مقدمة :
كلّما إقتربَ الموتُ ,نرى أكثر الناس يرغبون بالبقاءِ على قيد الحياة !
حتى أؤلئك الذين يتغنّون بالموتِ كالإرهابيين الإنتحاريين ,إنّما يفعلون ذلك (وهذا مايعلنوه هم أنفسهم) طلباً للحياة الأخرى الدائمة بنعيمها !
لكن السؤال هنا :هل هناك إحتمال واحد أن يصيبنا المَلل لو دامت حياتنا الى الأبد ,سواءً في هذهِ الحياة على الأرض أو تلك المُتخيّلة في السماء ؟
بالطبع لا نستطيع الجواب على مثل هذا السؤال ,كون لايوجد إنسان واحد إستمر في حياتهِ الى الأبد ,أو عادَ من السماء ليحكي لنا عن تجربتهِ !
حتى قصّة نوح (المُفترَض) الذي عاش مايقرب من ألف عام ,لم تذكر لنا النصوص شيئاً عن مشاعره وسعادته ورضاه .أم أنّ اللعنات طالته أواخر حياته ,وربّما أصيب بالملل والكآبة والحُزن والجنون !
إنّما بعض أفلام الخيال العلمي قد عالجت موضوع الخلود ,أحلامه و تداعياتهِ وهل هو نِعمة أم نَقمة ؟
الآن أستمر في تلخيص الجزء 13 من كتاب الخرافة في عصر العِلم/لعالم الفيزياء الأمريكي روبرت لي پارك ,ويدور حول فكرة الخلود في الحياة !
ص 101 / ماذا نريد حقّاً ؟
في غيابِ أيّ إحتمالٍ للتحقّق التجريبي من وجود حياة اُخرى ,فلا يُمكن أن يكون السؤال عن حياةٍ لاحقة خاضع للنقاش العلمي !
في رسالتهِ السنويّة الثانية للمؤمنين “عن الأمل المسيحي” يسأل الپاپا بيندكت ال 16 سؤالاً أكثر وجاهة :(هل نريد فعلاً أنْ نعيش الى الأبد ؟)
يُظهِر هذا السؤال جانباً غير متوّقع البتّه لهذا الپاپا !
قبل إنتخابه للكُرسي الرسولي حين كان كاردينالاً يحمل إسم ( راتزنغر) كان يرأس مَجمَع عقيدة الإيمان .وهو المكتب الفاتيكاني الذي كان يُعرف بـ (المكتب المُقدّس للتفتيش) .معناها كان هو المُدافِع الرسمي عن العقيدة الكاثوليكيّة التقليديّة .حتى أنّهُ وَصَفَ مُلاحقة الكنيسة لغاليليو بأنّهُ معقول وعادل !
لكن رسالته الثانية كپاپا (المنشورة في 29 نوفمبر 2007) ربّما جاءت من عصر التنوير ,حيث يقول :
(( إنّ إلحادَ القرنين التاسع عشر والعشرين هي في جوهرها وأهدافها ضَرباً من الأخلاقيّة وإحتجاجاً على مَظالم العالم وتأريخهِ )) !
وحول سؤال (ما إذا كنّا نرغب بحياةٍ أبديّة فعلاً) كتب يقول :
[ربّما يرفض كثيرون هذا الإيمان اليوم ,كونهم ببساطة لايجدون الوعد بحياةٍ أبدية جذّاباً .فما يرغبون به ليس الحياة الأبدية على الإطلاق ,إنّما هذه الحياة الحاضرة التي يبدو فيها الإيمان بحياةٍ أبدية أشبه بعقبة .
يبدو الإستمرار في الحياة الى الأبد دون نهاية أشبه بلعنة منهُ بنعمة !
كلّ شخص يريد تأجيل الموت لأبعد ما يكون .لكن أن تعيش الى الأبد دوماً وبلا نهاية ,قد يكون أمراً رتيباً وغير مُحتمَل إطلاقاً !
إنّ إلغاء الموت أو تأجيلهِ سيضع الأرض والإنسانية في حالة مُستحيلة .
وحتى للفرد لن يأتي ذلك بأيّ نفع !
كما يبدو هناك تناقض في موقفنا يشير الى تناقض أساسي في وجودنا ذاته
فمن جانب نحنُ لا نريد الموت ,و كلّ مَن يحبّنا لايريد لنا الموت !
لكن في جانب آخر لانريد الإستمرار بالعيش الى الأبد ,ولا حتى الأرض مخلوقة لهذا القصد .. فماذا نريد حقّاً ؟
هذا الموقف المُحيّر يُقدّم سؤال أعمق : ما هي الحياة في الحقيقة ؟
***
ص 102 / ماهي الحياة ؟
أعلنَ العُلماء في (معهد ج كريغ فينتر) في روكفيل ـ ماريلاند أنّهم قد بنوا من الخَدشِ كروموسوماً صناعيّاً يحتوي على كلّ المادة الجينيّة اللازمة لبناء بكتيري بدائي !
