الحب والجنس في المعتقلات 3

 الحلقة الثالثة :rasmi
بقلم / أسامة عثمان
( النبي المتناك )
اه نسيت أقولكم في شهر ديسمبر عام 1993 كنت معتقل في ( لاظوغلي ) وكان معانا واحد اسمه أحمد وشكله تعبان نفسيا بيقول إنه نبي وبيستشهد بالآية (( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) ومدعيا أنه أحمد المذكور في هذه الآية ، وأن محمد نبي الإسلام هو نبي أيضا جاء بينه وبين عيسى .
كان يدور علينا في لاظوغلي يعرض علينا دعوته ، ويطالبنا بإعطاءه فرصة لعرض دعوته ، ولنا الخيار نقبل أو نرفض ، فكرني ساعتها بالرسول محمد في المرحلة المكية !!.
كان بيصلي معانا عادي وفي التشهد كان بيجي عند ( اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد ) ويرفع صوته ويقول ( اللهم صلي على أحمد وعلى آل أحمد ) يقصد نفسه ( أنا عارف إنه كان مضطر يعمل كده ويعرض نفسه للخطر معانا عشان يبلغ دعوة ربه !!! ) .
بس الصراحة محدش اتعرض ليه بأي أذى بسبب علامات المرض النفسي الواضحة عليه ، وللأسف دعوته الربانية لم يكتب لها النجاح لأننا رفضناها زي زعماء قريش الأبرار ما رفضوا دعوة محمد ، وكمان عشان ماقدرش يعمل مجموعة من الصحابة ترغم الناس – لما تمتلك القوة – على هذه الدعوة الربانية .
ترى لو كتب لهذه الدعوة النجاح ماذا سيكون مصيرنا ؟ !!!
المهم هذا النبي المزعوم طلب من شاب صعيدي قوي البنية أن يفعل هذا الشاب فيه فعل اللواط في الحمام ، ولكن الشاب رفض ، ولكن هذا النبي بعزيمته لم ييأس وظل يلاحقه بنظرات كنظرات أنثى تريد إغواء رجل !!!
وما بين نبي ( متناك ) ونبي ( نياك ) يا قلبي لا تحزن !!!!!! .
قبل أن أنزل إلى زنازين إنفرادي حكي لي أحد الإخوة اسمه ( محمد حسن ) من حدائق القبة أنه كان في إحدى الزنزانات وكان يرأسها أمير شاب في العشرينيات ، وكانت العادة أن الذي ينام بجوار الحائط هو الأمير نظرا لقداسته واحترامه في نفوسنا فمش هينفع ينام في وسطنا ، أو لكبار السن .
وكان في هذه الزنزانة رجل مسن فكان ينام بجوار الحائط ، حتى أتى إلى الزنزانة شاب صغير ( أمرد .. وما أدراك ما الأمرد في الفكر الديني ) ، فقرر الأمير بحكم أنه الأكثر قداسة وطهارة نفس بيننا – لا لشيء إلا أنه الأمير – قرر أن ينتزع المكان بجوار الحائط كي يأخذ هذا الأمرد بجواره ليحافظ عليه من شرورنا .
غضب الرجل المسن ولكنه لم يستطع أن يعترض لضرورة السمع والطاعة في المنشط والمكره ، فلما رأى ذلك محمد حسن وكان طبعه شجاعا لا يستطيع أن يرى الحال المايل ويسكت ، فكلم الأمير المقدس ، وقال له يعني إنت اللي مفيش منك واحنا اللي ولاد ستين كلب ، وكمان تقوم الراجل الكبير من مكانه اللي بيستريح فيه ، طب صدقني مانت نايم جنب الحائط ولا الأمرد ده هينام بجوارك ، وفعلا نفذ كلامه وأجبر الأمير الطاهر على التراجع .
وتساءلت بداخلي هو الأمير الطاهر ده كان طمعان في المكان بجوار الحائط ولا طمعان في الواد الأمرد ؟ صراحة الاتنين واردين .
( في شقة مصر الجديدة )
بعد ما نزلت ديار الكفر ( إنفرادي ) ، سكنت في زنزانة صغير

