حدثني صديقي أبو فهد عن رحلته لإيران, للزيارة المراقد الدينية وكذلك ولجولة سياحية طويلة, وقد حدثني عن شيء عجيب جلب انتباهه, على طول رحلته التي استمرت شهر, يقول في إيران لا تحدث مشاجرات أو نزاعات بين الناس, ولا توجد أي مظاهر للعشائرية, وهذا الأمر يشمل كل مدن إيران, ويكمل أبو فهد أقصى ما يحدث هو شتائم فقط, فسئلت عن السبب فقالوا انه القانون الذي يلزم البادئ بالضرب بدفع دية كبيرة تقصم الظهر, بالاضافة لقانون العقوبات الذي يحاسب المتجاوز حسب القانون, وهكذا اختفت الشجارات من الوجود في مدن إيران.
أما مجتمعنا فغارق بالمشاكل والاعتداءات اليومية التي تحصل في كل مكان, نتيجة غياب القانون الحامي للإفراد, فالسلطة تجاهلت عن عمد تفعيل القانون وأهمها قانون العقوبات المعطل, ودعمت العشائر كي تكون الطريق الوحيد لحل النزاعات, وكلها تصب في عملية تسفيه الوعي الجماهيري وتكريس الجهل والذي يمكن أحزاب السلطة من الاستمرار في الحكم.
لكن من الممكن إيجاد حل لهذه المجتمع المتعب, وسنتكلم هنا عن الحل والعقبات:
● محنة المجتمع العراقي
يعاني المجتمع العراقي من سطوة القبيلة على الحياة المدنية, وعلة الأمر يعود لناحيتين: الأولى تشجيع الدولة العشائر, ودعمها ومساندها لإحكام العشيرة, حيث تعالج السلطة الحاكمة فشلها في إدارة الدولة, عبر إعطاء دور واسع للعشائر للقيام بمقام الدولة في حل النزاعات ومعالجة القضايا, التي فشلت الدولة في معالجتها نتيجة تعطيل القانون, وهو ثانيا: تعطيل القانون, حيث قصدت السلطة تعطيل القانون, لتجد من خلال التعطيل استمرار سطوتها على الحكم, فيكون بالمجموع أن محنة المجتمع سببها متابعة السلطة والأحزاب لشهواتها, بعيد عن قضية الوطن والقانون وإقامة العدل.
● العقبة العشائرية
النظام العشائري هو النافذ ألان, وله مكانة كبيرة بسبب ضعف السلطة, ويملك وضع مهم في كيان الدولة, بالتأكيد أن العشائر تجتهد في استمرار نفوذها, وتكرس هيمنتها في المجتمع, فتنصب نفسها محاميا لإفراد العشيرة, وقاضيا بين افراد المجتمع, فطريقا الوحيد لكسب الحقوق يمر عبر العشيرة, بعد أن مات الدور الحكومي, ولولاها لما وصل صاحب حق الى حقه, نتيجة غياب القانون الحامي للإفراد, فوجودها جاء لسد ثغرة كبيرة قي الدولة العراقية.
نعم نعترف بهذا الدور المهم للعشائر, لكنه تسبب بفوضى, فقد فتح باب النزاعات العشائرية, بل جعل الكثيرون يتجرؤون على فعل أي شيء قبيح, باعتبار أن هناك عشيرة خلفهم ستدافع عنهم, تحت عنوان نصرت ابن العم ظالما أو مظلوما, مع تقيد العشائر بأعراف لا تنسجم مع الدين ولا مع القانون, مثل حد الزانية وغياب حد للزاني, والديات العجيبة التي تدفع, ودفاع العشيرة عن اللص والمجرم والمعتدي, وكلها أبواب سمحت للفوضى بالتمدد.
دور العشيرة أصبح متداخل مع السياسية نتيجة النظام السياسي القائم على دعم العشائر واستنهاض قيم العشيرة, لذلك من الصعوبة أن يتم الغاء هذا الدور من دون إصلاحات سياسية كبيرة, فعلة الأمر انطلق من الطبقة السياسية الفاسدة.
● طريق العمل لإنقاذ المجتمع
الحل الممكن هو الأخذ بالتجربة الإيرانية وتطبيقها في العراق, فهي الأقرب لمجتمعنا, عبر سن ديات لكل اعتداء, مثلا للقتل دية, بل حتى للصفعة دية, وللركلة دية, والخ..وتكون هذه الديات كبيرة جدا, بالاضافة للشق القانوني باعتبار الأخذ بحق المجتمع من المعتدي, مع تفعيل دور الشرطة, عبر نشر دوريات في الشوارع والأسواق والمدن, بالاضافة للعمل بنظام كاميرات المراقبة, وهكذا يمكن السيطرة على النزاعات التي تحصل في الشارع, لان المواطن عندها سيصبح مدركا عواقب كل فعل يعمله, فيسكت ويبتعد عن المشاكل, ويتحول المجتمع الى مجتمع يبحث عن السلام.
عندما يفعل هذا الحل يتقلص دور العشيرة, ويصبح دورها شرفيا ومن الإرث, وتتعطل كذلك أعراف العشائر, ويصبح الدين والقانون هما الفاعلان في الحياة, والشعب العراقي يحتاج للسلام والأمن, فقد أتعبته الحياة في ظل حكومات جبارة, لا تهتم بما يعانيه, حتى تحول الى مجتمع غابة تحكمه قوانين القبيلة.
● الطبقة السياسية “الصخرة”بوجه أي حلم
هذا الحل الممكن أن يغير حياة العراقيين, ويكون خطوة كبيرة نحو مجتمع مسالم محب للحياة, محترم للدين والقانون, لكن لا يمكن أن يتحقق مع تواجد الطبقة السياسية الحالية, حيث هي فعلت وعن عمد كل الخطوات التي تمد بعمر الفوضى, فهي لا تريد للقانون أن يحكم, لأنها تجني مكاسب عظيمة في زمن الفوضى, فلجأت عندها لتضخيم دور العشيرة كي توفر الحد الأدنى من الحماية, لإفراد الوطن ورد الحقوق.
الحل ليس مستحيلا بل سهل ويسير فقط يحتاج لإرادة حكومية وبرلمانية, لكن تغيير فكر الطبقة السياسية هو ما يعد من المستحيلات, فهي لا تعمل الا عندما تشعر بان هناك ضغط عليها, وهنا ندعو الكتاب وأصحاب الأقلام الشريفة بالكتابة الدائمة حول هذا المحور, عسى أن تنفع ضربات القلم, في الدفع بالسلطة والبرلمان لفعل شيء ما, لهذا الشعب المقهور.