موناليزا فريحة
فظائع “الدولة الاسلامية” تستأثر بالمشهد الدموي في العراق وسوريا وصولا الى مصر وليبيا أخيراً. ذبح وشنق وحرق وغيرها من “همجيات” القرون الوسطى التي استنفرت العالم وإن تكن لم تستفزه ما يكفي لقرار حازم بالقضاء عليه. لكنّ الاخطر من ذلك، أن هذا الوحش الجهادي بات يمثل غطاء لتهديد آخر ينمو في ظله ولا يقل عنه خطراً. على الجبهات المفتوحة في سوريا والعراق، وآخرها جبهة مثلث درعا – القنيطرة – ريف دمشق، يشكل الدور المتعاظم للمسلحين الشيعة الذين تدعمهم ايران واقعا مقلقاً وينذر بعواقب على المنطقة. ما استهله “حزب الله” في سوريا بذريعة الدفاع عن مقام السيدة زينب ضد الجهاديين السنة، كان بداية لدور أكبر في الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الاسد وصولا الى فتح جبهة جديدة في الجولان. وفي العراق، يشدد المسلحون الشيعة قبضتهم على مفاصل الحكم، مهددين بتقويض سلطة الحكومة المركزية. وتفيد تقارير ميدانية، ان ما بين 100 الف و120 الف مقاتل تمكنوا من التفوق على الجيش العراقي، وصاروا رأس حربة في الحرب على “داعش”.
في دراسة طويلة عنوانها “الجهاد الشيعي في سوريا وتأثيراته الاقليمية”، يقدم الباحث في شؤون الميليشيات الشيعية فيليب سميث صورة قاتمة ومعقدة عن الوضع في سوريا حيث انضمت منذ سنة ونصف سنة مجموعات جديدة من المقاتلين الى الجبهة الموالية للنظام. وفيما تكثر الدراسات والاحصاءات عن العدد المتزايد للمقاتلين الاجانب الذين ينضمون الى صفوف “الدولة الاسلامية” ، يلفت سميث الى أن إحدى كبرى فرق المقاتلين الاجانب هي من الشيعة، وأن المتطوعين ليسوا من “حزب الله” والتنظيمات العراقية فحسب، بل ثمة مقاتلون يأتون ايضا من الهند وأفغانستان وأفريقيا. ويضيف أن المقاتلين الشيعة يعدون بعشرات الالاف، وأن أكثر من الف قد يكونون سقطوا في المعارك.
الى ذلك، تكتسب طهران مزيدا من النفوذ في صفوف الجيش العراقي. من خلال مستشاريها باتت في موقع يتيح لها توجيه تعبئة الميليشيات الشيعية ودمجها المحتمل في قوى الامن العراقية. أما واشنطن التي تعهدت دعم الحكومة المركزية واعادة بناء الجيش العراقي وتشجيع المصالحة بين الطوائف، فلا يسمع لها صوت أمام النفوذ المتصاعد للجمهورية الاسلامية في العراق، مما قد يُعتبر تأييدا ضمنياً لنشاطاتها في كل المنطقة، بما فيها سوريا واليمن.
منذ بداية غارات الائتلاف الدولي على “داعش”، ارتفعت أصوات عربية وغربية تتخوف من أن تكون طهران الرابح الاول في ظل غياب استراتيجية متكاملة لهذه الحرب. وتعززت هذه المخاوف في ظل حماسة واشنطن للتوصل الى اتفاق نووي مع طهران ايا يكن ثمنه. وبين طموحات طهران، وحسابات واشنطن، ثمة من يرى بوادر “يالطا جديدة” ، شبيهة بمؤتمر 1945 الذي تقاسمت فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السيطرة على العالم، وأذعنت واشنطن فيه لسيطرة السوفيات على أوروبا الشرقية.