من الضروري أن يتصدى المسلمون، مواطنين ورجال دين، لما ترتكبه عصابات »داعش» من اعتداء على الإسلام قبل المسيحية، ولا بد من إدانة فعلتها في خطب الجمعة ودروس التوجيه الديني، ومن الضروري أن يتبرأ المسلمون مما تقوم به، كي لا يحدث بعد ألف عام من العيش المشترك صدع لا يمكن رأبه بين المسيحية والإسلام، وبين المسيحيين والمسلمين، ونعود إلى حقب عصيبة حفلت بصراعات تجاوزناها بالتعاون والتفاهم والتسامح، وبتضافر الجهود والمواقف الواحدة حيال محاولات أرادت جر مسيحيتنا الشرقية إلى غير مواقعها وتراثها، وإجبارها على أن تكون جزءا من صراع مذهبي أو ديني ضد الإسلام والمسلمين، نجت منه بالحكمة والتعقل ووحدة الأصل والمصير، وها هم مجرمو «داعش» يعيدوننا إلى إشكاليات قاتلة، سيدمر أسلوب «داعش» في طرحها ما بين مواطنينا من شراكة في التاريخ واللغة والثقافة والإيمان، وسيدفع المسيحيين وقسما كبيرا من المسلمين إلى أحضان نظام فعل المحال لتخويفهم وإرغامهم على مساندته، بنجاح جزئي جدا في مناطق محدودة، ودون أي نجاح في معظم بقاع وطننا، بينما أيد الثورة خمسون مسيحيا مقابل كل مسيحي عارضها أو ساند السلطة، فما معنى أن تفعل «داعش» المستحيل اليوم كي تجبر مسيحيي سوريا على معاداة الثورة، وموالاة النظام بما يعنيه ذلك من رفد شبيحته بمادة بشرية جديدة وكبيرة العدد؟ وما معنى أن تساوي «داعش» بين انحياز المسيحيين إلى النظام، أو القضاء على دينهم وقمع إيمانهم، وتدمير وجودهم التاريخي في وطنهم؟
بيد أن حرب «داعش» لا تقتصر على المسيحية والمسيحيين، بل تشمل أيضا الإسلام والمسلمين، فقد سبق لها أن كفرت الجيش الحر وجميع الفصائل والقوى الإسلامية، وأعلنت الحرب عليها بوصفها تجمعات مرتدين لا بد من تخييرهم بين القتل والتوبة. ثم لم يقف موقف «داعش» عند التهديد والوعيد، بل سرعان ما قرنت القول بالفعل، والتهمة بالقتل، فلم تترك مسلما خالف رأيها، ثم وقع بين أيديها، إلا واعتقلته أو عذبته أو قتلته ذبحا، وليست المقابر الجماعية المليئة بجثث آلاف المسلمين، إلا دليلا من أدلة كثيرة على وحشية من حولوا دين التسامح والوسطية إلى آيديولوجية وظيفتها تسويغ ذبح وانتهاك حرمات المؤمنين واستباحة دمائهم وإعراضهم وممتلكاتهم، وفرض حجر عقلي وإيماني عليهم. ومع أن شيوخا أجلاء لفتوا أنظار التنظيم التكفيري إلى ضرورة الاعتدال والتقيد بنص وروح الدين، وحذروه من تبعات مخالفته لرسالة وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن مواقفهم انتقلت دوما إلى مزيد من الغلو، لذلك، كان من المنطقي أن ينفك المؤمنون والمسلمون عنه، وأن ينقلبوا عليه وينظموا مظاهرات حاشدة ضده في كل مكان ابتلي به، وخصوصا مدينة الرقة: الموقع الذي استولى عليه في غفلة من الزمن، وأخرج الجيش الحر والتنظيمات الإسلامية منه، مع أنه ليس هو الذي حرره، فمن الضروري إخراجه اليوم منه كي تستعيد الثورة هويتها الأصلية وعافيتها، ويعود الأمان إلى نفوس مواطني سوريا، الذين قدموا أغلى التضحيات من أجل حريتهم ولم يكن في حسبانهم أن يظهر بين ظهرانيها مجرمون يشوهون الإسلام، ويقتلون المسلمين ويقاتلون دفاعا عن النظام وضد الشعب.
لم تتوقف جرائم «داعش» عند قتل الأحياء من مسلمين ومسيحيين وعلويين ودروزا وإسماعيليين وأكرادا وتركمانا.. إلخ، بل تعدتها إلى قتل الموتى، ونبش قبورهم ثم هدمها، كيدا لكل من لا يتبنى رؤية «داعش» التكفيرية، وهذا مثل استفزازا لقطاع من السوريين ينضوي في إطار السعي إلى إثارة حرب دينية تسهم، إلى جانب خطط النظام وممارساته، والتدخلات الخارجية، في تدمير ما بقي من ثورة الحرية، وتماسك الشعب، ووحدة الوطن.
لا بد من تعاون ممثلي جميع الأديان لردع «داعش» وإحباط جرائمها ضد حرية الإيمان وكرامة وحياة المؤمنين. ولا مفر من رد قوي وموحد يشارك فيه كل مؤمن بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، يمنع «داعش» من الاعتداء على بيوت الله وحرية الناس، كي لا تسقط بلادنا في همجية دموية باسم دين سماوي سام حرم قتل النفس، وجعل من يقتل مؤمنا – وليس فقط مسلما – كمن يقتل الناس جميعا، أي مفسدا في الأرض عقابه جهنم.
لا بد من وقفة حازمة ضد جرائم «داعش» وأفعالها وشرها المستطير!
نقلا عن الشرق الاوسط