1,5 X 2,2

كنا تلاتة في هذه الزنزانة نظرا لزيادة الأعداد في السجن فكان انفرادي بالاسم فقط ، قضيت به أفضل أيامي بالمعتقل ، من ناحية الصحبة الجيدة ، ورغد العيش مقارنة بالزنازين الجماعية ، كنا نحن الثلاثة مشتركين في حب القراءة فكنا نلتهم ما يقع تحت أيدينا من كتب التهاما ، كان واحد منهم تبع الجماعة ولكنه تركها وأصبح قريبا في فكره من الشيخ أسامة القوصي ، والآخر كان ضمن مجموعة سلفية منفتحة لحد ما في مدينة دمنهور ، أو على الأقل بالنسبة لي وقتها لأني كنت ساعتها قفل كبير .
استفدت منهما كثيرا فقد زرعا بداخلي بذرة البحث في الأفكار ، والرأي و الرأي الآخر ، واحترام الرأي الآخر لأنه قد يكون صحيحا ،تلك البذرة والتي ظلت تنمو بداخلي حتى جعلتني قادرا أن أنقد الإسلام نفسه و تركه ، وكان ذلك بعد 12 عام من لقائي بهما ، فأنا في الحقيقة مدين لهما ببداية دخول النور إلى عقلي .
كنت وقتها كتلميذ أمامهما لانغلاق عقلي وشدة تعصبي وانفتاح عقليهما على الأفكار الأخرى ، خاصة الأخ الدمنهوري فقد كان واسع الاطلاع ، ذو عقلية مرنة ، طيب النفس ، شديد الحياء .
أحببته كثيرا لطيب أخلاقه وحسن عشرته ، ولأنه كان لا يبخل على أحد بأي شيء مادي أو علمي .
حكى لي ذلك الأخ الدمنهوري عن قصص العشق عندهم في دمنهور بين الملتزمين ، وكيف أن اثنين من الإخوة من حبهم لبعض كانوا يستخدمون سواكا واحدا ، لكل واحد منهما ناحية من السواك ، وعن آخرين كانا يتفقان على ميعاد محدد ينظر فيه كل واحد منهما إلى القمر فيشعران بشيء يربط بينهما .
بعد ما خرجت من المعتقل في يناير 1998 ظللت على اتصال بأهله للاطمئنان عليه حتى رجعت مرة أخرى للمعتقل في يناير 2001 ، وكنت في شوق لرؤيته ، وفعلا قابلته وكان لازال كما هو في دماثة الخلق ، وطيب النفس ، ظللت معه حتى خروجي من المعتقل في أكتوبر 2003 ، وبعد خروجي من المعتقل ب 10 شهور سافرت إلى السعودية ومكثت هناك 4 سنوات متصلة ، كنت دائم التذكر له كلما تخطيت مرحلة فكرية ، وكان نفسي أشوفه جدا عشان أكمل معه نقاشاتنا الفكرية ، وأعرفه ما توصلت إليه من وجود إشكاليات في الإسلام نفسه .
كنت في 1996 كسرت قيد التنظيم ، وفي 2002 كسرت قيد الفكر الجهادي عامة ، وفي 2005 في السعودية تحررت من قيد المذهب ، مذهب أهل السنة والجماعة ، ومن بداية 2006 بدأت أضع الإسلام نفسه كدين تحت المجهر .
في يوليو 2008 نزلت مصر في إجازة بعد غياب 4 سنوات كاملة ، وذهبت أثناء الإجازة إلى دمنهور لقضاء بعض المصالح ، وأخذت معي تليفون صديقي الدمنهوري ، واتصلت به فرد علي والده وقال أنه في السعودية وأعطاني رقمه هناك .
اتصلت به عندما عدت إلى القاهرة واتفقنا على اللقاء عندما أرجع إلى الرياض .
