خلق الله آدم كاملاً ثم نفخ فيه من روحه فصار آدم بالروح يحيا و يتحرك و يوجد . كان آدم إنساناً متحداً بالله بغير مفارقة منقاداً بجملته للروح القدس الساكن فيه .لذلك و رغم كونه عاش أيضا بالجسد لكننا لم نقرأ عن الجسديات في الفردوس.المرة الأولى التى ورد فيها الكلام عن الجسد لما خلق الرب حواء من آدم و شعر آدم أنه واحد معها فإبتهج الروح بهذا الإتحاد و قال أنشودته الروحانية: لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته ويكونان جسدا واحدا.
آدم الأول و الإتحاد
إرتبط ورود كلمة الجسد بالإتحاد( جسداً واحداً) لأن الإنسان خلق في الأصل ليتحد بالله و هذا ما نناله الآن بالمسيح يسوع. لذلك إذ سبق أن إتحد آدم بالحياة فكان أول إتحاد بين طبيعتين هما التراب و الحياة.ثم بسرِ عظيم صار ضلع آدم كياناً كاملاً لحواء وصار أول إتحاد بين شخصين فعاشت حواء بهذا الضلع في قلبها و عاش آدم بكل حواء في قلبه رغم كونهما كيانين مستقلين .سر الإتحاد بينهما أنه نبع من مصدر الحب أى روح المحبة .الروح القدس الذي جمعهما من أول لحظة.
لقد ولدت في آدم محبة جديدة يوم خلقت حواء. إنتقل الحب الإلهي إلى حواء من آدم و إنتقل الحب البشرى من آدم و حواء إلى الله فالحب ينتشر كالهواء ليس من يمتلكه لنفسه.هو مجاناً للجميع .لولا الحب الإلهي و حبهما المشترك ما كان يمكن أن يقال أنهما جسداً واحداً.فالجسد و الحب حاضران معاً يضمنان الإتحاد..لأنه ليس إتحاد بغير حب و لا حب بغير روح الله.
آدم الثانى المتجسد
كما رأينا إتحاد بين طبيعتين و بين شخصين في آدم الآول صار هكذا في آدم الثاني الرب يسوع المسيح. إتحدت طبيعتان ناسوت و لاهوت و شخصان إله و إنسان في إله واحد بطبيعة فريدة و صار بعد الإتحاد الإله المتجسد .
آدم الأول إتحد روحياً بحواء و بقي بعد إتحاده بحواء على نفس طبيعته الأولى لم يمتزج أو يتلاشي في حواء رغم الإتحاد ,هكذا آدم الثانى بعد الإتحاد بقى كما كان منذ البدء بنفس لاهوته رغم الإتحاد بين الطبيعتين.
آدم الأول كان جسداً يحتاج إلي الروح و ناله بالنعمة وآدم الثاني كان روحاً بالطبيعة يحتاج إلي جسد و أخذه من العذراء مريم لكي يخلص الجسديين من سلطان الجسد.
الروح القدس حل على حواء فأحبها آدم الأول و صارت له معيناً .الروح القدس حل على العذراء فأحبها آدم الثانى إبن الله و صارت له أماً .
آدم الآول جسد زمنى محدود إتحد بالحياة.و آدم الثانى حياة أزلية أبدية لا حدود لها إتحدت بالجسد.
آدم الأول من جنبه خلقت حواء و آدم الثاني من جنبه خلقت الخليقة الجديدة كلها .
آدم الأول مخلوق غير مولود و آدم الثانى مولود غير مخلوق.
آدم الأول كان وحيدا في جنسه لكن الجنس تكرر بعد ذلك مراراً و تكراراً.آدم الثانى هو الإله المتجسد الوحيد الجنس و سيبقي إلي الأبد وحيد الجنس ليس غيره إله صار جسداً.
كما إتحدت حواء بآدم بعمل الروح إتحدت الكنيسة بالمسيح بعمل الروح نفسه. الآن علمنا لماذا تهلل الروح و قال أنشودته من أجل هذا يترك الرجل أباه و أمه و يلتصق بإمرأته و بالروح يحدث الإتحاد لقد تركت الكنيسة اباها و أمها الجسديين و إتحدت بالمسيح .لقد كان الروح يهلل للكنيسة و المسيح معاً قبل أن تتحقق النبوات.
تجسد الحب
أحب الله العالم فصار الحب جسداً و حل بيننا ينشر الحب .فمن المزود تنبع كل معانى الحب.تجسد الإتضاع في المزود.تجسدت الوداعة في الطفل الإلهي.تجسدت كل نبوات الخلاص في المسيح لأنه الكلمة المتجسد.تجسدت البراءة فعرفنا بلذى ظهر في الجسد ما هو سر التقوى. المزود أعظم من هيكل سليمان لأن المولود فيه لم يربط الشريعة علي يده و لا علي جبهته و لم يضعها كاليهود وشماً أو يتباهى بها على الأمم طقساً بل ربط الشريعة بشخصه فأعاد الروابط المتقطعة بين الوصية و بين الإنسان و بين الإنسان و الآب.بين الأرض و السماء.كان في المزود طفل صغير لكن يده الصغيرة الطفولية قادرة بغير حدود أن تمتد لتصل ما بين الأرض و السماء .يد الرضيع لم ترتكن عن العمل الإلهى بل ظلت تدير الكون.فيما كانت أمه القديسة العذراء تربت على يده النقية كان هو بلاهوته يربت على ظهر المجروحين و صغيري النفوس.كان يمد يده كسلاح قاهر ضد قوات إبليس و هو في المزود مغمض العينين نائم.في تجسده إنتزع من معانى العظمة كل كبرياء و صار تنازله هو العظمة بعينها.تجسد الحب و من يومها لم يعد اي حب مقبولاً قدام الله إلا لو تجسد في فعل أو فكر أو رجاء.في تجسد الحب يوجد الغفران لبعضنا بعضاً.ليكن السلام حقيقي لأن التجسد صنع أنشودة السلام للأرض ,سلام إلهي من طفل المزود السلام الذى لم و لن يأخذه منا العالم.
