تركت حرب المناجل بين قبائل التوتسي والهوتو في رواندا 800 ألف قتيل. في البداية جرى القتل بطيئا، لكن زعماء التوتسي حضّوا على المزيد منه. يروي المحامي جان ماري كاماتالي، أن ابنة خاله المتزوجة من توتسي قتلها زوجها أمام أطفاله، وعندما قويت شوكة الهوتو انتقم لها أحدهم بقتله أمام الأطفال أنفسهم.
يريد المحامي كاماتالي القول («نيويورك تايمز» 6 أبريل/ نيسان)، إن الطريقة الوحيدة للحد من المذابح، ليست فقط في محاكمة الذي يعطي الأوامر بالقتل والتعذيب، بل منفذه أيضا. وضعت هنا تاريخ النشر لكي أذكِّر جنابكم بأنني أدعو إلى ذلك منذ سنوات. كان يمكن أن يكون عدد الذين يموتون تحت التعذيب في العالم العربي أقل عددا بكثير. وكان يمكن ألا يجرؤ جلّاد على إعدام الطلاب في ساحة جامعة بنغازي، لأنه يخاف من الحساب كما يخاف من سيده. قتل 200 ألف شخص في لبنان من دون إحالة مجرم واحد إلى المحاكمة. كان هناك ألوف الخاطفين والقناصين الذين اصطادوا المارة مثل الطيور، وعندما انتهت الحرب اندس هؤلاء بين الناس من دون أن نعرف من هم. لقد كانوا دائما بلا وجوه تماما كما هم بلا قلوب.
هناك 140 ألف متَّهم في رواندا أمام القانون. لن يُدانوا جميعا، لكنهم لن يبرأوا جميعا أيضا. قد لا تقع حرب وحشية أخرى هناك، ولكن إذا وقعت، سوف يكون عدد منفذي الأوامر أقل بكثير. لن يهبّوا بمجرد أن يدعوهم مذيع إيطالي من الراديو إلى ذبح جيرانهم.
أقيمت المحكمة الدولية لإخافة القتلة الذين لا يقفون عند حد. القاتل الليبيري مثل القاتل الصربي، يجب أن يعرف أنه مهما توسّع في القتل سوف تكون الجدران في الانتظار. يضع جلادو السجون أقنعة لكي لا يراهم الضحايا. لكن القانون قادر على الرؤية من تحتها. الشرق الأوسط هو منطقة التعذيب الأسوأ في العالم. تمارس هذا النوع من الهمجية «الدولة الديمقراطية الوحيدة»، أي إسرائيل. وعندما قررت أميركا اللجوء إلى مثل هذه الأساليب، ورأت أن قوانينها تمنعها، قررت أن تطلب مساعدة «الحلفاء».
كان يمكن أن تكون الفظاعات في سوريا أقل، ولو قليلا، لو أدرك «الشبيحة» أنهم مسؤولون مثل القوات الرسمية، أو عرف همجيّو «داعش» أن يد القانون تطالهم في ليبيا أو الشيشان أو باكستان. لن يتغير العالم العربي ما دامت «حضارة» التعذيب فيه هي القانون وهي الشرعية، وما دام القاتل بأمر يعتبر نفسه بريئا ومجرد منفِّذ، لا لوم عليه ولا مسؤولية ولا سؤال لضمير. ما نراه في سوريا والعراق هو نتيجة الصمت على ما حدث من قبل في لبنان والجزائر والصومال. لقد تظاهرنا بأننا لا نرى ما يحدث، وأن العنف الشامل شأن داخلي. وقرأنا ما كُتب عن سجون العراق وسوريا على أساس أنها منافسة أدبية، ولم يبقَ إلا أن نعرف أن كانت ستفوز بجائزة بوكر، أو سواها.