحدة من البلاد التي شع منها نور و نهار حضارة هامة في تاريخ البشرية ! . فغابت المستشارة الألمانية . في دوامة من الذهول يصعب وصفها …. وشعر عظيم خراف النيل . بالحرج عندما توقفت المستشارة الالمانية عن الحديث معه . لشدة غرقها في الدهشة من جهله .. فراح من كسوفه . ينظر في ساعة يده . وكذلك فعل مثله , ” الخروف ” الطالب . عندما غابت زميلته ” سييمون ” في الذهول . مما سمعته منه ..
دبرت “” سيمون ” الطالبة الفرنسية . مؤامرة ضد زميلها ” الخروف ” . لتستثير فيه نخوة حب الوطن وتاريخه . تلك النخوة الميتة بداخله .
عند ” سيمون ” ببيت عائلتها .غرفة خاصة بعرض هوايتها . تجمع فيها الكثير من التماثيل والآثار المصرية القديمة والبرديات – المقلدة بمهارة عالية وكأنها أصلية ..
فرأت أن توجه دعوة بمناسبة عيد ميلادها . الذي اقترب موعده . لمجموعة من زملائها وزميلاتها من الطالبات والطلاب الأجانب الوافدين من دول أخري . ومن ضمنهم زميلها الخروف النيلي .
وفي اليوم المحدد .. حسب الميعاد . حضروا . وشاركوها الاحتفال بعيد الميلاد .. وكان وقتاً جميلاً أسعدهم جميعاً ..
قبل مغادرتهم . كانت ” سيمون ” قد حبكت خطة مؤامرتها . هي و ” جاكي “.. اذ دعتهما لمشاهدة معرضها اللطيف . بالغرفة المجاورة .
رحبوا جميعاً
كانت قد أسرت لكل فرد بالمجموعة .بما تنوي فعله مع الخروف . والسبب وراء ذلك. واتفقت معهم. علي تأييدها بشدة فيما سوف تزعمه ..
سيمون ( مخاطبة ضيوفها الزملاء ) : الآن .. آخر فقرة في نهاية حفل عيد ميلادي .: سوف أعطيكم فكرة عن معرضي الجميل . :
ان بلدي ” فرنسا ” هي صاحبة واحدة من أهم الحضارات الانسانية القديمة . التي اتخذت منها حضارة عصرنا الحديث . قاعدة للبناء . وأنا كمحبة لحضارة وطني . فرنسا . أجمع عندي مجموعة كبيرة من آثار تلك الحضارة التي أفخر بها . هيا تفضلوا
نهضوا جميعا معها . وتوجهوا لغرفة المعرض .
( ان جميع المعروضات . فرعونية !. من تلك التي تضج بفرعونيتها ومصريتها . وتعرفها كل شعوب الأرض – توت عنخ آمون , مسلات , نماذج لأهرامات , وأبي الهول . ومعابد , مراكب الشمس الفرعونية , وعليها النقوش والكتابة الهيروغليفية . أوراق بردي عليها النقوش الفرعونية بألوانها الزاهية , تحمل صور نساء فرعونيات ورجال) !!
سيمون ( مخاطبة اياهم ) : انظروا .. شاهدوا حضارة فرنسا العظيمة . وأجدادي القدامي العظماء .
… … !
هنا . طار صواب الخروف .القادم من بلاد الأهرامات . وصاح صارخاً :: انها مصر . انها حضارة بلدي !! هذه حضارة أجدادي وليست حضارة أجدادك الفرنسيين !! .
( حسب الاتفاق . مع سيمون ) رد عليه زميل من اندونيسيا ” تمكو ” وقال له :
أي مصر يا زميلنا ! انها حضارة فرنسا العظيمة القديمة !
الخروف ( شهق فزعاً وازداد شعوره بالحسرة والغيرة قائلا ) : بل هي مصر . هؤلاء أجدادي ..
