وكأنها لأول مرة تسمع كلماته وترى فيها وجهه , ولأول مرّة تجسّمت بنظراته الخائبة لها والخاوية من المعنى باستثناء تلك التي جسّدت سيطرة الرجل على المرأة لا لسبب سوى لتلك المفاهيم والعادات الموروثة التي وضعت الفوارق في مجتمع بنيَّ على أساس الكراهية والتفرقة بين الجنسين وبين الطبقات والمذاهب والطوائف والكثير من الفوارق التي صارت لا تعد ولا تحصى في يومنا هذا , لتُشعر الرجل بعلوه وبذلك الفارق ما بينه وبين المرأة , ومن ثم يشعر بتلك القوة الوهمية التي تصل به إلى حالة من الزهو واكتمال شخصه لأجل أن يغفل عن نواقصه .
دققتْ النظر إليه أخيراً وفتحت عيناها بعينيه لترى عيونه المزهوة بقدرتها لتخفي بها ما اعترته من ضيق أوصله إلى أن يتدخّل بمشاعرها وتفكيرها وجسدها أيضاً , لم تدرك حينها معناً لتصرفاته وما سيترتب عليها من زيادة في سلّطته عليها ليشعر بقوته كلما شعر بضعفها , فهذه هي وسيلته الوحيدة التي تشعره بفحولته أمام القمع الذي يشعر به من مجتمعه , لم تدرك محاولاته ولم تكن تبالي لتلك التدخلات بالرغم من إنها لا تتذكر عددها في الوقت الذي كانت الدنيا تنحصر بشخصه وتحيى هي لأجله فقط , كان وجوده بما يحمله من ضيق يشكّل لها كل حياتها لتُلغي وجودها بمحيطه الضيق دون أن تدري , فبعد أن صيّره المجتمع مُمثلاً للحياة أمامها رغم وسعها اختزلتها هي به ليصير الرقيب الأول على عدد أنفاسها وشكلها من صعودها إلى نزولها وإلى أدق تفاصيلها .
كان عليها ان تعرف كيف يفكر رغم ضيق عالمها الذي حددوه لها مسبقاً والذي لا يرحم أمثالها اللواتي رغبنّ بالمعرفة , فكان عليها أن تعرفه دون أن تلتقي به بعد أن أناب عنها المحيط بتلك المهمّة , إضافة إلى حاجتها في تخمين كيف سيفكر في المستقبل فعليها أن لا تكتفي بمعرفته الحالية فقط ولكن عليها أن تعرف ما لا يمكن أن يعرفه هو عن نفسه , لتؤمّن مستقبلها وحياة أطفالها وسعادتهم , هكذا كانت مسؤوليتها تجاه نفسها قبل أن تقترن به , ولكن هيهات لها من تلك المسؤولية التي تخص حياتها , وهيهات لها من تلك المعرفة التي ستؤهلها بتخمين مستقبلها وحياتها معه والتي بها ستخترق كل تلك المعوقات بعد أن صارت أشبه بضربٍ من الخيال , فكيف ستعرف كل هذا وهي مكبّلة وسجينة المحيط والمجتمع الذي التفّ حولها بكل ما أوتيّ من قوة للاستهانة بحقها ليجرّدها من أي مسؤولية سوى من لهوها بتلبية رغباته والوقوف عليها ليلاً ونهاراً ؟.
هو لم يتمكن رغم يقينه بصدقها ونقاء أخلاقها من ناحية ميولها في أن يثق بقدراتها , كان يعتبر ميولها للحقيقة أثمٌ لا يُغتفر, فكيف يسمح لها بالميول التي تتعدى نطاقه والاهتمام به , وكيف يتقبّل انفتاحها للحياة ومحاولة رؤيتها بوضوح وعلى حقيقتها وبالتالي رؤية حقيقته ؟ .