هذا يضعهم على مقربة خطرة من خلق (شكلٍ) صناعي للحياة يستطيع نسخ نفسه !
تنبّأ (فينتر) بأنّهم سينجحون في سعيهم هذا خلال السنة .تمّ فعل ذلك بإستخدام الكيمياويّات الشائعة فقط !
تبدو فكرة الشرارة الإلهيّة أو قوّة الحياة الحيويّة اليوم بلا معنى .فالحياة مُجرّد كيمياء !
***
ص 103 / الفصل السادس ـ إله التسونامي (فيه يُعاني الأبرياء) !
في أمريكا كان اليوم هو عيد الميلاد !
لكن على الجانب الآخر من العالَم كان الوقت في (بندا آجيه ـ سومطرة) هو صباح 26 ديسمبر 2004 .كان يوماً جميلاً في منطقة جميلة !
كان الأطفال يلعبون والأُمهات قد أحضرنَ الإفطار والصيّادون قد أخرجوا شباكهم .
حين إهتزّت الأرض فجأةً هرعَ الناس الى خارج بيوتهم ليروا ماحدث وينادوا أطفالهم .لكن لم يكن هناك ضرر كبير ,فعادوا الى حياتهم .
قلّة من الناس فقط صادف أن نظروا غرباً الى المحيط الهندي فلاحظوا خطّاً غريباً يمتد في الأُفق .
حين يكون المُحيط هاديء والهواء نقي فإنّ البالغ (ذو الطول المتوسط) الواقف على حافة الماء يرى الأفق على ما يقرب من ثلاثة أميال .
لكن المُحيط لم يكن هادئاً كما لاحظ الناس ذلك اليوم .بدأت حافة الماء بالإبتعاد عن الشاطيء .
كانت موجة كبيرة تتقدّم الى الساحل بسرعة طرّاد نفّاث !
تنتقل الأمواج أسرع في أعماق المحيط .وكلّما أصبح الماء أضحل قرب الساحل ,أصبح الماء الذي في أسفل الموجة أبطأ بسبب الإحتكاك مع قاع المحيط .هذا يجعل الحافة المُتقدّمة أكثر ميلاً ,لهذا تتكسّر الأمواج عند الشواطيء .لأنّهُ قمم الأمواج تكون أسرع من قعورها .
لا يهّم في أيّ إتجاه تنتقل الموجات أبعد .فبالنسبة لشخصٍ على الشاطيء يبدو أنّ الموجات تصل دوماً عمودية على الساحل ,هذه هي ظاهرة الإنكسار !
كانت أوّل موجة قادمة من المحيط الهندي ضربت ساحل (بندا آجيه) بشكل دفقة قوية على إرتفاع 33 متر .
بعدها إستمرت الموجات بالتدّفق الى الساحل (كانت الموجه الثالثة أضخمهم) لفترة قاربت 30 دقيقة معرقلةً أيّ جهود للإنقاذ .
كانت (بندا آجيه) أوّل منطقة مُزدحمة بالسُكان على ساحلِ سومطرة يضربها التسونامي !
تكرّر المشهد على طول آلاف الأميال من شواطيء المحيط الهندي .
أوقع التسونامي ضحايا حتى في مناطق تبعد عن بؤرة الزلزال ب 8000 كم ,كما حَدثَ في (پورث إليزابيث ـ جنوب أفريقيا) !
فاق عدد الضحايا والمفقودين جرّاء التسونامي ال 300 ألف نسمة !
كان الضحايا دون تكافؤ بأطوال قصيرة (أطفالاً) .ولم يكونوا قادرين على مُقاومة الماء المُتدفّق بتلك القوّة !
مع إطلاق العالم لحملة غوث كوارث كبيرة ,كان السؤال على ألسنة الناس : ما الذي سبّب التسونامي ؟
***
ص 104 / أفعال إلهيّة !
منطقة (آجيه) كانت أكثر المناطق تضرّراً من التسونامي .
كانت آجيه في الواقع مُجتمع إسلامي إصولي تمزّق في السنوات الأخيرة بسبب صراع مُسلّح بين إنفصالي آجيه والجيش الأندونيسي .
السوّاح الغربيّون كانوا يبتعدون عن آجيه نظراً لمخاطر القتال !
وكما في سائر المناطق الإسلاميّة الإصولية في العالَم ,كانت المعنويّات
(الضد ـ أمريكية) قويّة .وإنتشرت بسرعة شائعات عن كون التسونامي إختبار لسلاح أمريكي جديد !
بالطبع هذا النوع من نظرية المؤامرة (الضدّ ـ أمريكيّة) يبدو محتوماً حين تحصل أشياء سيّئة في العالَم الإسلامي !
كان على مشايخ الإسلام الأصولي أن يختاروا بين إتهام ولوم امريكا على تلك الكارثة .أو التذكير بخطايا جموع البشر و العِقاب الإلهي !
إختاروا التشديد على الخطايا التي تؤّدي للموتِ والخَراب كعقابٍ من الله لمن يُخالف تعاليم القرآن !
في مُقابلة تلفازية وضعت على الإنترنت من قبل معهد بحوث الشرق الأوسط الإعلامي ,أوضحَ اُستاذ في جامعة (الإمام محمد بن سعود) في السعودية أنّ اللهَ يسمح بالتخريب الكُلّي للقُرى والمُدن ,إنْ فَشَت الفاحشة !
قال نصّاً :[إنّ حقيقة حصول هذه الكارثة في وقت عيد الميلاد ,حيث يأتي الفاسدون من أنحاء العالَم الى مُنتجعات السواحل ليرتكبوا الزنا والإنحراف الجنسي .. هي علامةٌ من الله !]
***
الخلاصة :
هل سمعتم تفسيراً للكوارث الطبيعية والإنسانية أذكى وأفضلَ وأشرف من هذا التفسير الإسلامي الإصولي ؟
في شبابي المُبكر صادفتُ السنوات الاخيرة في عُمر جدتي (لوالدي) التي كانت تُفضّلني على جميعِ أحفادها و هُم بالعشرات!
كانت مُتديّنة واظبت على الصلوات الخمس حتى أيامها الأخيرة .
ورغمَ أنّ حركتها في أواخر حياتها (تجاوزت التسعين) صارت ثقيلة بطيئة صعبة مُتعبة لها ولمن حولها ,لكنّها كانت تهتم بالوضوء والصلاة .
ليس هذا هو الغريب في الموضوع !
إنّما الأمر الغريب كان دُعائها بعد الصلاة (على الأقلّ هذا ماسمعتهُ أنا بنفسي مراراً) بأن يقبض الله روحها لتُريح وتستريح كما تقول !
بالطبع كنتُ أتألّم لسماعي ذلك الدُعاء رغم إشفاقي عليها ,وأتعجّب وأنا في نشوة الشباب كيف يطلب المرء الموت مهما كان السبب ؟وهل مُمكن أن يصل الإنسان الى حالة (الشَبَعْ) من الحياة ؟
الآن كلّما تقدّم بي العمر أتفهّم أكثر رغبةَ جدتي في الرحيل عن هذه الحياة
ربّما ثقتها بالله والحياة الأخرى والجنّة وما شابه كان يشجعها على طلب الموت بدل العيش مع الأمراض المتنوعة في عمرها ,من إنعدام الرؤيا والسمع تقريباً ,الى عدم الرغبة حتى بالطعام !
بالنسبة للعِلم فإنّ جسد الإنسان العادي لهُ عُمر إفتراضي يقع ضمن مدى معيّن ,بعده تبدأ خلايا الجسد بالوهن والضعف والإنحلال .فتظهر أمراض الشيخوخة التي تتراوح بين عطل جزئي في بعض الأعضاء الى عطب تام أو إعاقة كاملة في أعضاء اُخرى .
حالياً هناك فرع خاص في الطبّ إسمهُ (علم الشيخوخة)
Geriatrics
يهتم بصحة المُسنين !
وهذا الطب لا يهدف (ولا حتى يحلم) بإطالة عمر الإنسان الى حدّ الخلود .
إنّما يعمل على أن تكون سنوات الإنسان الاخيرة مُحتَملة ليست مؤلمة الى حدٍّ يتمنى فيه الموت كما فعلت جدّتي !
الفرق بين قصور أيّ عضو في جسم الإنسان واضح فيما إذا كان ناتجاً عن تقدّم عمر الإنسان ,أم عن مرض عارض !
فمثلاً (نقص الإحتياطي الوظيفي في الكليتين) يُعتبر تغيّر طبيعي مع تقدّم الإنسان في العمر والمُسّن يستطيع العيش حتى بنصف كلية .
بينما قصور وظائف الكلى أو الفشل الكلوي يعتبر مَرَضاً قد يحدث في أيّ فئة عمرية ينبغى علاجه سريعاً !
على كلٍ هذه معلومات عامة قد لا تكون دقيقة طبيّاً 100% إنّما أرجو أن يكون القصد منها واضح لما أوّد إيصاله عن (حتميّة) الموت لأيّ إنسان .
لا وجود ولا معنى للخلود علميّاً !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
3 أبريل 2015