ردت عليه طالبة زميلة من الأرجنتين ” ايزابيلا ” :: يا أخي تلك حضارة فرنسا . كما نعرفها وكما درستها ببلدي الأرجنتين .
الخروف – ( وقد جن جنونه أكثر ) :. وراح يقسم لهم بالسماء . ان تلك آثار أجداده . وحضارة بلده مصر .
كيتا : ( طالب افريقي من السنغال ) : :يا أخي مصر ليست بلد حضارة . وأنا افريقي من نفس قارتك . وأعرف ذلك تاما ! .
!!!
الخروف : (تضاعفت دهشته وكاد أن يفقد عقله فعلاً ..! وشعر بفجيعة كبري من الغيرة علي مجد بلده ووطنه , الذي يسلب ويضيع أمام عينيه وبين يديه .. وبدا كما لو كان حريقاً قد شب برأسه وبداخل صدره , فراح يدق الأرض بقدمه في جنون . وهو يكاد أن يبكي ) :
انها آثار أجدادي . هؤلاء فراعنة . مصريون ! انظروا شكلهم , مثلي بالضبط , لون بشرتهم .. سمراء كلون بشرتي تماماً . ( مخاطباً سيمون ) وأنتي يا ” سيمون ” شقراء , فرنسية !
تونج : (طالب من الصين ): يا أخي .. هكذا كان شكل الفرنسيين قديماً . وهكذا كان لون بشرتهم ..
” سيمون ” ( تؤكد علي قوله ) : نعم , نعم هكذا شكل أجدادي الفرنسيين قديماً . لأن المناخ كان مختلفاً ..
الخروف : ( يصرخ ) لا لا هذه أثارنا الفرعونية المصرية , انها آثار أجدادي .
غطفان ( طالب من الكويت ) : يا زميلنا .. أنا من دول المنطقة . وزرت مصر مع أبي وأسرتي . ليست بها سوي نهر النيل وأحصنة وجمال وماعز . ومراكب نيلية ونخيل وشجر توت وصفصاف . ولا أكثر من ذلك . ما تعرضه أختنا , انما هو من حضارة فرنسا القديمة العظيمة ..
الخروف : ( توترت أعصابه جداً وترقرت الدموع في عينيه , وقال غاضبا وهو يندفع للانصرف ) : كلكم , هكذا ! .. طيب أنا ماشي ( وانطلق محاولاً الخروج , فلحقت به زميلتهم المضيفة ” سيمون ” . و ” انديرا ” الهندية . وراحتا تهدئان من ثورته . ببعض الكلمات . حتي هدأ وجلس علي كرسي وحيد كان موجوداً بالغرفة . وقد وضع رأسه بين كفيه ., لأول مرة يشعر بأن مصر هي أهله وعشيرته . قبل ذلك اليوم لم يكن يعرف له أهل ولا عشيرة سوي الجماعة التي ينتمي اليها , والتي تعلم منها أن الدين وطن . والوطن لا شيء . انها المرة الأولي اليوم التي فهم فيها معني كلمة وطن . وأن الوطن شيء أكبر وأهم بكثير من أية جماعة . وأن الانتماء للوطن شرف دولي , وكرامة وهوية عالمية . بعكس الانتماء لمجرد جماعة ضمن جماعات كثيرة. )
أنديرا ( زميلته الهندية : يا صديقنا . نحن كلنا نحبك . ولا نقبل أن تثور وتغضب منا . كل ما في الأمر أن زميلتنا . قدمت البينة .علي ادعائها . قدمت لنا دليلك . . ان كان لديك دليل علي ما تقول . فقدمه .
الخروف : نعم عندي أدلة وأدلة لا حصر لها
كيتا ( السنغالي ) : حسناً قدم أدلتك ..
الخروف : نعم لدي الأدلة الكثيرة , ولكن ليست هنا . انها في مصر . سأدعوكم لزيارة مصر في اجازة نهاية العام الدارسي . لتشاهدوا بأبنفسكم .