ولم تكن تشعرهي بذلك الفارق الكبير بالحقوق ما بينها وبينه , أو إنها كانت مقتنعة بقدرها , ومقتنعة بأن الحقوق والواجبات قد تم توزيعها وفق قياسات ومفاهيم عادلة ومتساوية حسب الشرع الذي لا يعلى عليه , وحسب القانون الذي لا غبار عليه , خصوصاً بعد أن سار عليهما المجتمع قرون عديدة , وكذلك ما تعلّمته من محيطها بأن ما تسير عليه الغالبية لابد من أن يكون صحيحاً , وما عليها سوى الرضوخ وعدم التشكك بهذا العالم , فمن غير المعقول إنها على صواب وجميع من حولها على خطأ , علاوة على أن تلك الفترة الزمنية الطويلة نسبة لتطور المجتمع كانت لها دليلاً يقتل شكوكها تلك .
سألت نفسها بعد أن استفاقت من أعباءها الكثيرة التي كبّلها بها , وبعد أن لمست منه عدم إنصافها ورغبته الجامحة في أن يسلبها قيمتها وحياتها , وبعد أن كان شعورها قاسياً عندما كان يُراقب بعيونه الوقحة حركاتها , وبعقله الضيق تصرفاتها , ليحصرها رغم وقاحته المقرونة بضعفه وفساده سوى من حكمه عليها , يحكمها ويمنعها من أي فعل وقت ما يشاء لتنصاع لرغبته .
سألت بعد تفكير كان يلاحقها في نهارها الرتيب وفي ليلها الطويل عن حقيقة قيمتها, وعن الجديد الذي قدّمته لحياتها ولمجتمعها غير خدمته وإنجاب الأطفال له , أخذها السؤال إلى أفكارٍ أوسع , وبدأت تبحث عن شيء مفقود لا تعلم كنههُ , بدأت تبحث عن تلك الحلقة التي أفقدتها توازنها منذ أن كانت طفلة لا يحق لها ألتمتع بحريتها ولا يحق لها الخروج كما يحقّ لأخيها أو جارها الذكر, وأن ألحت حاجتها في الخروج كان يرافقها ذلك الأخ رغم صُغره بحجة حمايتها , فكانت تكابد خجلها وتشعر بضعفها ليرسخ بداخلها شيء مقيت إلى نفسها يريدون إلصاقه بها ليصغر شأنها به , كانت تشعر بذلك الشيء منذ طفولتها كما هو شعورها بتلك الحلقة المفقودة التي تسببت في ضياعها وضياع بنات جنسها , وسط محيط يغرق بجموده ليتسبب لها بجميع آلامها وآلام المحيطين معها, فلابد لآلامها تلك من تأثير عليهم سلباً لا أيجاب كما توهموا , بدأت تبحث بشغف وتلتهم المعلومة بطريقة كمن كانت بسباتٍ عميق واستفاقت منه في رغبةٍ منها لتُلحق سنواتها التي سُرقت منها , ولتحلّق عالياً لأجل ان تنتزع قيودها وما فاتها من حياتها التي ذهبت ولا تعرف كيف ذهبت بسرعة البرق هكذا , صارت بحال كلما زاد عليها القهر والظلم من محيط فقد أهليته , كلما نمت بصيرتها باتجاه الحقيقة التي أرادوا لها الحجب , فتزداد إصراراً وقوة في سبيل حريتها وإنسانيتها المسلوبة , وكلما زادت معلوماتها كلما ابتعدت أكثر عن تلك القيود التي صارت واعية لها تماما بعد ان توضّحَ لها شكل ومعالم تلك القيود التي طالما ففدت ملامحها لعدم تمكنّها من الوصول لأسبابها الحقيقية حين كانت محصورة بين تلك الأسوار التي أخذت بالارتفاع أمامها شيئاً فشيء .
اكتسبتْ قوة وإصرارا على الخلاص من تلك القيود , وأدركت جزء من الحقيقة التي أراد أن يخفيها عليها منذ أن مثّلت له مشروعاً ليُكمل من خلالها سُنّة حياته وإنجاب أطفاله , أدركت بعض الحقائق التي أشعرتها بحرية عتقتها من جهلها , وبقوة لا تثنيها عنها تلك الرقابة ولا ذلك القيد, وسرعان ما تبخّرت مخاوفها وتوضّح لها سؤ تقديرها .
