قرأت تقرير الزميل زبير الأنصاري قبل يومين عن بروز عادات جديدة للزواج في المجتمع السعودي.. بعضها لا يخلو من الطرافة وغير منطقي إلا أن البعض منها ’مبرر..خاصة تلك التي تهدف لحماية مستقبل الفتاة ماديا كما في حالة الأب الذي أصّر على إستقلال ذمتها المادية.. أما في حال الأب الذي أصر على إستلام راتب إبنته حتى بعد الزواج فهي دليل واضح على تجبّر الولي وأنانيته… ولكنها وبالتأكيد تعكس حالات إستغلال حدث الزواج نفسه ووضع الشروط التي كان من المفروض بحثها مستفيضا قبل وقت إتمام العقد.. ولكنها كلها لا تغني عن أهم شرط للزواج.. وهو علاقة الأمن والأمان بين الطرفين نفسهما والتي ومن المفترض أن تنمو خلال تعرفهما على بعضهما البعض.. وليس يوم عقد القران.
كلنا يعلم بأن الهدف الأول للزواج.. هو الإستقرار النفسي والعاطفي والإستمتاع بالغريزة الجنسية ’محللة بعقد الزواج روحيا ومجتمعيا.. والجميع يفترض في هذه العلاقة الإستمرارية في تأجج العواطف وإن بالغوا في إفتراض إستمرارية العطاء والتضحية والقبول سواء بالعنف أم بالزوجة الثانية من المرأة… ويستهجنون طلبها للطلاق في مثل هذه الحالات… في ذات الوقت الذي أحلوا فيه للرجل كل الحريات بإسم أنه رجل.
ولكن وفي حال فشل الزواج وإصرار المرأة على طلب الطلاق تتلاشى معظم حقوقها خاصة المادية منها… فمؤخر صداقها يتضاءل بفعل التضخم المالي.. وقد لا تتمتع أسرتها بالثراء لحمايتها ماديا.. إضافة إلى أنها قد تتنازل عن كل حقوقها المادية في سبيل الخلاص من زواج أصبح يقتلها معنويا… والأهم أن قليلات من النساء من إحتفظن بعمل خلال الزواج قد يستطعن إعالة أنفسهن منه.
قبل فترة قصيرة.. جاءتني فتاة من الخليج جميلة.. عصرية في ملابسها الأوروبية.. بدون أي حجاب ولا غطاء وجه.. لم تتجاوز السادسة والثلاثين من عمرها… تزوجته في سن السادسه عشر.. وقبل إنتهاء دراستها الثانوية.. بدون معرفة لمجرد أنها رأت فيه شخصا مناسبا وبدون أي إكراه من العائلة.. إكتشفت فيما بعد الكثير من إختلاف الطباع والعادات.. كان ’مقتّرا يحسب كل مصروفات البيت بطريقة ’منفّرة.. قيدها ماديا وإجتماعيا.. وأجبرها على لبس النقاب الكامل.. فلا تظهر منها سوى عيناها… الشيء الإيجابي الوحيد الذي قدّمه لها هو حثها على إكمال دراستها المدرسية.. ثم الجامعية.. وتخرجت بإمتياز.. وحين بدأت العمل أصر على الإستيلاء على كل راتبها… تحسّنت أحوالهما المادية بما سمح له أن يشتري بيتا.. وبالتأكيد سجّله بإسمه لأنه من غير المألوف الإعتراف بمشاركة المرأة المالية… رغم أن مساهمتها المالية كانت أكبر بكثير مما كان يتقاضاه.. ولم تعترض حفاظا على هدوء حياتهما وخوفا منه.