سيمون (الطالبة الفرنسية . صاحبة الدعوة ) : حسنا حسنا . هذا هو الكلام السليم . وبدون غضب ..
الخروف : في اجازة نهاية العام الدراسي . سأدعوكم لزيارة مصر . وضيافتكم ستكون بمنزل أسرتي الكبير الفسيح . بقريتنا الجميلة الهادئة ذات التاريخ الحافل بالآثار , والمدافن ذوات النقوش الفرعونية . والمنحوتة في صخر الجبل. . وقريتنا بها متحف صغير يضم العديد من مثل تلك الآثار . الحقيقية , لا المقلدة .
( يصيحون جميعاً بحماس ) : ونحن مستعون لزيارة مصر . ولنري ان كان لديك دليل . علي ما تقول.
الخروف : سوف ترون بأعينكم
غطفان (الكويتي ) : يا أخي لا تحرج نفسك . مصر ليست فيها شيئاً مما تدعيه . أنا أعرفها .
الخروف : سوف تحضر معهم . اليس كذلك ؟
غطفان : نعم اكيد سوف احضر
الخروف ( للمجموعة ) : حسناً سوف يرون من منا الصادق .
( بينما زميلتهم ” سيمون ” تودعهم . بعد انتهاء حفل عيد ميلادها . حاول ” الخروف ” اخفاء فجيعته واكتئآبه , بأن رسم ابتسامة علي شفتيه . وهو يودعها . متمنيا لها عمراً مديدً . وانصرف مع باقي زملائه عائد الي مسكنه .
في طريقه الي مسكنه . دار بفكره . كم ستفرح أمه الفلاحة الطيبة . باستضافة هؤلاء الطلاب والطالبات الأجانب في بيتها . زملاء ولدها . وكيف ستزهو بذلك أمام جيرانها وأهل القرية جميعاً , وكم سيفرح أبوه الفلاح . الرجل الكريم المضياف . بزملاء وزميلات ابنه.. وكيف سيتوافد علي منزل عائلته . الكثيرون من الاقارب والجيران لرؤية الطلاب والطالبات الأجانب . ويسلموا عليهم . ويرحبوا بهم . وكيف سيقوم هو بدور المترجم . وكيف سيتسابق كثيرون من اهل القرية . علي دعوة ضيوفه . هذا علي الغذاء , وذاك علي العشاء , وهذه تدعوهم لتناول الفطور عندها – جدته – ..
وما ان وصل لمسكنه واستبدل ملابسه . وتمدد علي سريره سارحاً في تأمل كيف ستكون تفاصيل زيارة زملائه لقريته ليشاهدوا بأنفسهم دليل صدق كلامه . وجهل وكذب زميلهم ” غطفان “.الكويتي . انفجر في البكاء . . عندما تساءل مع نفسه : ولكن ماذا سأقول لهم . لو عدت لأجد الأخوة في الجماعة . قد قاموا . كما اتفقنا . بهدم كل آثار مصر الفرعونية . بما فيها بالطبع آثار قريتنا !!؟
واستطر يقول لنفسه : حينها ستكون فضيحة لي . وسأبدو أمامهم كذاباً مدعياً . فمن أين سآتي لهم بالأدلة .
!!
هنا فهم لأول مرة . وعرف أن الآثار والتماثيل هي وثائق , مستندات , أدلة تاريخية . تدل علي تاريخ أمة وشعب وجدود . شهادات تشهد ان كانت لأمة ما , ثمة تاريخ يُعتز به وتؤخذ منه التجارب والمواعظ . التي تلهم حضارة العصر . أم هي أمه ماضيها عبارة عن جهل وتخلف ؟! …
فهم للمرة الأولي . ان هذه التماثيل وتلك الأهرامات . هي البطاقة العائلية , والشخصية , والباسبور : الهوية الدولية . الخاصة ببلد وبشعب بأكمله .. وهي سجل نسب العائلة , بالنسبة للأمة.
فهل سيتوقف الدبور عن الزن . علي خراب عشه ؟