الشرق الاوسط
هناك بلاد مهاجرين بمعنى الاستقبال والانصهار والفرص، وهناك بلاد مهاجرين بمعنى الهجرة والركود وانعدام الفرص. المثال الأول السويد وأميركا وألمانيا وكندا. الأمثلة الأخرى لبنان ومصر والمغرب وعموم أفريقيا وكثير من آسيا. لكن بلدان الاستقبال بدأت تضيق بموجات القادمين. لذلك تعيد إدارة أوباما النظر في قوانين الهجرة وفي تطبيقها، ويعيد بلد نموذجي مثل كندا النظر في موقفه من استقبال الطالبين.
في كتاب حديث عن «موطني الكندي وربيعي العربي»، يطرح خبير الهجرة إيلي نصر الله (أوتاوا) قضية مفصلية في مسيرة الهجرة إلى دول الاستقبال: «لا تزال هذه الدول تحتضن الملايين الجدد، لكنها لم تعد قادرة على صهرهم في مجتمعاتها. في الماضي كانوا يتحولون بعد فترة إلى مواطنين، أما الآن فنحو 60 في المائة من المهاجرين يرفضون أي اندماج ثقافي في مجتمعاتهم الجديدة، لا هم ولا أبناؤهم ولا أحفادهم. ولا يكتفون برفض التقاليد الاجتماعية وحدها، بل يتعدون ذلك إلى القوانين والولاء، مما يعني أن بعضهم قد يشكل خطرا على الأمن القومي».
يبدو أن سياسة «تعدد القوميات» أدت إلى قيام مجتمعات منفصلة عن بعضها البعض، كما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وهذا لا يشمل الفروقات الدينية أو العرقية وحدها، بل ينطبق على المهاجرين من ذوي البشرة الواحدة أو الخلفية الاجتماعية الواحدة. وتنظر كندا في ألم إلى أن أسرتها الفرنسية في كيبك لا تزال تفكر في الانفصال عن الحكم الاتحادي.
تبحث كندا الآن عن بديل لسياسة التعدد القومي، كما يقول إيلي نصر الله، لكن شكل هذا البديل لم ينضج بعد. وينقل عن المفكر والسياسي الكندي مايكل إغناتييف قوله «إن كندا المتعددة هي فكرة رائعة من حيث المبدأ، لكنها في الواقع عقد مستور من عدم الاهتمام المتبادل. فالمكونات تشارك في فضاء جغرافي وسياسي واحد، لكن ليس في فضاء اجتماعي وأخلاقي واحد. لقد أصبح لدينا صين صغيرة وأفغانستان صغيرة مثلما كانت لدينا إسبانيا أو إيطاليا مصغرة». تعدد الثقافات القومية فكرة خلاقة أطلقها رجل الدولة الكندي التاريخي بيار إليوت ترودو. لكن على مثاليتها يبدو أن الفكرة لم تحقق أهدافها بعد أربعين عاما. والآن هناك كندا أكثر تشددا، كما يقول نصر الله، الذي يشكل مواطنوه من بلدة كفرمشكي أول جالية لبنانية مهاجرة في العاصمة الكندية. والدولة التي كانت الأكثر رحابة أصبحت بين الدول الأكثر انتقائية وتحديدا لشروط القبول. تنبهت دول الموانئ إلى أنها أصبحت مراكز تجمعات متناقضة، وأحيانا انفصالية. وبعضها لا يقر حتى بحقوق الإنسان التي يقوم عليها.