سمح لها تفوّقها العلمي بالحصول على بعثة دراسية للقدوم إلى بريطانيا للدراسة.. ووافق على ذلك طمعا في مستقبل أكثر رخاء.. ورافقها كمحرم مع أولادهما الأربعة.. تتكفّل الدولة بكل مصاريفهم.. ولكن وبعد القدوم بدأ ’يشدد من قيوده عليها.. أصبح يحاسبها ويراقبها ويحرقها بظنونه برغم أنها كانت متنقبة من رأسها وحتى أخمص قدميها… ولكن غيرته إستبدت به ووصلت به إلى تعنيفها جسديا.. ومع كل ذلك إزدادت رغباتة الجنسية ربما لتأكيد رجولته وإذلالها.. ومع إزدياد العنف بدأت تنفر منه ومن ممارسة العلاقة الجنسية.. ولكن ذلك لم يمنعه من إغتصابها.. ليمارس حقوقه كزوج…سلب منها الروح والجسد ومع ذلك بقيت صامدة وراضية.. وحل موعد الإجازة للعودة إلى الوطن والأهل.. وعادت الأسرة كلها.. وخلال الإجازة أخبرها بنيته للزواج.. وافقت بإرتياح شرط أن يطلقها.. لأن الحياة بينهما أصبحت مستحيلة.. ولكنه رفض إلا إذا تنازلت له عن كل حقوقها المالية ولم ترضى… وتزوج بأخرى.. وإستمر برفض تطليقها.. وأضاف شروطا مالية أخرى.. أن تدفع له مبلغا ماليا كبيرا ثمنا لحريتها إضافة إلى التنازل التام عن كل حقوقها الأخرى…. نسي أنها ساهمت في شراء البيت.. وبمصاريف حياتهما الزوجية كلها.. ولكن الأهم أنه رفض إعطاؤها إذن الخروج للعودة للدراسة.. وبمعجزة إستطاع الأهل إقناع السلطات بفعالية الإذن السابق.. وعادت للدراسة بعد أن حرمها من رؤية الأطفال.. خلال ذلك لحق بها إبنها الذي بلغ 17 سنة ليكون محرمها.. ولكنها تبقى محرومة من رؤية بقية أطفالها.. ولا زال يرفض تطليقها.
خلعت نقابها.. ولأول مرة لبست ملابس عصرية محتشمة…. وتداوم على دراستها في الجامعة.. بألم وبكل الخوف قالت لي وهي تغالب دموعها.. في بريطانيا ولأول مرة في حياتي أشعر بأنني إنسانة.
’ترى كم من إمرأة أخرى تعيش هذه الظروف.. سواء مع الرجل أو تحاول الحصول على الطلاق الذي حق هو حقه السيادي..؟؟؟؟ كم من إمرأة تتعرض للإغتصاب الزوجي.. يرافقة إغتصاب نفسي ومعنوي وحياة مدمّره.. كم من إمرأة تتعرض للإبتزاز المالي للحصول على حريتها.. وكم من إمرأة ممنوعة دينيا وقانونيا من حضانة أولادها ومن السفر وحدها وتحتاج إلى محرم في كل تنقلاتها حتى من أصغر أبنائها..؟؟؟؟؟؟ كم من إمرأة محرومه من الإحساس بالثقة بنفسها.. وتملك حرية الإختيار.
بدون أن يستند الزواج على فكرة الشراكة والمشاركة المعنوية فلن يستقيم هذا الزواج.. أما المشاركة المالية فيجب أن تكون لها الأولوية في عقد الزواج خلاله وبعده حماية للمرأة في حال فشل هذا الزواج.. ولا يجب أن يسبب حرجا لأي من الطرفين فواقع الحياة يؤكد بأن كرامة المرأة تبقى مصونه في حال الإستغناء المادي وأن لا تصبح عالة على أي من أفراد عائلتها في أي وقت من الأوقات.. بدون حمايتها ماديا تبقى المرأة أسيرة الرجل والمجتمع والتقاليد.. وتدفع فاتورة كونها ’ولدت إمرأة في عائلة مسلمة شرقية بدون أن يكون لها أي رأي في أي من هذه الخيارات.
أحلام أكرم – منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية