بقلم: جواد الحيدري
المقدمة:
تقع الجزر الإماراتية أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى عند مدخل مضيق باب السلام، -حرفت إيران اسمه إلى هرمز-، في الخليج العربي الذي يعتبر من أهم المضايق والممرات المائية الحيويّة في العالم. ولهذه الجزر أهميّة جيوبوليتيكيّة وجيو-إقتصاديّة كبيرة، لأنها ذات موقع جغرافي مهم يوفر الحماية الاستراتيجية العسكرية. هذه الجزر غنية بالثروات البحرية والثروات المنجمية والنفطية، والواحات الزراعية الخضراء، وتزخر بالمياه العذبة، ما جعلها هدفاً للأطماع الإستعمارية إقليمياً ودولياً.
طيلة قرون ظلّت هذه الجزر خاضعة للسيادة العربية المتمثّلة بإمارتي رأس الخيمة والشارقة، واستمرت هذه السيادة حتى تاريخ انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي، حيث نفّذت القوات الإيرانية التهديدات العلنية التي أطلقها شاه إيران في غير مرة بخصوص غزو الجزر واحتلالها، واحتلّت في فجر يوم 30/11/1971 جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وذلك قبل بضع ساعات من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. فأخرجت الأهالي من ديارهم، وقامت بتهجيرهم عنوةً، مستخدمةً القوة والقسوة، منتهكةً الحرمات والحقوق والأوطان.
منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة، حاولت دولة الإمارات العربية المتحدة استعادة الجزر المحتلة بكافة السبل والوسائل السلمية، واعتبرت ذلك حقاً شرعيّاً تاريخياً ثابتاً مدعوماً بالأدلة والبراهين. بالمقابل ترى إيران أن الجزر المذكورة جزء لا يتجزأ من ترابها، وإنها قامت باسترجاع الجزر المغتصبة إلى الوطن الأم ليس إلّا. وإن قضية سيادتها على الجزر غير قابلة للنقاش.
تأسيساً على ما تقدم، تطرح التساؤلات التالية: ما هي الحقائق التاريخية والقانونية التي يستند إليها طرفا النزاع؟ وما هو موقفهما من الحل السلمي لقضية الجزر؟ وما هي الإجراءات التي قامت بها إيران بعد احتلالها الجزر؟
أولاً- الحقائق التاريخية:
ترى إيران أنّ احتلال جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى حقها المشروع، بل تذهب أبعد من ذلك حيث تعتبر أنّ سواحل وجزر الخليج العربي كلها ملك بلاد فارس التاريخي الذي يجب استعادته، وبذلك تبيح لنفسها احتلال هذا القطر العربي، -إنّ الأحواز العربية المحتلة أبرز دليل على ذلك-، والسيطرة على تلك الجزر، والتدخل في شؤون البلدان العربية الأخرى. وتزعم أنها كانت تسيطر على الجزر المحتلة قبل القرن السابع عشر، لكنها في عهدي الزندية والقاجارية فوّضت القواسم ليحكموا الجزر الثلاث المذكورة، وكذلك ميناء لنغة (لنجة)، وذلك لأنها كانت غير قادرة على صدّ الهجمات التي كانت تطال هذه المناطق بسبب عدم امتلاكها الأسطول البحري الفاعل.
هناك العديد من الشواهد والوثائق التاريخية التي تفنّد هذه المزاعم، وتدحض هذه الادعاءات الواهية، وهي كالآتي:
أ- إنّ الشواهد والقرائن التاريخية تظهر أنّ الساحل الشرقي للخليج العربي برمته إبتداءاً من الشمال وتحديداً الضفة الشرقية من شط العرب حتى نهر جاقين، كان موطن القبائل العربية التي عاشت في هذا الجزء الجنوبي عبر قرون، وأسست إمارات عربية عديدة أهمها إمارة المشعشعيين، إمارة بني كعب، إمارة بني أسد، إمارة بني تميم، إمارة آل كثير، سلطنة هرمز العربية، مملكة قيس العربية، إمارة بني عباس، إمارة القواسم، إمارة آل حرم، إمارة المنصوريين (بنو خالد)، إمارة آل مرزوق (المرازيق)، إمارة بني علي (المعلى)، إمارة بني حمّاد، إمارة العبادلة، إمارة بني بشر، إمارة بني معين، إمارة آل مذخور(مذكور)، إمارة آل زعابي (بنو مصعب) وإمارة المدنيين.
ب- يقول الرحالة الدانماركي “كارستن نيبور” الذي زار الخليج العربي عام 1762م، “إنّ هذه المنطقة لم تكن يوماً من الأيام جزءاً من بلاد فارس، وإنّ ملوك فارس لم يتمكنوا قط أن يكونوا أسياد البحر، وكان الخليج دائماً ملكاً للعرب. وإنّ الظروف المختلفة تدلّ على أنّ القبائل العربية استقرت على الخليج العربي قبل الفتوحات الإسلامية، ولقد استطاعت أن تحافظ على استقلالها دوماً. ويضيف أنّ لقاطني هذه البلاد لسان العرب وعاداتهم”.
ج- إنّ السلطات البريطانية تلقت عام 1864م، رسالة رسمية من حاكم قواسم الساحل تؤكد تبعية جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وصير بونعير له منذ أجداده الأوائل.
د- عام 1879م، أكد المقيم البريطاني في أبي شهر،-غيرت إيران اسمها إلى بوشهر بعد احتلال الأحواز-، أنّ جزيرتي طنب ولنغة تابعتان لسيادة القواسم.
ه- عام 1898م، رفض حاكم الشارقة منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن الموجودة في باطن أرض جزيرة أبي موسى.
و- إنّ الشيخ محمد بن قاسم القاسمي حاكم رأس الخيمة في عام 1918م، رعى حفل تدشين على جزيرة طنب الكبرى، وكان يرافقه حينذاك المعتمد البريطاني في الخليج وقائد البحرية البريطانية.
ز- هناك وثيقة صادرة من وزارة الهند البريطانية في 24/8/1928م، تقول إنّ ملكية طنب الكبرى وطنب الصغرى تعود لرأس الخيمة منذ انفصالها عن إمارة الشارقة عام 1921م.
ح- عام 1930م، طالبت إيران باستئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى من رأس الخيمة، ورفضت الأخيرة.
ط- حتى عام 1963م، لم يكن هناك إيراني واحد يقيم في جزيرة أبي موسى، وبدأ استقدام الإيرانيين مع دخول قوات الجيش الإيراني إلى الجزيرة بعد توقيع مذكرة التفاهم بين إيران وإمارة الشارقة.
ثانياً- مظاهر السيادة على الجزر:
منذ احتلالها الجزر الثلاث أبا موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى ادّعت إيران أنّ الجزر المذكورة هي جزء من ترابها الوطني، وتابعة لسيادتها. بينما رفضت دولة الإمارات العربية المتحدة منطق التحدي والعدوان الإيراني، وتمسكت بحقها المشروع في استرجاع سيادتها على الجزر المحتلة، وصرّحت أنّ الجزر الثلاث هي عربية الأصل، وأنها جزء لا يتجزأ من ترابها، وأنها محتلّة عسكرياً من قبل إيران، ويتوجّب عليها أن تستعيدها بكافة الوسائل السلمية.
وسط هذا التباين في المواقف، يطرح السؤال الآتي: ماهي الحجج والبراهين القانونية التي يستند إليها الطرفان في ادعائهما السيادة على الجزر الثلاث؟
تعرّف السيادة على أنها “السلطة العليا التي لا تعلوها سلطة…ومركز إصدار القوانين والتشريعات والجهة الوحيدة المخوّلة بمهمة حفظ النظام والأمن وبالتالي المحتكرة الشرعية الوحيدة لوسائل القوة ولحقّ استخدامها لتطبيق القانون”. وتتمثّل السيادة على الصعيد الخارجي بالإستقلال وعدم التبعية لدول أخرى، وبمظاهر سيادية كإيفاد واستقبال البعثات الدبلوماسية، وعقد المعاهدات وإبرام الاتفاقيات، ومنح الإمتيازات، وإعلان الحرب والسلام مع الدول الأخرى.
على ضوء ما تقدم، تعرض وجهة نظر الطرفين:
أ- الإدعاءات الإيرانية:
إنّ المتابع للشؤون الإيرانية يلاحظ أنّ تصريحات المسؤولين الإيرانيين تؤكد دائماً على فارسيّة الجزر وتبعيّتها لإيران، وذلك بالإستناد للحجج الآتية:
1- إنّ المصالح الإستراتيجية والأمنية في الخليج العربي تتطلّب سيادة إيرانية على الجزر الثلاث.
2- تزعم إيران أنّ الجزر الثلاث كانت تحت السيادة الإيرانية قبل الإحتلال البريطاني بثمانين عاماً.
3- تدّعي إيران أنّ الخرائط البريطانية تظهر الجزر المحتلة جزءاً من أراضيها، وذلك بالإستناد إلى الخارطة التي قدمتها وزارة الحرب البريطانية عام 1888م، إلى شاه إيران حيث كانت الخريطة ملوّنة بألوان توحي بأنّ هذه الجزر تابعة لإيران.
إنّ هذه الأدلة تعتبر حججاً واهية، حيث أنّ الدليل الأول يكشف عن روح عدوانية، وشعور بالغطرسة، رغبةً في التوسع والسيطرة على حساب الدول الأخرى. وإنّ الدليل الثاني ساقط بالأساس كما تُبين ذلك الحقائق التاريخية للمنطقة عموماً، وللجزر المحتلة خصوصاً. أما فيما يتعلق بإستناد الإيرانيين على الخرائط البريطانية فإنّ ذلك مردود كذلك، إذ أنّ هذه الخريطة لم تطبع إلّا مرة واحدة، وقد اعترف المسؤولون البريطانيون بخطئهم المتعلق بتلوين الخرائط. وإنّ هذا الإستناد باطل من الأساس، ذلك أنّ بريطانيا اعترفت على الدوام بتبعيّة هذه الجزر لدولة الإمارات العربية المتحدة. وفي هذا المضمار يقول الدكتور مفيد شهاب في دحضه الحجة الإيرانية المتعلقة بالخرائط البريطانية: ” إنّ تلك الخرائط من نوع الخرائط الخاصة التي تستخدم لأغراض الملاحة البحرية وليس لترسيم الحدود. وإنّ هناك خريطة إيرانية صادرة عام 1952م، أشارت بوضوح إلى تبعية الجزر لأمارتي الشارقة ورأس الخيمة وليس لإيران”.
ب- الحجج والأسانيد الإماراتية:
تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة ملفاً قانونياً كاملاً يتضمّن الوثائق والأسانيد الدولية، أهمها:
1- إنّ حكام الشارقة ورأس الخيمة فرضوا رسوماً سنوية على الأنشطة الإقتصادية التي كان يقوم بها سكان الجزر الثلاث منذ مطلع القرن الثامن عشر، هذه الرسوم كانت تشمل صيد الأسماك والغوص لجمع اللؤلؤ والرعي وغيرها.
2- عام 1864م، تلقت السلطات البريطانية رسالة رسمية من حاكم القواسم في الساحل تؤكد تبعية جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وصير بونعير له منذ أجداده.
3- عام 1898م، رفض حاكم الشارقة منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن في باطن أرض جزيرة أبي موسى.
4- عام 1912م، قام الشيخ خالد حاكم الشارقة بمنح تصريح لبناء منارة للسفن على جزيرة طنب الكبرى.
5- عام 1930م، طلبت إيران من حاكم رأس الخيمة استئجار جزيرة أبي موسى لمدة خمسين عاماً فجُوبه الطلب بالرفض. إنّ هذا الطلب يعد اعترافاً إيرانياً قوياً، وإقراراً دامغاً بسيادة الإمارات على الجزر المحتلة.
6- عام 1937م، تم منح امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز في جزيرة أبي موسى والمياه الإقليمية التابعة لها إلى شركة بتروليوم كمباني.
ثالثاً- موقف طرفي النزاع من الحل السلمي:
إنّ حلّ النزاعات بالوسائل السلمية عن طريق الحوار والمفاوضات المباشرة، أو عن طريق الإحتكام إلى القانون الدولي، وحل النزاع عبر التسوية القضائية، يعتبر وسيلةً مأمونة وأسلوباً حضارياً ناجعاً، فما هو موقف الإمارات وإيران من التسوية القضائية لقضية الجزر؟
أ- الموقف الإماراتي:
عملاً بالمبادئ العامة لميثاق الأمم المتحدة سعت دولة الإمارات العربية المتحدة ومنذ احتلال الجزر الثلاث من قبل إيران إلى حلّ قضية الجزر بالسبل والوسائل السلميّة، ودعت إيران إلى إنهاء النزاع عن طريق الحوار المباشر شريطة أن يكون ذا أهداف واضحة ومحدّدة. وأعلنت استعدادها للتفاوض مع طهران في أي مكان من العالم. وفي هذا الإطار انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات المباشرة بين الإمارات وإيران في 27-28 سبتمبر/أيلول 1992م، لكنها سرعان ما فشلت، وذلك لأن الجانب الإيراني رفض مناقشة مسألة الإحتلال الإيراني لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأعلن عن إستعداده بحث مسألة جزيرة أبي موسى فقط كونها نزاعاً حدودياً ثانوياً يمكن تسويته على نحو يحقق مصالح إيران الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية في الخليج.
بعد فشل المفاوضات المباشرة والتعنت الإيراني، حاولت الإمارات حلّ هذه القضية عن طريق التسوية القضائية بإحالتها إلى محكمة العدل الدولية، تطبيقاً لما نصت عليه المادة الثالثة والثلاثون من ميثاق الأمم المتحدة، ولكنّ السلطات الإيرانية لم توافق على إحالة قضية الجزر إلى محكمة العدل الدولية، ورفضت الإحتكام إلى القانون.
ب- الموقف الإيراني:
رفضت إيران عبر أنظمتها المتعاقبة إحالة قضية الجزر إلى المحاكم الدولية، وحاولت إخراج جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى من دائرة الخلاف، وأعلنت في غير مرّة أنّ موضوع السيادة عليهما ليس مطروحاً للنقاش.
1- موقف إيران في عهد الشاه:
بعد التهديدات الصريحة والمتتالية التي أطلقتها السلطات الإيرانية في عهد محمد رضا شاه، إحتلت القوات الإيرانية جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، واعتبرت ذلك عملاً شرعياً إذ أنّ الجزر الثلاث عادت إلى الوطن الأم. وفي ردّه على رسالة حاكم الشارقة قال الشاه محمد رضا بهلوي: ” إنّ إيران ليس لديها شك في موضوع سيادتها على جزيرة أبي موسى، ولهذا ترفض إجراء مفاوضات على هذه السيادة، كما ترفض إحالة النزاع إلى التحكيم الدولي أو هيئة الأمم المتحدة”.
2- موقف إيران في عهد الجمهورية الإسلامية:
يلاحظ أنّ السلطات الإيرانية في عهد الجمهورية الإسلامية سارت على نهج الشاه، بل كانت أكثر تشدّداً منه إزاء قضية الجزر المحتلة. ظلّت هذه السلطات ترفض رفضاً باتاً حلّ مشكلة الجزر عن طريق التسوية القضائية، واتهمت الإمارات بإثارة مطاليب غير منطقية لا أساس لها من الصحة.
يرى صنّاع القرار الإيراني في زمن ” الجمهورية الإسلامية” أنّ الشاه محمد رضا بهلوي ارتكب خطأً فادحاً عندما سمح بـ “إستقلال البحرين”، المملكة العربية التي يعتبرونها ” بحر لألئ إيران”، ويعملون ليل نهار على منع إقامة أيّ محادثات حول الجزر الثلاث قائلين: “إن سمحنا للإمارات باحتلال الجزر حينها سنفقد سيطرتنا على الخليج… هذه السيطرة التي ضعفت بعد سلخ البحرين من أمتنا”.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، نورد تصريحاً لأحد المسؤولين الإيرانيين البارزين:
ففي تاريخ 8/6/1994م، صرّح رفسنجاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسبق أنّ إيران ستحتفظ بالجزر الثلاث بأيّ ثمن، محذّراً دولة الإمارات العربية المتحدة من مغبّة محاولة استرجاع الجزر قائلاً: ” إنّ دولة الإمارات ستعبر بحراً من الدماء إذا ما أرادت السيطرة على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى”.
رابعاً – الإجراءات الإيرانية التعسفية:
من المعروف أنّ الجزر الإماراتية الثلاث قبل الإحتلال الإيراني كانت مأهولة بالسكان، وتحتوي على العديد من المرافق العامة. فجزيرة أبي موسى كان يقطنها نحو 1000نسمة من العرب، وكان يوجد فيها مدرسة وجمرك وقصر لنائب حاكم الشارقة. وكان يبلغ عدد سكان جزيرة طنب الكبرى 700 نسمة، وكان فيها مدرستان ومنارة لإرشاد السفن. وبعد احتلال هذه الجزر من قبل القوات العسكرية الإيرانية فجر يوم 30/11/1971م، سعت السلطات الإيرانية الغازية لفرض سياسة الأمر الواقع، وقامت بإجراءات تعسفية لاإنسانية الغرض منها تغيير ديموغرافية الجزر، وطمس هويتها العربية الإماراتية، معرضةً أمن الخليج والسلم والأمن الدوليين للخطر، فما هي الإجراءات التي قامت بها إيران؟
أ- التهجير القسري والإستيطان غير الشرعي:
بعد احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث عملت سلطات الإحتلال الإيراني بشكل مخطط ومدروس على تفريغ الجزر من سكانها العرب الأصليين عن طريق مضايقتهم، ومصادرة مصادر رزقهم وأسباب رفاههم. فهجّرت سكان جزيرة طنب الكبرى إلى إمارة رأس الخيمة تهجيراً جماعيّاً قسرياً تحت تهديد السلاح. فما يناهز مائتي أسرة تشردت، تاركةً خلفها بيوتها وأملاكها ومزارعها ومواشيها وكلّ ما تملك. وأقدمت السلطات المذكورة على إقفال المدارس العربية في الجزر المحتلة، ووضعت العراقيل والقيود الصارمة على دخول مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، والوافدين من العرب والأجانب إلى الجزر. وعمدت السفن العسكرية الإيرانية على اعتراض سفن الصيد التابعة لمواطني دولة الإمارات في المياه الإقليمية، ومصادرة قواربهم.
وفي المقابل استقدمت إيران أعداداً كبيرة من الجنود وعناصر الشرطة والأمن، والموظفين المدنيين، برفقة عائلاتهم. وافتتحت الكثير من المرافق العامة كالعيادات والمدارس والمحلات التجارية والأماكن الترفيهية لتشجيع المواطنين الفرس على الهجرة إلى الجزر المحتلة، واعدةً إياهم بتأمين فرص عمل مغرية.
ب- تشويه الحقائق وتغيير الأسماء العربية:
عمدت السلطات الإيرانية إلى تشويه الحقائق وتغيير الأسماء التي ترمز إلى عروبة الجزر، محاولةً طمس الهوية العربية للجزر المحتلة. أهم هذه الإجراءات هي:
1- يلاحظ أنّ المصادر والمراجع الفارسية كافة تذكر الجزر الإماراتية المحتلة، ولاسيما في العقد الأخير بأسماء فارسية، فتسمي جزيرة أبي موسى بـ “بو موسى”، وطنب الكبرى بـ ” تنب بزرگ”، وطنب الصغرى بـ” تنب كوچک” وأحياناً ” تنب مار”. وتجدر الإشارة إلى أنّتسمية الجزر المذكورة كانت ترد في الكتب والمصادر الفارسية بذات التسمية التي تطلق عليها من جانب العرب، وهي أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
2- في جزيرة أبي موسى يوجد العديد من التلال الصخرية التي تحمل أسماء عربية كجبل محروقة وجبل حارب وجبل سليمان وتل العماميل وغيرها…، أعلى هذه التلال هو “جبل الخلوة” الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 110 أمتار. استبدلت السلطات الإيرانية اسم الجبل المذكور، ووضعت فوقه صورة لـ “خميني” طولها سبعة أمتار، وعرضها خمسة أمتار، تشاهد بالعين المجردة من مسافة ميلين.
3- منعت سلطات الإحتلال الإيراني تداول المطبوعات العربية بين سكان الجزر المحتلة، كالكتب والجرائد والمجلات والخرائط الرسمية وغير الرسمية.
4- في تاريخ 23/ديسمبر/كانون الأول 2013م، في تعدٍ صريح أقدمت إيران على إطلاق تسمية “الغدير” على جزيرة ابي موسى الإماراتية، بغية طمس هوية جزيرة أبي موسى وتغيير معالمها من خلال استبدال اسم أبي موسى بـ “غدير” كما فعلت سابقاً مع طنب الكبرى وطنب الصغرى عندما أسمتهما “تنب بزرگ” و”تنب كوچک”.والجدير بالذكر أنّ هذه السياسة الممنهجة كانت قد اعتمدت من قبل سلطات الإحتلال الإيراني في كافة الأقاليم التي أحتلت من قبل السلطات في عهد رضا شاه بهلوي.
ج- موقف القانون الدولي من التهجير القسري والإستيطان:
إنّ الإجراءات الإيرانية التعسفية التي قامت بها بعد احتلالها الجزر، من تهجير واستيطان وتغيير للمعالم وطمس للحقائق، تعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. وفيما يلي عرض لبعض المواد القانونية المتعلقة بهذه الإنتهاكات:
1- حظرت المادة 45 من إتفاقية جنيف الرابعة الموقعة بتاريخ 12/أغسطس/آب 1949م، نقل المدنيين المحميين بموجب هذه الإتفاقية، ونصّت على وجوب معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأوقات.
2- تضمنت المادة 49 من الإتفاقية المذكورة حظراً شاملاً لترحيل وإبعاد السكان المدنيين، سواء كان فردياً أو جماعياً، إلّا في حالة الضرورة حمايةً لأمن السكان المدنيين، شرط إعادتهم فور انتهاء العمليات العدائية. وإنّ الفقرة السادسة من ذات المادة تحظر على القوة المحتلة، نقل مجموعات من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي احتلتها، وتمنعها من تغيير صفتها الجغرافية والمدنية.
3- أشارت المادة 53 من الإتفاقية ذاتها إلى حظر تدمير الممتلكات الخاصة.
4- أكدت المادة 147 من الإتفاقية المشار إليها أعلاه، أنّ الترحيل والإبعاد القسري يعدّ انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة.
5- إنّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تضمّن حظر التهجير القسري والنقل غير المشروع، حيث نصت المادة السابعة من النظام على ” الإبعاد والنقل القسري بوصفه جريمة ضدّ الإنسانية”، وكذلك أشارت المادة الثامنة إلى ” الإبعاد والنقل غير المشروع بوصفه جريمة حرب معاقب عليها”.
6- أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/ديسمبر/كانون الأول 1970م، القرار رقم ” 2675″ أكدت فيه ” عدم جواز النقل القسري” للسكان المدنيين. وفي القرار رقم ” 3318″ الصادر في 16 مايو/أيار 1974م، أعلنت الجمعية العامة ” أنّ الإرغام على النزوح القسري يعتبر جريمة”.
تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات الإيرانية كانت قد طبقت هذه الإجراءات التعسفية، والإنتهاكات البربرية المدانة شرعاً وقانوناً في الأحواز العربية التي احتلتها في 20 ابريل/نيسان 1925م.
الخاتمة:
على ضوء ما تقدم، يتضح أنّ جزر أبي موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى جزر عربية إماراتية، كانت خاضعة للسيادة العربية منذ القدم. وإنّ هذه الجزر لأهميتها الجيوبوليتيكية والجيو-إقتصادية، أضحت هدفاً للأطماع الإيرانية التي تسعى للهيمنة على منطقة الخليج العربي، لتحقيق حلمها المأبون بإحياء مجد “الإمبراطورية الفارسية” المجوسية على حساب الأمن القومي والسيادة الوطنية للأمة العربية.
ومن خلال الوثائق والقرائن التاريخية، باتت الحقيقة جليّة، أنّ الساحل الشرقي للخليج العربي برمته، كان موطن القبائل العربية الأثيلة التي قطنت هذه المنطقة منذ عصور سحيقة، وأسست ممالك وإمارات عربية عديدة، وشيّدت حضارات عريقة لن تقوى على هدمها معاول المحتل. وتبيّن أنّ الإدعاءات الإيرانية بالسيطرة على الجزر تاريخياً لا أساس لها من الصحة، كما كشفت الحقائق القانونية، أنّ الدولة الفارسية لم تمارس أيّ مظهر من مظاهر السيادة على الجزر الإماراتية الثلاث، وأنّ السيادة الإيرانية المزعومة باطلة، وليس لها أيّ سند تاريخي أو قانوني.
ويلاحظ أن دولة الإمارات العربية المتحدة منذ بداية احتلال جزرها من قبل القوات العسكرية الإيرانية، حاولت أنّ تحلّ القضيّة بالسبل والوسائل الدبلوماسية، أو عن طريق الإحتكام إلى القانون وعرض المشكلة على الهيئات القضائية الدولية، لكنّ هذه المحاولات الحثيثة لم يكتب لها النجاح، ومردّ ذلك الغطرسة الإيرانية التي رفضت إحالة النزاع إلى المحاكم الدوليّة.
واتضح أنّ السلطات الإيرانية بعد احتلالها الجزر الإماراتية، قامت بإجراءات تعسفية، يندى لها جبين الإنسانية، إذ هجّرت المواطنين قسراً، واستولت على أملاكهم ومصادر رزقهم عنوةً، واستقدمت المستوطنين لتغيير ديموغرافية الجزر، محاولةً تدمير الحجر والبشر، لطمس الهوية العربية. هذه الإجراءات الجائرة تدينها كلّ القوانين والمواثيق الدولية والتي أتينا على ذكر بعضها آنفاً.
قائمة المصادر والمراجع:
أولاً – المصادر:
1- إتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين زمن المنازعات المسلحة.
2- الكيالي عبدالوهاب و…، السيادة، موسوعة السياسة، جـ 1، الدار العربية للدراسات والنشر، بيروت.
3- ميثاق الأمم المتحدة.