قال الوزير المغربي” يُحكى عن عبد الله بن أنه لما شاع في الفساد في عامة رعيته، شاور نصحاءه، فقال بعضهم: الرأي أن تجمع قوماً فتصلبهم، وقال آخرون: بل تعمر بهم السجون. واختلفوا في القول، فقال: ليس الرأي شيئاً مما قلتم، ولكن الرأي أن أبدأ فأصلح نفسي، فإذا صلحت نفسي صلحت باطني، وإذا صلحت باطني دب الصلاح، وتفشا في رعيتي. قالوا: وفقك الله! وعمل بذلك الرأي فرأى الخير عليه”.
يُقال ان الذكاء موهبة، ويقال أيضا ان الغباء موهبة، لكن الأولى إيجابية، والثانية سلبية، ويقال ان السياسة علم لذلك استحدثت كليات العلوم السياسية في جامعات العالم، ويقال ايضا ان السياسة فن، لذاك سُميت فن الممكن، وفي كلا الحالتين ان كانت السياسة علما فأن ساسة العراق من أجهل خلق الله بها، وان كانت السياسة فنا، فهم فنانون فاشلون ولا يصلحون للوقوف حتى وراء خشبة المسرح. لذلك ليس من المستعرب مطلقا ان يصل العراق الى حالة الإنهيار كدولة طالما تتزعمه شلة من اللصوص والعملاء والفاسدين والمزورين والجهلة.
العراق كدولة إنتهت، ومن يظن خلاف ذلك فهو يعيش في وهم كبير، عندما تصل الدولة الى مرحلة أن كل واحد من المسؤولين يتصرف لوحده كرئيس دولة، وأن رئيس الدولة الفعلي لا يحل ولا يربط وانما هو اشبة بلوحة تزين صالون، فهذه لا يمكن ان تُسمى دولة. وعندما يكون البرلمان بهذا المستوى الرقيع من الضعف والفساد ويساير الحكومة بفسادها وانحرافها المعلن والمخفي ويتستر عليه، فلا يمكن ان نسمي العراق دولة، وهناك الآلاف من الشواهد اليومية التي تدل على إنتفاء صفة الدولة عن العراق ولعل آخرها قيام محافظ كركوك الكردي (نجم الدين كريم) بإصدار إعمام لدوائر الحكومة برفع علم كردستان فوق المؤسسات الحكومية دون الرجوع الى الحكومة، وهذا مجرد محافظ لا يحترم الحكومة، فما بالك بكبار المسؤولين! علما ان الأمم المتحدة حذرت من مغبة خطورة إتخاذ مثل هذه الإجراء المنفردة على التعايش السلمي بين المكونات العرقية والدينية، لكن المحافظ المعروف بتطرفه العنصري مصر على موقفه! معتبرا ان هذا الإجراء يعمق الأخوة بين مكونات المحافظة. أما كيف؟ فهذا الأمر لا يعرفه الا الذين ضلعوا في العلم.
لا أحد يعتقد ان ما كانت تسمى البارحة بالمعارضة العراقية في الخارج قد ناضلت وجاهدت حقا في سبيل تغيير الحكم في العراق، هم مجرد مجموعة من العملاء والصعاليك التي كانت تقتات على فتات المخابرات الأجنبية، وقد تسلموا الحكم على طبق من فضة من قبل دولة الغزو، وبدورهم قدموا العراق على طبق من ذهب لراعيتهم الروحية إيران، وليس في الأمر سرا. فقد تبين للعالم لاحقا أكاذيب الإدارة الامريكية حول تسويق فكرة الغزو. قال سوماس ميلني في صحيفة ذي غارديان لندن 20 كانون2 /3200 ” ان اعادة استعمار العراق لا يمكون ان تسوق كتحرير”. وحتى مسألة إنهاء الدكتاتورية وإنطلاق العراق نحو الحرية وإشعاعه الديمقراطي على دول الجوار، تبين انه أكذوبة كبيرة، وهذا ما صرحت به صحيفة آهارتس الاسرائيلية عن عضو مجلس النواب الامريكي توم لانتوس
(Tom Lantos)
قوله لمسؤول اسرائيلي في30/9/2002 ” لا تقلقوا فلن تجابهوا أي مشاكل مع صدام، سنضع في مكانه دكتاتورا مواليا للغرب يكون جيدا لنا ولكم”. وفعلا جاءوا بنوري المالكي، وكان دكتاتورا وطاغية بإعتراف الأمريكان أنفسهم.
