كما في فرقة موسيقية ماسية ردّد زعماء الغرب، الواحد تلو الآخر، أن الرئيس السوري ليس له مكان في مستقبل بلده، لكن له دور في حاضرها. لم يعد الموقف العام أن «على بشار الأسد أن يرحل.. وأن يرحل فورًا». وبصفته رئيسًا للبلاد يستطيع أن يرسم «المرحلة الانتقالية» كما يشاء، وأن يقرر نوع المعارضة التي يعترف بها. كما في استطاعة إيران، التي كانت واشنطن ترفض قبولها على مقاعد جنيف، أن تجلس مرتاحة قبالة، أو إلى جانب، الشيطان وقد ضم جناحيه إلى خاصرتيه.
السبب في هذا التغير الدرامي بعد أربع سنوات من رماد ودماء سوريا، ليس مشهد الطفل السوري ملقى على وجهه كالدمية الضائعة على شاطئ الفرار. السبب أن هناك الكثيرين جدًا منه. وهؤلاء قد أغرقوا أوروبا. ولا يبدو أن أمواجهم الحزينة سوف تتوقف. ولذلك، لا بد من حل، ليس من أجل مراكب المطاط، بل من أجل مرافئها.
تلك هي الحقيقة. ومثل جميع حقائق «الأسرة الدولية»، منفرة وخادعة. ولكن لا نريد ولا يجوز أن نظلم ذوي النوايا الحسنة. قيل إن ألمانيا تستقبل اللاجئين لأنها في حاجة إليهم. ولو كانت في حاجة إلى عمال وموظفين لأخذتهم من أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية. ومعدل البطالة في إسبانيا والبرتغال يراوح عمومًا بين 30 في المائة و50 في المائة في صفوف الشباب الكفي والمؤهل. وهناك عشرات الآلاف من طالبي العمل بين أهل دول البلطيق.
لا شك أن الخطوة الأوروبية في الاستيعاب، هي أول «عمل دولة» على نحو غير مسبوق. لكن القدرة على الاستيعاب لها حدود إثنية وبشرية وعملية. ولها، بصورة خاصة، طاقة محدودة على العناية الإدارية بجميع هؤلاء البائسين، الذين أكثرهم ليس في سن أو شروط العمل.
وهذه الدول مسؤولة أمام شعوبها. وسوف تواجه جميعها خلال أشهر قليلة الاستجوابات حول أدائها من فريقين: واحد يؤيد اللجوء، وآخر يحاربه. ومنذ الآن هبطت شعبية أنجيلا ميركل وهوجمت في ألمانيا وفي كل أوروبا. في المقابل تحرك الأوروبيون، وفي طليعتهم رئيس وزراء بريطانيا، لمساعدة دول الجوار السوري على مسؤوليات العناية بنحو 4 ملايين لاجئ سوري. وانضم الرئيس التركي إلى القائلين بانتقالية الأسد، لأنه يعاني هو أيضًا من أكبر حمل بين أحمال اللاجئين.
هكذا ساعدت مجموعة من العناصر السلبية النظام على قلب المواقف: الرعب من «داعش»، والخوف من تفكك سوريا، والخشية من انهيار الدولة، والرهبة من أن يؤدي أي انفجار أكبر إلى كارثة لا علاج لها.
* نقلاً عن “الشرق الأوسط”