لتتجسد الصلاة إلي دموع.الصوم إلى بذل الذات.الخدمة إلى فرح بالصليب.السماء إلي زهد بمقتنيات العالم.لتتجسد رسالة الخلاص إلى كرازة.و محبتنا للآب إلى خدمة غير متخاذلة لكل المحتاجين روحياً و جسدياً.بدون أن تتجسد الفضائل تبقي التقوى صورة و يدفن إنجيلنا و نفقد أرباحنا مثلما فعل العبد الشريرفي وزنته. ليتجسد حبنا للمولود كما تجسد المولود حباً فينا.
صلاة قدام المزود
أخشع قدام مزودك إذ صار سماءاً.عيناى تختلس النظر إلي عينيك فتنكسر.عيناك المنمقتان تخترق كيانى.و ضجيج من أصوات كبرياء يتحطم أسمعها في داخلى.قدام مزودك الصغير يصغر العالم جداً.أخشي أن أحرك يداى نحوك.إذ تبدو قدامى رضيعاً لين العود .غصن رقيق.أتعجب كيف تجرأت الأيادى أن تحملك يا حامل الأكوان. من يلمسك يسرى في كل كيانه نار آكلة تبيد كل القش الواهى المختبئ في أركانه العميقة.و نظرة من عينيك تجعل كل أعمال الإنسان كصفحة منبسطة ليعيد قراءة الحقيقة التي غفل عنها طويلاً.عند المزود ليس هناك حاجة للهدايا بل حاجة للهداية.لذلك أخشع عند المزود و أعترف للرب الذي و هو يرضع من أمه يغذيني بمراحم أبدية.أنا أعلم ايها الرضيع أنك تسمعني و تفهمني لأن الحكمة تسكن فيك منذ الأزل.لذا أحتاج مشورتك و اسألك أن تنقذنى من نفسى و من ذاتى و من ضعفات الجسد.أيها الوافد علينا لن تر جديداً لأنك كنت منذ الأزل هناك ترى كل شيء و كل أحد لكنك اليوم عن قرب ترقبنا.أيها الوافد من عرش سماءك المهوب إلي المزود هنا ستسمع كل يوم عن هشاشة الحب الذي ندعيه.و يأتي إلي سمعك الرقيق صوت حطام ذوات تتعارك.و شجار من قلوب تتقسي.كلما تنمو بيننا قليلاً قليلاً مثل البشر ستقترب إلى تجاربنا و تعرفنا بالتجارب.لذا ننتظر منك عوناً جديداً.أيها الطفل المتهلل و هو تارك مجده هل تسعد بني جنسك إذ أخذت إنسانيتك منهم.أيها المبتسم في مزودك بكل النعمة هل ستنتقل إبتسامتك ذاتها من شفتيك إلى شفاهنا.هل تزيح بيدك الصغيرة ستار الإكتئاب عن أولادك و كنيستك.إلتصقت بنا بتجسدك و خير لنا الإلتصاق بك أيها الرب فهل تمنحنا هذا الإلتصاق رغم جفاءنا.
أنظر يا طفل المزود شيئاً آخر أرتجيه .لقد رأيتك تستقبل أناس من أرض بعيدة و أنا الآن أترجى من أجل أناس في أرض بعيدة هل تأتي بهم إلى مزودك فيتغير قلبهم و قلبى و يتوحد حبنا فيك.أؤمن أنك و أنت رضيع قادر أن تعيد الماسورين إلى حرية مجدك و المساكين إلى عظيم رحمتك و المرضى إلى شفاءك المبهر و التعابى إلى راحة لا توجد إلا هنا معك.يا طفل المزود هل يوجد مكان لى بمزودك.أنت تعرفني أنني أصغر من المزود .يداي محدودتان و جسدى ينكمش ليصير علي حقيقته أنه حفنة تراب و نفسي تتضاءل يوما فيوماً و ها قد صرت مثل الخيال فهل يوجد مكان لى بمزودك .ظهرى منحنى من هموم ما كان يحب أن يكون مكانها إلا عند مزودك.كتفاى تؤلمني فلم أعد أحتمل أثقالاً فأنا تعاميت عن دعوتك لأضع أثقالى عليك.هل تسمح لى أن أشاركك مزودك و أتمدد في حضنك.فحضنك الصغير يسع العالم كله و أنا قليل من ذرات الأرض لو فركتها بيدك لن تكبر عن أن تكون سنبلة مطحونة. أيها المولود هل تصنعني حبة حنطة بدلاً من عيشة الزوان التي أعيشها.أيها الرضيع أفسح لي في مزودك ركناً.لأنه بك وحدك أجد المجد الذى يتخلل قسمات وجهك العميق و السلام الذي تمنح و الفرح الذي به نفرح . أفسح لى شبراً في مزودك لكي أرقد هنا إلي الأبد فهذه شهوتى.
#Oliver_the_writer