فظهرت تلك الملامح التي كانت خافية عنها لسنين ملاصقته لها ليلا ونهار , وفوجئت بنظراته التي أكدتْ لها مكانتها, وعززت الفكرة القائلة بأنها من حبائل الشيطان, وبأنها مجرد مصدراً ليطفئ به نيران شهواته فقط .
أدركت بوعيها حقيقة أنها ليست الجنس الأدنى منه ولا هي خطيئة ولا مصدراً لفتنته وغوايته كما افهموها ذلك , بعد أن أدركت هذه الحقيقة شعرت بحركة أعضاءها وبسريان الدمٍ النقي والإنساني في أوصالها , انفتحت حينذاك أذناها لسماع كلماته والإصغاء لها , وشعرت به كيف كان مصدراً لعرقلة حياتها ومنعها من أن تحيى كإنسان مكتمل لا ينقصه شيء , وتيقنت من إن إحساسها كان على صواب والمحيط كان هو الخطيئة , خطيئة كبيرة بحقها حين حمّلها عيوبه وضعفه ليتمادى هو بأخطائه دون حسيبٍ ولا رقيبٍ , ابتهجت لهذه الحقيقة وكان طعمها حلو المذاق رغم مرارته , كون هذه الحقيقة أبعدت عنها جهلها , فمهما كانت مرارتها لاذعة فستكون أجمل من إنها تبقى على ذلك الجهل الذي أشعرها بأمانها واستقرارها العاطفي المزيّفين , أمان تلك الرابطة التي اعتبرتها مقدّسة كان وهماً وزيفاً , وشعورها بأنها وجدت من خلاله نصفها المكمّل كان وهماً, هذا النصف الذي صوّر لها حقائق مزيّفة أشعرتها في يوم زفافها بالبهجة , وبأنها امتلكت العالم به بعد أن شعرت بأن روحيهما اندمجت بواحدة وصارت تحتوي جسديهما معاً , ولكن سرعان ما اكتشفت بأنها قد كبّلت نفسها بقيودً وأثقالاً لا طائل لجسدها ألذي جعلوه ضعيفاً بها , ومن ثم خسرت سنواتٍ من عمرها لكنها غير نادمة عليها اليوم , كونها كانت ثمناً لحريتها ولمعرفتها ولابد من ان تدفع ثمن لقدرها .
بعد أن ظهرت تلك الملامح رأت بأنه من الغباء ان تقتل نفسها وتفقد أكثر مما فقدَته بالأمس لأجل موروث مسخها ومسخَ كل من سار خلفه , ولأجل أُناس تتلذذ بظلمها وسلطتها استعبدتهم تقاليدهم فصاروا كما لو أنهم لا يستحقون الحياة , أوهم فعلا لا يستحقوها , ومن نساء صار الخوف لهنّ حاجزاً يمنعهنّ من إضافة أي جديد , فكيف تهب هؤلاء حياتها وحريتها والفارق يكبر كل يوم ويكبر ؟ كيف تستسلم لمحيط يدور بحلقة فرغت من محتواها , وكلما زادت عدد دوراته كلما توسعت الدائرة بهم أكثر ليلجئوا إلى خرافات تزيد معاناتهم معاناة .
كان إحساس معرفتها وشعورها بأنها وجدت ضالتها جميلاً رغم إنها كانت تعاني من قسوة هذا الشعور أحياناً , ولكن بتلك القسوة سوف تتعلم وتتعلم , تتعلم ضرورة أن لا تُكمل سراب حياتها وهي مغمّضة العينين, وخصوصا بأن حياتها ستكون خالية من معالم الحياة الحقيقية .
