سارة مطر
ثمة سوء فهم في العلاقات الزوجية في مجتمعي، حتى الآن الشاب في وطني لا يفهم مشاعر المرأة، لا يفهم المعنى الحقيقي للزواج، ولا يدرك كمية المشاعر المتدفقة التي تحملها المرأة في قلبها تجاه من تحب
قال لي إنه يشعر بالاستغراب من اقترابها العميق لهُ، إنها تحبه أكثر مما يتخيل، كان متوقعا أن تتدارك مشاعرها تجاهه، ألا تبوح بها كما تفعل الآن معه، كان يعني أن عليها أن تكون أكثر “ثقلاً” في محبتها الكبيرة له، كان ينتظر منها أن تبدو متزمتة أكثر نحوه، أن تظهر بعض الغرور وكثيرا من البعد النفسي عنه، إنه يظن أن عليها أن تهدأ قليلاً، لماذا هذه المشاعر المتلهفة تجاهه، لماذا تبدو عذبة إلى أقصى مدى في محبتها له؟ لماذا لا تتدلل عليه؟ فكل ما تفعله حينما يقوم بزيارتها في بيت أهلها، أن تدلك قدميه، وتشتري الورد وترصه في الفازة الزجاجية، وأحياناً تشعل الشموع، هو يتساءل بشكل واقعي جداً، لماذا لا تهدأ؟ فقط لو أنها تهدأ قليلاً.
هذا ما قاله “عصام” لي، حينما التقيته في معرض الكتاب بأبوظبي، كان يتحدث عن “خطيبته” ويطلب مني المشورة، ويسألني هل خطيبته “عالية” بحالة طبيعية؟ لا أعرف ماذا أقول، غصصت بدموعي، كدت أبكي أمامه، تخيلت محبة “عالية” الكبيرة لهُ، تخيلت مظهرها، خصوصاً أنه أظهر لي الجوال من جيبه، وقال لي: “يمكنك رؤية صورتها”، تطلعت على الفتاة الطيبة الخجولة، وهي ترتدي فستاناً سماوياً زاهياً، وقد رتبت شعرها، ووضعت المكياج على وجهها، وعلقت سلسالاً حول رقبتها يتدلدل حرفه الأول، حينما شاهد نظراتي، سألني إذا ما أردت مشاهدة صور أخرى لـ”عالية”، فأومأت برأسي، ومن صورة لأخرى، بدت “عالية” فتاة جذابة وجميلة ومدهشة، وكل صورة يمكنك أن تقرأ فيها سمات “عالية” وما ستكون عليه مستقبلاً.
ولكن أين المشكلة؟ ولماذا غصصت بدموعي؟ ولماذا تمنيت أن أستولي على بريد “عالية” الإلكتروني من دون أن يعرف؟ لكي أكتب لها رسالة شخصية، أن تقلل من اهتمامها المفرط بخطيبها الذي لا يتفهم مدى لهفة “عالية” لكي تكون زوجة وأمًّا، وأن ما تقوم به ليس بالأمر السيئ، أو أنها بحاجة إلى أن تأخذ هدنة مع نفسها كما يود “عصام”، كل ما هناك أن “عالية” تريد بعد تسع وعشرين عاماً أن تبدأ حياة جديدة ومختلفة ليس إلا. ولكن كيف أستطيع أن أفهم عقل “عصام” المغلق بالضبة والمفتاح، كيف أفهمه وأنا المرأة التي ينظر إليها “عصام” بأنها كاتبته المفضلة، ويحفظ مقالاتها كما يحفظ أهداف فريقه المفضل ريال مدريد في شباك خصمه.
“إنها جميلة، ومؤدبة، وأيضاً مثقفة، تصوري تعلمت الطبخ من أجلي، أخبرتها أنني أريد زوجة تجيد الطبخ، ولم تقل لي “لا” أبداً، إنها تحقق جميع ما أطلبه منها”. صمت “عصام” وأردف وهو ينظر باتجاه آخر “ولكن لماذا تبدو لي مندفعة بعض الشيء؟ لماذا تبكي حينما أتأخر على زيارتها؟ لماذا لا تمارس معي وجهاً آخر؟ أعني بذلك أن ترفضني قليلاً، أن تخبرني أنها مشغولة، أن تقول لي إنها ليست بمزاج جيد لكي تستقبلني”.
لم أجد إجابة عن تساؤلات “عصام”، سوى أنني قلت له إنني كاتبة وأستطيع قراءة الملامح، وإني وجدت في ملامح “عالية” ذكاء حادا، وفطنة كبيرة، وإنها تفعل ذلك لكي تعزز الثقة به كزوج ليس إلا!
بلعت قهري على مضض، حاولت أن أتماسك في حواري الطويل مع “الباش مهندس عصام”، لا يفهم البعض ما تواجهه الفتاة السعودية في مجتمعها المقدس، لا يفهم البعض أحلام الفتيات ورغباتهن المكبوتة، لا يفهم البعض أن الفتاة في وطني كائن متفجر بالحياة والحب والأمل والأمنيات وطموحات لا حد لها، لكن حتى الأسرة أحياناً لا تستطيع الفرار من العادات والتقاليد في المجتمع الذي نعيش فيه. “عالية” فتاة شفافة جداً، وما تقوم به هو نابع من شعورها العميق بمدى حاجتها لوجود رجل في حياتها بشكل شرعي، فالعلاقات المخبأة من الممكن أن تصل الفتاة إلى الهلاك، والمجتمع ينظر إلى الفتاة المقبلة على الزواج، بأنها محظوظة فقد وقع الاختيار عليها لكي تكون “أمًّا”، لكن “الباش مهندس” لا يفهم مشاعر المرأة، ولا ألومه على عدم فهمه، كيف يمكنك أن تتحدث مع شاب لم يقابل في حياته سوى نساء بيته، وربما الحوار المفتوح بينه وبينهن لا يتعدى الأمور العامة والسطحية، وها هو يشاهد نموذجا آخر، نموذجا يرغب في العطاء إلى أبعد حد، صادقا مع نفسه ومع ذاته، لا يمكنني أن أصف “عالية” بالحماقة على الإطلاق، ولكنني تمنيت لو كنت قريبة منها كفاية، لكي أقول لها إن زوجها المستقبلي، يود أن تكون امرأته دون مشاعر واضحة، أن تكون “ثقيلة” عليه، ألا تتحرر من مشاعرها التي حبستها طوال سنوات عمرها في انتظار هذه اللحظة، التي لا تخجل فيها من انتظار الرجل في حياتها أمام باب بيتها.
ثمة سوء فهم في العلاقات الزوجية في مجتمعي، حتى الآن الشاب في وطني لا يفهم مشاعر المرأة، لا يفهم المعنى الحقيقي للزواج، وكم المشاعر المتدفقة التي تحملها المرأة في قلبها، إن كل ما تفعله “عالية” تجاه “عصام” هي مشاعر سنة أولى حب، وأن على “عصام” أن يتفهم التصرفات الجميلة والدافئة التي تقوم بها تجاهه!
مسكينة المرأة في وطني، وشقية أيضاً، كم أشعر بالشفقة ليس فقط على “عالية” وسواها، وإنما على نفسي أولاً!