الحلقة الرابعة :
بقلم / أسامة عثمان
( من ذاق عرف، ومن عرف غرف )
هذا المثل يستخدمه كثيرا أعضاء جماعة ( التبليغ والدعوة ) ، و( الطرق الصوفية ) للدلالة على أن من تعرف على محبة الله وذاقها في قلبه ، فلا بد أن يستزيد منها ، فهو لم يحكي له أحد عنها ولكنه تعرف عليها وتذوقها بنفسه .
في المعتقلات كان أكثر الناس معاناة بسبب الحرمان من الجنس هم المتزوجين ، ولذلك كانت أكثر الانحرافات الجنسية منهم ، كان السبب في ذلك واضحا بالنسبة للجميع ، وهو أنهم ذاقوا طعم الجنس من قبل ، لذلك كان التحرش الجنسي في الغالب صادر عن المتزوجين ضد المراهقين صغار السن ، وكان يقل جدا بينهم قصص الحب والغرام ، على العكس من الشباب غير المتزوج حيث يكثر بينهم قصص الحب العذري أكثر من التحرش الجنسي ، ده طبعا كان في بدايات الاعتقال ، أما بعد مرور سنوات عدة في المعتقل ، وبعد انتقال معظم المعتقلين من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الشباب ، ومع انسداد الأفق أمام الجميع لخروج قريب من الاعتقال زاد اليأس وقلت المشاعر ، وقلت قصص الحب العذري وزادت حالات التحرش الجنسي .
عندما نزلت في الزنازين الانفرادية بالدور الأرضي – كان ذلك في سبتمبر 1996 – كان معظم المتواجدين به من التاركين للجماعة أو الهاربين من جحيم الزنازين الجماعية من زحام وكثرة قيود وتحكمات الأمراء ، وكان كل واحد عنده قصة عن الجماعة بيحكيها ، فكان سهل جدا الحصول على معلومات عن فضايح الجماعة الأخلاقية أو الإدارية .
فعرفت وقتها قصة الشيخ الخمسيني ذو اللحية البيضاء الذي راود شابا صغير على اللواط به ( الشيخ كان سالبا ) ، ولكن الشاب كسر بخاطره ورفض .
وكذلك قصة أحد أمراء منطقة عين شمس ذو الأصول الصعيدية ( كان موجبا ) الذي رواد شابا صغيرا عن نفسه محاولا إقناعه أن ذلك يجوز لأننا في وقت الضرورة ، والضرورات تبيح المحظورات حسب القاعدة الفقهية ( اللي هي : الغاية تبرر الوسيلة ، بس بالصياغة الإسلامية ) ولكن الشاب رفض واشتكاه للجماعة .
ده غير قصة المجاهد والشهيد الذي حكم عليه بالإعدام في قضية مقتل أحد لواءات أمن الدولة ، ونفذ فيه الحكم في عام 1998 على ما أذكر ..
هذا المجاهد الشهيد ( موجب ) راود أحد الشباب عن نفسه ولكن الشاب رفض .
مكثت في انفرادي قرابة 6 شهور ، وفي مارس 1997 انتقلت إلى جحيم سجن ( وادي النطرون ) مرة أخرى ، حيث 33 شخص في زنزانة
4 X6
كان النوم خلف خلاف وعلى جنب واحد لحد الصبح واللي يقوم للحمام ليلا يرجع لا يجد مكانه .
في سجن وادي النطرون لا يوجد إضاءة ليلا ، مما يساعد على كثرة التحرش الجنسي أثناء النوم ، فكان طبيعيا أن تستيقظ على مشاجرة أثناء النوم بسبب التحرش ، ويتم التحقيق فيها في الصباح ، حيث يدان الشخص أو يتم تبرأته لأنه يكون فعلا نائما وعضوه انتصب أثناء النوم واحتك بجاره دون أن يقصد .
في زنزانتي في هذا السجن كان يوجد شاب من جماعة الجهاد من الوايلي ، كان مثل الفتاة المراهقة مشتعلة المشاعر اللي ما تصدق حد يقول لها كلمة حلوة تقوم واقعة في حبه !!