شعور إنها وعت لتلك الكارثة المسماة فكر طبقي , أبوي , ذكوري , عليه ان يكون متسلطاً عليها دون استحقاق لهذه السلطة جعل من نظرته لها تختلف بعد أن تيقن تماماً بأنها تمتلك لقوة التغيير , وتغيّر نهجه معها , ولعمق جذوره الخاوية هيهات له من أن يقتنع بحقوقها المساوية له سوى من تلك المخاوف في أن يخسر هو أيضا سنواته.
***************
من يفقد ردة فعله للظلم الواقع عليه سيفقد إنسانيته , ومن يفقد إحساسه بالألم الذي يسببه للطرف المتضرر سيفقد إنسانيته أيضا . هناك تشابه بين المُضطهَد والمُضطهِد رغم تناقضهما .فالمضطهَد لا يبالي لمن يضطهده وكذلك المضطَهِد يصبح بحالة من اللامبالاة لاضطهاده .
الظالم والمظلوم , علتان مدمرتان للإنسانية , عندما لا يجد الظالم أرضا خصبة ليمارس عليها ظلمه سيضطر من الاقتراب من إنسانيته , فهنا المظلوم يكون في حالة تشجيع للظالم في أن يمارس ظلمه ومن ثم يبتعد عن إنسانيته أيضا بخنوعه ورضوخه للظلم .
مع اجمل الأمنيات لكم
يقولون بأنها كانت ولا زالت السبب في خطيئة الرجل منذ بداية الخلق والخليقة , ليستغلها المحيط أبشع استغلال, هكذا ضاعت حياتها سدىً وسط زحام هذه المفاهيم , مفاهيم خاطئة لمجتمعات تغرق في غفوة امتدت لقرون عديدة, ألزمت المرأة بحدود لا تتعدى تلك التي أرادوها لها , والتي جاءت نتيجة لزمان ولّى بظرفه , لتجعل هذه المفاهيم من الثبات لقناعة الغالبية على فكرة واحدة وهي إن المرأة خُلِقت كوعاء للرجل فقط, وأن أخطاءه تنبع منها , كونها السبب المباشر لخطيئته, والفتنة تكمن في جسدها, وكذلك كونها الجنس الأدنى منه , ليُبرر الرجل أخطاءه ويرميها عليها فينهي عناءه لضبط نفسه وتشذيبها , ومن ثم تُحكمْ السلطات هيمنتها ونفوذها من خلال السيطرة التامة على نصف المجتمع بحجة احترام الموروث من عادات مقدسة لهم وتقاليد قديمة , فحُرمت المرأة من مقومات الحياة الأساسية وصيّرها المجتمع على أساس إنها عار وعورة وعليها أن تتحمل أخطاء الرجل التي جعل لها ما يبررها وصار يتمادى بها , بهذه الحجة هيمنوا على العقول الحاضرة ليجعلوها تقف عند نقطة معينة دون أن تتقدم , فتُعاقب المرأة على أخطاء الرجل بحجة الدين والمشرع تارة وبحجة أن الله خلقه بغريزة لا يستطيع التحكم بها ,وخلقها من حبائل الشيطان , وتعاقب تارة أخرى كونها الجنس الأدنى والتابع له بحجة شرفه يكمن في جسدها ولا يحق لها التصرف به مثل ما يحق له , بل يحق له انتزاع روحها وقتلها أذا استوجب الموقف ليغسل عاره المتمثل بذلك الجسد , والحقيقة هي أنه ينتقم لكرامته التي أهدرتها هي كونها تصرفت بأملاكه بعد أن اقتنع بأنها ملكية خاصة به ولا يحق لها التصرف بجسدها ورغباته هو تعلو عليها سواء كان أخاً لها وأن كان يصغرها سناً , أو زوجاً أو أي قريبٌ لها باستثائها هي , ففرضوا عليها حجاباً لرأسها وعقلها وتلك كانت الحلول التي توصلوا لها أو الأساليب التي اتخذوها حجة وهي أن المرأة عورة وسفورها يمثل خطاباً علنياً يكشف استعدادها للتعامل بجسدها وكأنها تعرضه في سوق نخاسة عقولهم وما عليها سوى أن تختفي عن أنظارهم لتتجنب اغتصابهم لها وتحرشاتهم بها !!, بدلاً من منع أنفسهم وتشذيبها وتقويم عقولهم , فرسخت هذه الفكرة في عقلية المرأة قبل الرجل, وسلبتها حياتها دون ان تدري كيف سُلِبت منها , أو دون أن تدري إن لها حياة يجب ان تكون حرة ومن حقها أن تحياها كما ترغب هي لا كما يرغب هو , ولم يتوقف الرجل ليسأل نفسه كيف لا يستطيع أن يكبح جماح نفسه الأمارة بالسوء دوما , وكيف للجنس الأدنى منه كما يتصور في أن يؤثر عليه وهو الأعلى منها؟ , وكيف تستطيع ناقصات العقل في أن تُفقد عقل من اكتملت عقولهم ليصيروا ضعفاء أمامها ؟
هذه النظرة استمدها مجتمعنا ليس من الحياة وما نلمسه منها , ولم تأتي من واقعنا القائم والحاضر أمامنا , وإنما من ماضينا المتخلف والمختلف تماما عن حاضرنا , ومن تعاليم فرضت نفسها على عقولنا بالتخويف من العقاب أولا , ومن ثم الترغيب بمكافئة للذين يعملون بحذافير تلك الأوامر وتعاليمها بعيون معمية , فارتبطت نظرتنا للمرأة بفكرة قديمة , ورسخت في عقولنا دون ان يحق لنا التفكير بها .
نحنُ نخسر نصف مجتمعنا اليوم , وتخلَّفنا حتى عن العصور القديمة بعد أن كانت للمرأة فيها مشاركة فعالة في الحكم مع أخيها الرجل , ولها قدرة على إدارة بلدها وإدارة بيتها , بالإضافة إلى عملها خارج البيت لتُعيل أبنائها , وحتى العصر الجاهلي رغم انتشار ظاهرة وأد البنات في وقتها لأسباب الغزوات والفقر حينها , كانت لها حقوق عديدة ,كأن تكون حاكمة وشاعرة وعاملة في مجال التجارة , هذه الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة اليوم لهي دليل قاطع على إننا قد شوّهنا الطبيعة الإنسانية ,وخصوصا طبيعة المرأة بعد ان وصمت هذه المجتمعات العيب والعار بها فقط وعليها أن تمكث خلف قضبان الشرف والحجاب التي سوّروا رأسها به , وصار عقلها عورة بعد أن كان شرفاً, ليضمنوا هيمنتهم على نصف المجتمع بحجة المشرع والدين .
لا زالت المرأة تمثّل عنوانا لفتنة الرجل وخطيئته
يقولون بأنها كانت ولا زالت السبب في خطيئة الرجل منذ بداية الخلق والخليقة , ليستغلها المحيط أبشع استغلال, هكذا ضاعت
حياتها سدىً وسط زحام هذه المفاهيم , مفاهيم خاطئة لمجتمعات تغرق في غفوة امتدت لقرون عديدة, ألزمت المرأة بحدود لا تتعدى تلك التي أرادوها لها , والتي جاءت نتيجة لزمان ولّى بظرفه , لتجعل هذه المفاهيم من الثبات لقناعة الغالبية على فكرة واحدة وهي إن المرأة خُلِقت كوعاء للرجل فقط, وأن أخطاءه تنبع منها , كونها السبب المباشر لخطيئته, والفتنة تكمن في جسدها, وكذلك كونها الجنس الأدنى منه , ليُبرر الرجل أخطاءه ويرميها عليها فينهي عناءه لضبط نفسه وتشذيبها , ومن ثم تُحكمْ السلطات هيمنتها ونفوذها من خلال السيطرة التامة على نصف المجتمع بحجة احترام الموروث من عادات مقدسة لهم وتقاليد قديمة , فحُرمت المرأة من مقومات الحياة الأساسية وصيّرها المجتمع على أساس إنها عار وعورة وعليها أن تتحمل أخطاء