في إحدى التصريحات الجوفاء التي تدل على حمق سياسي مميز بل بدرجة إمتياز وشرف، وصفت النائب عن ائتلاف دولة القانون فردوس العوادي في 20/3/2017 التحالف بين العراق وامريكا بانه ” هش واضر بالبلاد وعلى الحكومة الاتحادية العمل والدعوة لتحالف عسكري (عراقي- سوري-ايراني- روسي) في مرحلة ما بعد داعش. جاء هذا الكلام في الوقت التي بلغت فيه الطلعات الجوية الأمريكية على داعش لغاية عام 2015 حوالي (4100) طلعة في العراق وسوريا، وان معدل غارات الامريكية والتحالف (59) غارة اسبوعيا في العراق، ولولا الغارات الامريكية لما تمكن الجيش العراقي وملحاقاته من الميليشيات الحكومية من تحرير قرية واحدة. فما أن تشتد المقاومة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية حتى يستغيث القادة العسكريون العراقيون بطائرات التحالف، وان عجزوا عن تحقيق خططهم ارجعوها لإنعدام غارات التحالف. فكيف أضر التحالف الامريكي بالعراق يا عوادي؟
أما مطالبة النائبة بتحالف روسي ايراني سوري فهو امر يدل على تفاقم كمي من الجهل، التحالف مع إيران خرج من إطار التحالف الى النفوذ والسيطرة الكلية على مقدرات العراق كافة، ولو نزعت النائبة القطنة المتيبسة عن اذنيها وازالت جليد الحمق الذي يكسو دماغها وسمعت التصريحات الإيرانية حول نفوذهم في العراق لعرفت ان التحالف مع إيران هو مطلب بسيط مقارنة بحقيقة نفوذها في العراق، بل ان الجنرال سليماني هو القائد الفعلي للعمليات العسكرية. أما التحالف مع سوريا فهو أمر يدخل في باب سيلان الكلام، لأن سوريا فيها ما يكفيها من كوارث، وهي دولة ضعيفة ونظامها آيل الى السقوط الحتمي، فما الذي يرتجى من نظامها ليتحالف العراق معه؟ كما ان حزب الله و الميليشيات العراقية والباكستانية والايرانية في تحالف أصلا مع بشار الأسد وتقاتل معه ضد الشعب السوري، فأي تحالف تريد النائبة؟ أما التحالف مع روسيا، فما تزال موسكو تعاني من الوحل السوري وهي غير مستعدة للدخول في وحل إضافي في العراق، كما أنها أصلا لا تتمكن من الدخول في تحالف جدي مع نظام بغداد لأنها على دراية بأن هكذا تحالف من شأنه أن يخلق أزمة مع الإدارة الامريكية الجديدة. بل هي التي طالبت الولايات المتحدة بالدخول في التسوية السورية علاوة على تركيا واستبعدت إيران وربيبها حزب الله.
الأعجب منه ان رئيس البرلمان والحكومة ورؤساء الكتل السياسية صدعوا رؤوسنا بضرورة إبتعاد العراق عن سياسة المحاور رغم انه غارق فيها من رأسه الى أخمص قدميه، فكيف تطالب النائبة بتحالف جديد؟ الم يسبق تشكيل غرفة عمليات مشتركة (روسية ـ سورية ـ ايرانية ـ عراقية) فيما سبق وآلت الى الفشل وهي حبر على ورق الآن؟ كما ان العراق وقع على إتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة فكيف سيكون الموقف منها؟ وهل بقدرة الحكومة العراقية التنصل من الإتفاقية الأمنية؟ ومن الذي سيتضرر من ذلك؟
تقول العوادي “على العراق اعادة النظر بتحالفاته العسكرية وخاصة تحالفه الهش مع الولايات المتحدة التي اضرت العراق كثيرا ودعمت داعش لوجستيا ومعنويا واعلاميا وعملت على إطالة أمد المعارك لصالح داعش وعملت على اضعاف العراق واضعاف سوريا لصالح اسرائيل”.
حسنا! ان كانت الولايات المتحدة بغاراتها الألفية على داعش وتدريبها القوات العراقية، وتسليحها القوات العراقية بأحداث الأسلحة ومنها طائرات (أف 16 و18) ودعمه بالمليارات من الدولارات، وهناك آلاف المستشارين والجنود الأمريكان الذين يشرفون على عمليات تحرير المناطق التي تحتلها داعش، وتقديم المعلومات الإستخبارية للقوات العراقية عبر صور الأقمار وطائرات الإستطلاع، علاوة على القصف المدفعي والصاروخي المكثف والدقيق لأوكار وتحركات داعش، كل هذا وتعتبر النائبة الفهيمة ان الأمريكان أطالوا الحرب مع داعش، إذن بدون هذا الدعم الامريكي كم ستكون المدة اللازمة لتحرير المناطق التي يحتلها التنظيم؟
أما موضوع صالح إسرائيل فيبدو ان النائبة كانت كالأميرة النائمة من ناحية النوم وليس بالطبع بقية المواصفات، المستشارون الصهاينة متواجدون في كردستان منذ أكثر من ربع قرن، ومحطاتهم التلفازية تغطي عمليات تحرير الموصل بشكل مباشر، وهم يشيدون بحكم بشار الأسد وأبيه، فلم تطلق سوريا الصمود والمواجهة طلقة واحدة على الكيان الصهيوني منذ عام 1975، نقول للنائبة إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب!
