الحكومة: قرار دولي بالنأي عن سوريا وعقبة أقلّ أمام الرئاسة عقدة البيان الوزاري تهدّد الثقة وتحوّلها إلى تصريف الأعمال
سابين عويس
اما وقد شكلت حكومة الرئيس تمام سلام، فقد طوت معها فصلاً مهماً من المشهد السياسي المأزوم الذي حكم البلاد لعشرة اشهر وعشرة ايام. وقد فضح مسار التأليف حجم الانقسام السياسي والطائفي الذي عطّل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبيّن مدى تقدم الحسابات السلطوية على مصالح الناس والبلاد.
يطوي تشكيل الحكومة صفحة ضجت بمصطلحات التأليف والمداورة والحصص والحقائب والثلث المعطل ليفتح الصفحة على مصطلح البيان الوزاري ومثلث الجيش والشعب والمقاومة، في ظل تقويم لحسابات الربح والخسارة لكل من فريقي الازمة.
لا شك في ان الحكومة السلامية خرجت من العقد والاشكالات المحيطة بها، وولدت برعاية اقليمية ودولية، ترجمت بإرادة محلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما بلغت جميع القوى قعر الازمة وبات الخروج منها اكثر كلفة وألما من الجلوس معا الى طاولة واحدة.
لكل فريق حسابات الربح والخسارة الخاصة به، ولكن بالمجمل يمكن القول على طريقة لعبة الاطفال الشهيرة ان الجميع ربحوا، وان بنسب متفاوتة، لكن الجميع باتوا امام اكثر من امتحان وتحدٍّ.
و”حزب الله” خسر حكومته لكنه ربح العودة الى الداخل مع الشريك السني من دون الحاجة الى الخروج من سوريا، ووقف حربه هناك، ومن دون التخلي عن سلاحه ومشروعيته. قد يزعج القواعد الشعبية للحزب وبعض الحلفاء هذا النوع من التنازل، لكن الحزب قادر على احتواء النقمة لأهداف استراتيجية ووجودية أكبر، خصوصا وان حكومة الشراكة أياً تكن تسميتها، ستؤمن له الغطاء الشرعي الذي يحتاج اليه إقليميا ودوليا. وبدا من ردود الفعل الدولية المرحبة والداعمة للحكومة الجديدة ان الحزب أعطي ما يريده.
– لـ”تيار المستقبل” حساباته أيضاً. وهو نجح في استيعاب نقمة جمهوره للمصالح عينها التي أملت على الحزب التنازل. فمسألة التطرف والفتنة السنية الشيعة تشكل خطرا مزدوجا للفريقين، وتستوجب التضحية من كليهما. لكن التيار نجح في الحفاظ على وحدة ١٤ آذار وتماسكها وتفهم الحليف المسيحي الأقوى لمبررات قيام الحكومة. وقد أجرى كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس كتلته فؤاد السنيورة اتصالين طويلين برئيس حزب “القوات” سمير جعجع لشرح الحيثيات وتأكيد التحالف. لكن نظرة المستقبليين الى الحكومة ليست مسألة مكاسب او حقائب، وإن كان القتال على بعضها قد أخر التأليف، لكنه كان في إطار الحفاظ على الحقائب الاساسية لئلا تكون عرضة للإستغلال على ما يقول مرجع مستقبلي بارز، مضيفاً ان المعركة تستمر لأن قضية الفريق الاستقلالي لا تزال قائمة ولم تنته بعد.
– لكن دخول صقور “المستقبل” و١٤ آذار (نهاد المشنوق وأشرف ريفي وبطرس حرب) الى الحكومة سيرتب في المقابل تحديات بارزة على هذا الفريق في ضبط الوضع الامني. وما السيارة المفخخة التي فككت امس الا رسالة واضحة أن حكومة إئتلافية لن توقف مسلسل التفجير وان الأمن سيبقى خارج السيطرة، مع ما يعنيه ذلك من خطورة باعتبار ان المسؤولية الأمنية ستكون في يد المستقبل فيما التفجير يستهدف “حزب الله”!
– اهمية عودة ١٤ آذار الى السلطة بعد ٣ أعوام على خروجها منها ضمن تحالفات أقوى. ولا بد من القراءة المتأنية لليد المستقبلية الممدودة لرئيس المجلس نبيه بري ضمن قيادات وعلماء الطائفة الشيعية، والانفتاح اللافت على “التيار الوطني الحر” الذي ستتضح معالمه في رسم موازين حكومية جديدة تنسف في بعض الاماكن توزيعة الثمانات الثلاث التي حكمت الصيغة الحكومية وأطاحت الثلث المعطل المعلن والمضمر.
لكن ماذا سيكون عنوان الحكومة؟ وهل تتجاوز تحدي البيان الوزاري وتنال الثقة؟
لمراجع سياسية بارزة اقتناع بأن ولادة الحكومة تعني أمرين: الاول ان ثمة تقاطعاً دولياً واضحاً بفصل المسار اللبناني بأي ثمن عن مسار الازمة السورية ومنع انزلاقه اكثر نحوه كما هو حاصل اليوم.
والامر الثاني انها أزالت من طريق الاستحقاق الرئاسي عقبة أساسية ، من دون ان تقلل الهواجس من الفراغ. وهذا الامر سيتضح من مخاض البيان الوزاري تمهيداً لنيل الثقة.
وفي حين تؤكد مصادر قريبة من رئيس الحكومة ان النية تتجه نحو بيان وزاري مقتضب لا يغرق في تفاصيل وتعهدات تعجز حكومة لن تعمر لأكثر من ثلاثة اشهر عن تطبيقها. وذلك انطلاقا من ان البيان يجب ان يعكس ان مهمة الحكومة هي التحضير لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. وأي بيان فضفاض سيعني نية مضمرة بأن تعمر الحكومة طويلاً!
لكن في المقابل تؤكد المراجع البارزة ان البيان الوزاري دونه عقبات جدية ولا سيما في شقه السياسي والتزامه سلاح “حزب الله”. وتقول ان الحزب لن يتنازل عن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، فيما ستتمسك ١٤ آذار بإعلان بعبدا. وهذا يعني ان كباشا جديدا ينتظر الحكومة قد تعجز عن تجاوزه لتتحول الى تصريف الاعمال اذا لم تحظ بقوة دفع خارجية مماثلة لتلك التي أخرجتها من رحم الانقسامات والخلافات. علما ان هذا البند سيشكل احراجاً كبيرا للعماد ميشال عون الذي اعلن تأييده لوثيقة بكركي التي تتبنى اعلان بعبدا، كما التزم امام “تيار المستقبل” في اللقاءات الاخيرة المفتوحة معه عدم السير مع “حزب الله” في الثلاثية.
واذا كان عون اجتاز نصف الطريق نحو التسليم بـ”إعلان بعبدا” بديلا من الثلاثية، فإن النصف الباقي سيكون الاختبار الحقيقي له على طاولة مجلس الوزراء.