أكملت قراءة بعض الكتب لنقد الإسلام في الإجازة ، ورجعت إلى السعودية في أكتوبر ، وأكملت قراءة مجموعة أخرى من الكتب حتى أخذت قرار ترك الإسلام في نوفمبر 2008 .
كنت قد اتصلت بصديقي الدمنهوري بعد عودتي إلى السعودية ، ولم أستطع مقابلته إلا في بداية 2009 وكنت قد تركت الإسلام وقتها .
التقيت به وقررت أن أكون حذرا معه في الكلام ، ولا أصارحه بما توصلت إليه وأحاول أجيبها معاه بالتدريج ، لقيته مهتم جدا يشوفني وصلت لحد فين فكريا ، فقلت له أنني تخلصت من المذاهب كلها فأنا مش سني ولا شيعي ، أنا مسلم وفقط .
لقيته اتصدم من جرأتي في نقد أهل السنة والجماعة والشيوخ السلفيين السعوديين والمصريين .
كان بيتفاخر إنه زي ما هو متغيرش بعد 9 سنوات اعتقال ، وبيعتبر ده ميزة ، وأنه عنده ثبات على المبادئ ، ففوجئ بي أقول له أنه لا يوجد أي ميزة في ذلك ، وأن الطبيعي أن يتطور فكر الإنسان لا أن يتحجر .
وجدت عقليته كما قابلته أول مرة في سبتمبر 1996 ، وكما تركته في 2003 ، وأدرك هو حجم الهوة الفكرية التي أصبحت بيني وبينه ، فبعد أن كان معلما لي ، أحس بالتضاؤل أمامي ، خاصة عندما ذكر لي أنه كتب مقالة للمجلة الإسلامية التي يشتغل فيها منتقدا فيها مسلسل ( نور ) التركي بناءا على طلب رؤسائه في العمل ، فدخل على النت وجمع النقد المكتوب عن المسلسل وعمل مقالة دون أن يرى المسلسل ، فانتقدته لذلك ، وقلت له كان يجب أن ترى المسلسل أولا كي تنقده .
رجعت من الزيارة دون أن أذكر له أني تركت الإسلام لأنه لم يستوعب تركي لأهل السنة والجماعة ، حاولت الاتصال به لعدة أيام ، فلم يرد على اتصالاتي ، أحسست بالحزن لذلك ، لما يفعل ذلك وأنا أعتز بصداقته ، وكنت وفيا لذكراه كصديق طوال 12 عاما ، هل لأنه أحس أني قد تجاوزته فكريا ؟ طب وماله ما أنا قبلت بمعرفته وهو أعلى مني فكريا ولم أجد غضاضة في ذلك بل وكنت أستفيد منه دون تكبر .
اكتشفت أن هناك نوع من الناس صداقتهم معك مرهونة بمدى احتياجك لهم ، وأن تكون في وضع التلقي فقط ، أما العكس فلا ، أما الشعور بأنه أقل منك ثقافيا فصعب عليه ذلك لأنه أدمن أن يكون معلما ، ولا يستطيع أن يكون متعلما .
اكتشفت أني كنت أعيش قصة الوفاء في الصداقة من طرف واحد ، وأنه أمر نادر في ذلك الزمان أن تجده .
حتى أنني عندما شاهدت فيلم ( في شقة مصر الجديدة ) ، عن التلميذة ( نوجا ) التي كانت تبحث عن معلمة الموسيقى بتاعتها ( تهاني ) بعد 12 عاما ، وكيف كانت وفيه لذكراها ، وكيف كانت المعلمة وفيه لها ، تساءلت يا ترى لو كانت المعلمة قابلت تلميذتها وأحست أنها تفوقت عليها في فكرها ومشاعرها ، هل كانت ستستمر في معرفتها ومراسلتها ؟ !!! ……………… يتبع
قبل بضع ثوانٍ

شير الحلقة ده
إنهاء الدردشة

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.