وده كانت غلطتي لما انسحبت من لساني في مرة وقلت له ( حبيب قلبي )
هو : إنت قلت لي حبيب قلبي ؟
أنا : أه ، وفيها إيه ؟
هو : يعني إنت بتحبني ؟
أنا : وقد أدركت أنه عاوز يدخل في دور التسبيل ، طبعا بحبك في الله ، مش كلنا إخوة ؟
لم تعجبه الإجابة ، وفضل بعدها يلاحقتي وعاوز نقعد نحكي مع بعض علطول .
كان فيه شبه من البنت المساعدة للفنان ( أحمد حلمي ) في فيلم ( جعلتني مجرما ) شكلا وموضوعا ، كل ما أتفرج على الفيلم ده وهي بتقوله ( يا بيبي ) وهو بيصدها ، أفتكره وأقعد أضحك .
في هذا السجن المظلم ليلا كان يحلو لي أحيانا أن أسرح بخيالي في الحياة خارج المعتقل متذكرا أهلي والفتاة التي كنت أحبها قبل الاعتقال والتي حكيت عنها في الجزء الذي نشرته من مذكراتي ، وكنت كثيرا ما أحلم بها في منامي .
وكذلك كثيرا ما كنت أتذكر الفتاة التي أحببتها في فصلي الدراسي الرابع في المرحلة الابتدائية ، وكأن العقل الباطن كان يستدعي هذه الذكريات الجميلة في اليقظة وأثناء النوم محاولة منه لتخفيف حدة الآلام التي أمر بها في المعتقل ولتحقيق التوازن النفسي حتى لا يحدث الانهيار .
كنت كذلك أتذكر حواري وشوارع الحي الذي سكنت فيه في طفولتي ، وكذلك المنطقة التي انتقلت لها فيما بعد ، كنت أشتاق لليوم الذي سأرجع أمشي في شوارع وحواري منطقتي التي تربيت فيها أو التي انتقلت إليها .
أدركت وقتها تلك المشاعر التي كان يمر بها الشعراء الذين يبكون على الأطلال ، وعلى فراق الأحبة وديارهم ، وعلى فراق ديارهم التي نشئوا بها .
في مساء أحد تلك الليالي المظلمة حسبت أنا بقالي كام يوم في المعتقل فوجدت أني أكملت ألف ليلة وليلة .
قضيت في هذا السجن 3 أسابيع ثم عدت مرة أخرى إلى سجن ( استقبال طرة ) في زنزانتي الانفرادية ، وفي 5 / 7 / 1997 أعلنت الجماعة الإسلامية ( مبادرة وقف العنف ) واللي اتقال وقتها إن سببها النضج الفكري ومراجعة النفس ، وده كان السبب الظاهر للمبادرة ، أما الأسباب الحقيقة لإعلان المبادرة فهي :
1- انكسار الجناح العسكري بسبب أحد أفراده الذي تم تجنيده من قبل جهاز أمن الدولة .
2- حرمان القيادات المؤسسة للجماعة من لقاء زوجاتهم ( حيث كان مسموحا لهم عمل خباءات أثناء الزيارات للقاء الجنسي ) وكان ذلك في بداية 1994 ( طلعوا أبطال صبروا 3 سنوات بدون جنس ) ، بالإضافة إلى وصول أخبار المشاكل الجنسية ، والمعاناة التي يعانيها المعتقلين في السجون الجديدة إليهم .
ولكن بسبب حادثة الأقصر الشهيرة في نوفمبر 1997 تم تعطيل المبادرة ، إلى أن تم تفعيلها بعد 11 سبتمبر 2001 ، وكانت أول مكافأة لقيادات الجماعة هي السماح لهم بالخلوة الشرعية بزوجاتهم ، وبعدها بفترة قصيرة للمعتقلين جميعا .
كنت قد خرجت من المعتقل في 7 / 1 / 1998 في أعياد الميلاد وكأنه ميلادا جديدا لي ، وظللت في الحياة الدنيا 3 سنوات إلى أن رجعت إلى حياة البرزخ ( المعتقل ) مرة أخرى في 16 / 1 / 2001 قبل تفعيل المبادرة .. وتلك قصة أخرى …………………………. يتبع