الرجل التي جعل لها ما يبررها وصار يتمادى بها , بهذه الحجة هيمنوا على العقول الحاضرة ليجعلوها تقف عند نقطة معينة دون أن تتقدم , فتُعاقب المرأة على أخطاء الرجل بحجة الدين والمشرع تارة وبحجة أن الله خلقه بغريزة لا يستطيع التحكم بها ,وخلقها من حبائل الشيطان , وتعاقب تارة أخرى كونها الجنس الأدنى والتابع له بحجة شرفه يكمن في جسدها ولا يحق لها التصرف به مثل ما يحق له , بل يحق له انتزاع روحها وقتلها أذا استوجب الموقف ليغسل عاره المتمثل بذلك الجسد , والحقيقة هي أنه ينتقم لكرامته التي أهدرتها هي كونها تصرفت بأملاكه بعد أن اقتنع بأنها ملكية خاصة به ولا يحق لها التصرف بجسدها ورغباته هو تعلو عليها سواء كان أخاً لها وأن كان يصغرها سناً , أو زوجاً أو أي قريبٌ لها باستثائها هي , ففرضوا عليها حجاباً لرأسها وعقلها وتلك كانت الحلول التي توصلوا لها أو الأساليب التي اتخذوها حجة وهي أن المرأة عورة وسفورها يمثل خطاباً علنياً يكشف استعدادها للتعامل بجسدها وكأنها تعرضه في سوق نخاسة عقولهم وما عليها سوى أن تختفي عن أنظارهم لتتجنب اغتصابهم لها وتحرشاتهم بها !!, بدلاً من منع أنفسهم وتشذيبها وتقويم عقولهم , فرسخت هذه الفكرة في عقلية المرأة قبل الرجل, وسلبتها حياتها دون ان تدري كيف سُلِبت منها , أو دون أن تدري إن لها حياة يجب ان تكون حرة ومن حقها أن تحياها كما ترغب هي لا كما يرغب هو , ولم يتوقف الرجل ليسأل نفسه كيف لا يستطيع أن يكبح جماح نفسه الأمارة بالسوء دوما , وكيف للجنس الأدنى منه كما يتصور في أن يؤثر عليه وهو الأعلى منها؟ , وكيف تستطيع ناقصات العقل في أن تُفقد عقل من اكتملت عقولهم ليصيروا ضعفاء أمامها ؟
هذه النظرة استمدها مجتمعنا ليس من الحياة وما نلمسه منها , ولم تأتي من واقعنا القائم والحاضر أمامنا , وإنما من ماضينا المتخلف والمختلف تماما عن حاضرنا , ومن تعاليم فرضت نفسها على عقولنا بالتخويف من العقاب أولا , ومن ثم الترغيب بمكافئة للذين يعملون بحذافير تلك الأوامر وتعاليمها بعيون معمية , فارتبطت نظرتنا للمرأة بفكرة قديمة , ورسخت في عقولنا دون ان يحق لنا التفكير بها .
نحنُ نخسر نصف مجتمعنا اليوم , وتخلَّفنا حتى عن العصور القديمة بعد أن كانت للمرأة فيها مشاركة فعالة في الحكم مع أخيها الرجل , ولها قدرة على إدارة بلدها وإدارة بيتها , بالإضافة إلى عملها خارج البيت لتُعيل أبنائها , وحتى العصر الجاهلي رغم انتشار ظاهرة وأد البنات في وقتها لأسباب الغزوات والفقر حينها , كانت لها حقوق عديدة ,كأن تكون حاكمة وشاعرة وعاملة في مجال التجارة , هذه الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة اليوم لهي دليل قاطع على إننا قد شوّهنا الطبيعة الإنسانية ,وخصوصا طبيعة المرأة بعد ان وصمت هذه المجتمعات العيب والعار بها فقط وعليها أن تمكث خلف قضبان الشرف والحجاب التي سوّروا رأسها به , وصار عقلها عورة بعد أن كان شرفاً, ليضمنوا هيمنتهم على نصف المجتمع بحجة المشرع والدين .