هناك أجوبة كثيرة، طويلة وقصيرة، سريعة ومتأنية، يمكن اختصارها جميعا بحرف واحد: لا! الرجل الذي لا يستطيع أن يمنع نفسه عن الغضب والحنق، ليس مؤهلا للحكم في الناس. لأنه مصاب بمرض، لا أعرف اسمه الطبي، ولكن مفاده أنه عدو كل ما لا يُرضيه. وهذا قصور في سعة الصدر وتمادٍ في سعة الغرور.
أحيانا، ترى نوابا يتضاربون في كوريا الجنوبية أو في الأردن، لكن لا يمكن أن ترى هذا المشهد في مجلس العموم، لأن الحياة البرلمانية قامت، من الأساس، على الشراكة بين الأحزاب الحاكمة والتناوب. مرة هذا سائل، ومرة هو مسؤول. رجب طيب إردوغان يتصرف، منذ فترة غير قصيرة، وكأنه الباب العالي أيام الأستانة.
السلطان الذي لا يحب الاقتراحات ولا النقاش. انسحابه من احتفال رسمي لإدارة قانونية أظهر أنه لا يشبه إطلاقا السلطان الذي يتمثل به، أي سليمان القانوني.
منعه لاستخدام «تويتر» يشبه منع السلطنة للمطابع وحظرها خوفا من انتشار الكتب والوعي والثقافة. ذلك هو القرار الذي أفضى إلى انهيار إمبراطورية رفضت العلوم فيما كان العالم يتجه للخروج من العصور الوسطى إلى عصور النهضة. الحنق يؤدي إلى سوء الإدارة. ربما كان من الأفضل للسيد إردوغان أن يسبق الإمبراطورية ويتحاشى أسباب اهترائها.
فالتاريخ يقول إن أحدا من السلاطين (التاريخ الرسمي الموضوع في تركيا) لم يمت ميتة طبيعية. الأكثرية بالنقرس والاستسقاء و«الخنق» و«السم». وقد سألت سياسيا كبيرا إن كان السبب آنذاك تخلف الطب حتى في معالجة مرض بسيط في عالم اليوم كالنقرس، فقال: إن النقرس كان يعطى كسبب لعدم ذكر الخنق أو السم.
أذهلني كتاب وضعه مؤرخ تركي وتُرجم في مصر، عن سِيَر السلاطين. طبعا ذلك العصر كان مشابها في أوروبا أيضا. مؤامرات ودسائس ونساء. لكن ليس بالنسبة التي عرفت في تركيا.. العقدة المشتركة كانت أن السلطان يحكم بغضب، فيقوِّض مؤسساته قبل أن يقوِّض مؤسسات أعدائه. القلَّة الذين لجأوا إلى الحكمة أطالوا عمر الإمبراطورية، ووسعوا آفاق الاستمرار.
نقلا عن الشرق الاوسط