تدعي النائبة ” ان المعارك التي خاضها العراق اوضحت من هي الدول الصديقة للعراق والحريصة على سلامته، لكن ليست الولايات المتحدة التي كل المؤشرات تقول انها تستعد لصنع منظومة ارهابية جديدة بديلة لداعش وبمساعدة نفس الدول التي انطلق منها هذا التنظيم وهي تركيا والسعودية وقطر وبعض دول الخليج”.
لا غريب في هذا الكلام فهي رؤية ايرانية ملزمة لقيادة وعناصرحزب الدعوة وبقية الأحزاب المنضوية تحت إرادة وتوجيه الولي الفقيه. مع أن حزب النائبة سبق ان إدعى ان الأنبار والفلوجة بالذات هي التي صنعت داعش وليس الدول التي حددتها النائبة، ولا نعرف ما تقصده ببقية دولة الخليج؟ كان يفترض ان تحددها لنكون على بينة من أمرنا، ونعرف أعدائنا!
علما ان عدد القتلى والجرحى في السعودية نتيحة الإرهاب 1200 شخص، ومجموع العمليات الارهابية في السعودية 128، وجرت أربع محاولات لإغتيال وزير الداخلية السعودي الامير ولي العهد محمد بن نايف، وأخرها محاولة إغتيال العاهل السعودي في زيارته لشرق آسيا”. وتأتي تركيا بالمرتبة الرابعة بعد العراق وسوريا والسعودية في تعرضها للعمليات الإرهابية.
السؤال المهم: هل يمكن بمثل هذا الكلام المسخ بناء علاقات جيدة مع دول الجوار؟ وهل يمكن للعراق أن ينفتح جديا على الدول العربية بمثل هذه التصريحات الصادرة من قلوب إيرانية وأفواه عراقية؟
لا نعرف مستوى تعليم النائبة في موجة رواج الشهادات المزورة في الحكومة والبرلمان، فإن كانت تقرأ وتكتب، سنتلوا عليها كيف جاء سيدها نوري المالكي الى الحكم، وأية إرادة صنعته وحولته من بائع سبح ومحابس في دمشق الى رئيس حكومة!
نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالاً بقلم المسؤول الأميركي السابق في العراق (علي خضيري)، والذي كان طيلة عقد من الزمن من الأصدقاء المقربين لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حيث ذكر ” أنا وزميلي جيفري بيلز أحد القليلين من الأميركيين الذين يتحدثون العربية وعلى علاقة جيدة مع قادة العراق. والرجل الوحيد الذي كنت أظن أن لديه فرصة الحصول على دعم جميع الفصائل العراقية والذي بدا وكأنه قائد حقيقي- كان نوري المالكي. وكانت حجّتنا أنه سيكون مقبولاً من الإسلاميين الشيعة الذين يشكلون حوالى 50% من سكان العراق، وبأنه يعمل بجد وحسم وبعيد كثيراً عن الفساد، وأنه ضعيف سياسياً، وبالتالي مستقل في قرار العمل مع باقي القادة العراقيين من أجل تشكيل ائتلاف. وعلى الرغم من أن المعروف عن تاريخ المالكي أنه ضبابي وعنفي، إلا أن ذلك لم يكن غريباً عن العراق الجديد. ونقلنا أنا وبيلز وغيره من الزملاء هذا الخيار إلى السفير الأميركي لدى العراق زلماي خليل زاد الذي شجّع بنفسه القادة العراقيين الوطنيين على دعم المالكي. ومع أنه يرأس كتلة من عدد قليل من النواب، إلا أن المالكي فوجئ بالدعم الأميركي لكنه استغل الفرصة وأصبح رئيساً للحكومة في 20 أيار 2006، وتعهّد بقيادة عراق قوي وموحّد”. إذن السفير الامريكي خليل زادة هو الذي سلم دفة الحكم للمالكي يا نائبة!
قال زيد الضبّيّ:
أتذكر إذ لحافك جلــــد شاة … وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الّذي أعطاك ملكا … وعلّمك الجلوس على السّرير
علي الكاش