عندما كان الكتّاب المسرحيون اليونانيون أو الرومان القدماء يضعون أنفسهم في مأزق في إطار الحبكة الدرامية، فإنهم أحيانا ما لجأوا إلى الوسيلة المعروفة باسم «المدد الغيبي»، التي يهبط فيها مخلِّص أو منقذ على خشبة المسرح ليضع نهاية للدراما التي لم تكن لتكتمل بخلاف تلك الطريقة. حدث شيء مماثل هذا الأسبوع فيما يتعلق بالشأن السوري. فقد تقدمت الدراما إلى مرحلة تمثل فيها مزيجا من كارثة دولية وتفاهة سياسية محلية. كان تهديد الرئيس أوباما بالقيام بعمل عسكري ضد سوريا صائبا من حيث المبدأ، لكنه لم يمنح أي دعم سياسي حقيقي – على الأقل – لأن أوباما وجنرالاته يتفقون على أنه لا يوجد حل عسكري لأزمة سوريا.
لقن الممثلين (في موسكو!): ربما كانت التوجيهات المسرحية مربكة، بدءا من سطر طائش من جانب وزير الخارجية كيري، ليتبعه بسرعة نظيره الروسي. وفجأة، تكتظ خشبة المسرح بكورس مبهج ضم الرؤساء الأميركي والفرنسي والروسي والأمين العام للأمم المتحدة والصينيين، بل وحتى الإيرانيين.
إن أي شخص يعتقد أن هذا مجرد حادث مسرحي عارض يجب أن يرجع إلى مدرسة الدراما. لقد ظل أوباما وكيري والروس يتحدثون عن الرقابة على الأسلحة الكيماوية السورية على مدى عدة أشهر، وكان آخر المحادثات قبل أسبوع في اجتماع مجموعة العشرين في سان بطرسبرغ. دعونا نقل إن بوتين المتقلب المزاج يعرف كيفية اقتراح اتفاق في اللحظة الأخيرة.
لقد تراجعت وسيلة المدد الغيبي، لكن هذا لا يعني أن لعبة سوريا قد انتهت. فالجزء الدبلوماسي المعقد في بدايته. آمل أن يضع أوباما وحلفاؤه في اعتبارهم بعض المبادئ الأساسية، بحيث لا نعود بسرعة إلى انهيار آخر في سوريا: لقد أتى أسلوب أوباما الصارم بثماره. فقد أيد الروس الرقابة الدولية على الأسلحة الكيماوية بعد أن هدد أوباما بشن هجوم، ولم يتراجع في سان بطرسبرغ أو في البرلمان. ربما يكون رئيسا ضعيفا في الشؤون الخارجية، ولكن هذا الاستعراض للقوة من جانبه أكسبه قدرا من المصداقية الثمينة.
يتحرك مجلس الأمن الآن نحو وسط خشبة المسرح. النظام الصحيح هو مشروع القانون الذي كانت فرنسا تصوغه يوم الثلاثاء، بدعم الولايات المتحدة. وهذا المشروع من شأنه أن يلزم سوريا وضع أسلحتها الكيماوية تحت المراقبة الدولية. قد تواجه سوريا ضربات عسكرية مضادة إذا ما خرقت مشروع القانون هذا، الذي يقترحه الفرنسيون، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يصدق على استخدام القوة. في النهاية، سيطالب مشروع القانون بمعاقبة هؤلاء المسؤولين عن الهجوم الكيماوي الذي وقع يوم 21 أغسطس (آب). وتتمثل الخطوة التالية في إحياء محادثات السلام بجنيف، حيث تستطيع عناصر من النظام والمعارضة التفاوض على وقف إطلاق النار والمضي في خطة انتقالية. يجب أن تبدأ الولايات المتحدة وروسيا، التفكير الآن في شأن كيفية الحيلولة من دون حدوث فجوة فوضوية وقتل انتقامي طائفي عند بدء تحول سياسي. إن الدروس المستفادة من العراق وليبيا واضحة؛ ينبغي أن تبقى عناصر الجيش السوري ومؤسسات الدولة المؤيدة للتسوية من دون مساس.
على الرئيس الأسد الرحيل. الروس يدركون هذا؛ لقد أوضحوا ذلك مرارا وتكرارا في مقابلات سرية مع مسؤولين أميركيين. الآن، يحتاجون لجعل هذا يحدث على أرض الواقع. لقد جمع مفتشو الأمم المتحدة أدلة تفيد بمقتل مدنيين سوريين بغاز الأعصاب (السارين) يوم 21 أغسطس؛ ولم يكن من الممكن أن يتخذ هذا الإجراء إلا من قبل النظام. سيكون السماح للأسد بالبقاء في السلطة بمجرد الكشف عن هذه المعلومات أمرا خطيرا من الناحية السياسية، فضلا عن كونه غير أخلاقي. ينبغي أن تكثف الولايات المتحدة جهودها في تدريب الثوار السوريين المعتدلين وإمدادهم بالدعم – لا لمجرد إسقاط الأسد، بل لتوفير قوة مضادة للجهاديين في المعارضة والمساهمة في تحقيق الاستقرار لسوريا في المستقبل. تتجه أول قوات الكوماندوز التي تلقت تدريبا من قبل وكالة الاستخبارات المركزية إلى الميدان، في وحدات مؤلفة من 30 أو 40 ضابطا. عليكم بزيادة تلك الأعداد. كما ينبغي أن تثبت إيران أنها تستحق مقعدا على طاولة جنيف. لا يمكن أن تمثل جزءا من حل لمشكلة سوريا ما لم تغير سياساتها المزعزعة للاستقرار – ليس فيما يتعلق بدعم الأسد فحسب، بل أيضا في برنامجها النووي ودعمها لحزب الله وأفعالها الأخرى. إن على الإيرانيين وإدارة أوباما التفكير بشكل أكبر في منظومة أمنية جديدة للمنطقة.
وبالنظر إلى رفض أميركا التام خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط، تدرك إسرائيل أنه سيتعين عليها تحمل المسؤولية عن أمنها الخاص، بما في ذلك أي إجراء عسكري ضد إيران.
الخبر الجيد هو أن القوة الإسرائيلية صلبة وموثوق بها. يبدو أن كلا من الأسد والإيرانيين ممنوعان من اتخاذ أي إجراء متهور، والروس (سرا) متعاونون. إن التهديدات الجديرة بالثقة باستخدام القوة تمنع اندلاع حروب.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط