رأفــت علـي
المقدمة :
في هذا الجزء من بحثنا سنتناول بأذن الله تعالى حقيقة إيمان أهل العراق في زمن ملكهم نبوخذنصر الثاني، مستندين في ذلك على ما جاء في القران الكريم وما جاء به المفسرون وما رواه أهل السير والتواريخ والإخبار بالإضافة إلى ما تم اكتشافه من قبل علماء الآثار والتاريخ عن تلك الحقبة الزمنية المهمة، كما سنستعين ببعض ما ورد في سفر دانيال وارميا هم من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام.
ولكن بادئ ذي بدء نود أن ننبه أعزائنا القراء على ضرورة الانتباه لبعض ما ينشر على شبكة الانترنت العالمية فيما يتعلق بنبوخذنصر الثاني هذا الملك البابلي العراقي العظيم، والذي دأب بني إسرائيل على تشويه سيرته بشتى أنواع الكذب والتزوير والتضليل، فلليهود تجاربهم الموغلة في القدم لتشويه سير أبطال التاريخ. فلم تكن سياسة شيطنة البعث وقيادته المجاهدة بالشئ الجديد على بني صهيون، مثلما لم يكن أدولف هتلر الوحيد الذي اتهمه اليهود بإبادة الجنس البشري تحت أكذوبة أفران الغاز، فقد اتهم نبوخذنصر الثاني من قبله بتهمة سبي البشر تحت أكذوبة السبي البابلي.
سيرة نبوخذ نصر الثاني :
يلفظ الاسم الحقيقي لنبوخذنصر الثاني في اللغة البابلية بصيغة (نابو – كودوري – اوصر)، وقد اسماه العرب بخت نصر ويرجع اسمه المعروف نبوخذ نصر إلى العهد القديم (التوراة). وقد سماه والده نبو بلاصر تيمنا بالملك الشهير للسلالة الثانية لأسين، ودربه بعناية لتولي العرش وشاركه في تحمل المسؤوليات. فعندما مات الأب في (605) قبل الميلاد كان نبوخذنصر الثاني مع جيشه في سوريا؛ حيث كان قد سحق المصريين قرب (كركميش) في معركة دامية قاسية وطاردهم إلى الجنوب. عاد نبوخذنصر فور تسلمه نبأ وفاة أبيه إلى بابل1.
اهتم نبوخذنصر الثاني كثيرا بأعمار بابل، فأقام شبكة كبيرة من قنوات المياه جاعلا من الأرض أكثر خصوبة مما كانت عليه من قبل، فازدهرت الزراعة والتجارة في إمبراطوريته العظيمة. كما فاقت انجازات نبوخذنصر العمرانية انجازات الملوك الأشوريين الذين سبقوه في حكم العراق، فقد حصن جدران بابل المزدوجة مضيفا جدارا ثالثا خارج الجدار القديم. إضافة إلى ذلك فقد أقام جدارا آخر، هو الجدار المدياني إلى الشمال من المدينة بين نهري دجلة والفرات، وحسب تقديرات الإغريق يمكن إن يكون هذا الجدار بارتفاع 100 قدم. كما وسع نبوخذنصر القصر القديم مضيفا له العديد من الأجنحة الكبيرة، بحيث أصبح للقصر مئات الغرف والقاعات الداخلية الكبيرة. وزينت جدران مدينة بابل وجدران القصر بالبلاطات الملونة المزججة والمنحوتات نصف البارزة، وأضيفت حدائق عرفت فيما بعد بجنائن بابل المعلقة. وقد دأب نبوخذنصر لإكمال برج بابل الذي بدأ العمل بانشاءه في عهد نبوخذنصر الأول بحدود عام (1110) قبل الميلاد. وكان كبناية أثرية لغاية حكم الملك الأشوري اسرحدون، والذي عاود البناء حوالي عام (680) قبل الميلاد لكنه لم يستطيع إكماله، بينما استطاع نبوخذنصر الثاني من إكمال برج بابل بأكمله. الذي تحيطه خمس مدرجات على شكل ممرات. وكان شارع المواكب أكبرها و يمر من الجهة الشرقية بالجدار الداخلي للمدينة متقاطعا مع بوابة عشتار الكبيرة 2.
حكم نبوخذ نصر الثاني من عام (605 إلى 562) قبل الميلاد إي مدة ثلاثة وأربعون عاما. استطاع خلالها من بناء إمبراطوريته البابلية العظيمة التي وصلت إلى الحدود المصرية فضلا عن ضمها لإرجاء واسعة من بلاد الشام والجزيرة وعيلام، واهتم نبوخذنصر على إقامة نظاما إداريا جيدا. وأصبحت بابل بعهده من أغنى واكبر دول العالم المتحضر.
في عام 597 قبل الميلاد جهز نبوخذنصر الثاني حملته العسكرية الخاصة لإيقاف تجاوزات واعتداءات (يهوياكيم) ملك دولة (يهوذا) نتيجة تحريض فراعنة مصر. وفعلا تمكن نبوخذنصر من تحقيق الانتصار على يهوذا واخذ منها قرابة 3000 أسير بعد إن نصب صدقيا ملكا على يهوذا، الذي أدى القسم له بعدم تكرار التجاوزات والاعتداءات على حدود الدولة البابلية. إن سبب قيام نبوخذنصر بتهجير 3000 أسير من يهوذا إلى بابل والذي عرف فيما بعد باسم السبي البابلي الأول لم يكن عملا قد اعتاده نبوخذنصر إلا إن تكرر الاعتداءات والتجاوزات من قبل يهوذا والمدفوعة من قبل الفراعنة كانت هي الأسباب الحقيقة وراء ذلك، فلم يقوم نبوخذنصر الثاني بسبي أي مدنية من المدن التي فتحها سواء في الشام أو غيرها.
إلا إن مملكة يهوذا لم تستمر في عهدها لنبوخذنصر الثاني، فجهز حملة عسكرية أخرى لها في حدود العام (587 قبل الميلاد) وتمكن بعد مدة من حصارها من دخول إليها. وفي هذه المرة اضطر نبوخذنصر إلى تهجير جل سكان يهوذا عن أورشليم والبالغ عددهم نحو 40 ألف أسير إلى بابل والذي عرف لاحقا في التوراة باسم السبي البابلي الثاني 3.
خلفه في الحكم ابنه (ابل مردوخ) لعامين (562 إلى 560) قبل الميلاد، وبعده حكم صهره (نركال – شار – اوصر) لأربع سنوات (560 إلى 556) قبل الميلاد، ثم حكم ابن نركال وهو (لباشي مردوك) لمدة ثلاثة أشهر عام (556) قبل الميلاد، وحكم (نابونيد) لمدة 17 (556 إلى 539) قبل الميلاد 4.
اعتبر نبوخذ نصر الثاني قائداً عالمياً عبر التاريخ، حيث عمل على فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وأقام نوع جديد من المحاكم عرفت باسم (محاكم الشعب) وهي مؤسسة قضائية تعرض عليها الدعاوى الكبرى والمتعلقة بأمن وسلامة البلاد. كما ادخل نبوخذنصر قادة قانونية جديدة بحيث إن المجرم في الجرائم الاعتيادية وليس السياسية لا يحكم عليه بالإعدام إلا في حالة تكرار الجريمة5.
كان نبوخذنصر يستفيد كثيراً باستخدام الشعوب التي يحتلها مستخدماً ذكاءه، كان يستنفذ كل الإمكانيات البشرية والمادية للشعوب التي يستولي عليها لحد التحكم بحياتهم، إلا أنه امتاز بالديمقراطية وحرية الفكر وكان يسمح للشعوب المحتلة أن تعبد بحريتها، وقد بارك الله الملك نبوخذ نصر وكان يقوده من انتصار إلى أعظم. يعتبر نبوخذنصر الثاني أعظم ملوك بابل وقد اشتهر بلقب مقيم المدن فقد كان فاتحاً للمدن لا غازياً، وقد ساهم في نشر ديانة التوحيد، وذكره نبي الله دانيال عليه السلام في سفره 4/37، بما يلي ((فالآن أنا نبوخذ نصر، أسبح وأمجد وأحمد ملك السماء الذي جميع أعماله حق، وطرقه عادلة، وقادر على إذلال كل من يسلك بالكبرياء)) 6.
كما ذكر نبي الله ارميا عليه السلام في سفره سفر ارميا 25/9، بان البابليين بقيادة ملكهم نبوخذنصر هم من قاتلوا بني إسرائيل ((فها أنا أُجنّد جميع قبائل الشمال، بقيادة نبوخذ نصر عبدي، وآتي بها إلى هذه الأرض، فيجتاحونها ويهلكون جميع سكّانها، مع سائر الأمم المحيطة بها، وأجعلهم مثار دهشة وصفير، وخرائب أبدية)) 7.
ما جاء في كتب أهل السير عن حقيقة إيمان أهل بابل وملكهم نبو خذ نصر:
وقال وهب بن منبه: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له أرميا حين ظهرت فيهم المعاصي:
((أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم قلوباً ولا يفقهون، وأعيناً ولا يبصرون، وآذاناً ولا يسمعون، وإني تذكرت صلاح آبائهم، فعطفني ذلك على أبنائهم، فسلهم كيف وجدوا غِبَّ طاعتي، وهل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي، وهل شقي أحد ممن أطاعني بطاعتي؟ إن الدواب تذكر أوطانها فتنزع إليها وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت عليه آباءهم، والتمسوا الكرامة من غير وجهها، أما أحبارهم فأنكروا حقي، وأما قراؤهم فعبدوا غيري، وأما نُساكهم فلم ينتفعوا بما علموا، وأما ولاتهم فكذبوا عليَّ وعلى رسلي، خزنوا المكر في قلوبهم وعودوا الكذب ألسنتهم وإني أقسم بجلالي وعزتي لأهيجن عليهم جيولاً لا يفقهون ألسنتهم ولا يعرفون وجوههم ولا يرحمون بكاءهم، ولأبعثن فيهم ملكاً جباراً قاسياً له عساكر كقطع السحاب، ومواكب كأمثال الفجاج، كأن خفقان راياته طيران النسور، وكأن حمل فرسانه كَرُّ العقبان، يعيدون العمران خراباً، ويتركون القرى وحشة، فيا ويل إيليا وسكانها، كيف أذللهم للقتل، وأسلط عليهم السبا، وأعيد بعد لجب الأعراس صراخاً، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب، وبعد شُرفات القصور مساكن السباع، وبعد ضوء السرج وهج العجاج، وبالعز الذل وبالنعمة العبودية، وأبدلن نساءهم بعد الطيب التراب، وبالمشي على الزرابي الخبب، ولأجعلن أجسادهم زبلاً للأرض، وعظامهن ضاحية للشمس، ولأدوسنهم بألوان العذاب، ثم لآمرن السماء فتكون طبقاً من حديد، والأرض سبيكة من نحاس، فإن أمطرت لم تنبت الأرض، وإن أنبتت شيئاً في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم، ثم أحبسه في زمان الزرع، وأرسله في زمان الحصاد، فإن زرعوا في خلال ذلك شيئاً سلطت عليه الآفة، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة، فإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم)). رواه ابن عساكر بهذا اللفظ 8.
فلما بلّغهم أرميا رسالة ربّهم، وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب، عصوه وكذّبوه واتهموه، وقالوا : كذبت وأعظمت على الله الفرية، فتزعم أن الله معطل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده، فمن يعبده حين لا يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب، لقد أعظمت الفرية على الله، واعتراك الجنون، فأخذوه وقيّدوه وسجنوه 9.
قال هشام بن الكلبي: قدم بختنصر بين المقدس فصالحه ملكها وكان من آل داود وصانعه عن بني إسرائيل وأخذ منه بختنصر رهائن ورجع، فلما بلغ طبرية بلغه أن بني إسرائيل ثاروا على ملكهم فقتلوه لأجل أنه صالحه، فضرب رقاب من معه من الرهائن ورجع إليهم فأخذ المدينة عنوة، وقتل المقاتلة وسبى الذرية.
قال: وبلغنا أنه وجد في السجن أرميا النبي فأخرجه وقص عليه ما كان من أمره وإياهم وتحذيره لهم عن ذلك فكذبوه وسجنوه فقال بختنصر: بئس القوم قوم عصوا رسول الله وخلى سبيله وأحسن إليه. واجتمع إليه من بقي من ضعفاء بني إسرائيل فقالوا: إنا قد أسأنا وظلمنا ونحن نتوب إلى الله عز وجل مما صنعنا، فادع الله أن يقبل توبتنا، فدعا ربه فأوحى الله إليه أنه غير فاعل، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة. فأخبرهم ما أمره الله تعالى به، فقالوا : كيف نقيم بهذه البلدة وقد خربت وقد غضب الله على أهلها..!.. فأبوا أن يقيموا. ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل في البلاد 10.
وعن إيمان البابليين وملكهم نبوخذنصر الثاني فقد جاء في القران الكريم وبالتحديد في سورتي البقرة و الإسراء دليلا أخر على إيمانهم، فلنبين ذلك.
سورة البقرة وحقيقة إيمان أهل بابل :
قال تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة 102.
وقد بين لنا علماء التفسير في هذه الآية : أن اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة والشعوذة التي كانت تُقْرَأ في زمن ملك سليمان عليه السلام. وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع عن نبي الله سليمان عليه السلام ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة، وقد دونوها في كتب يقرؤونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمان سليمان عليه السلام، حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب، فجمع سليمان عليه السلام الكتب ودفنها فلما مات سليمان عليه السلام دلت الشياطين عليها الناس فاستخرجوها وكانوا يقولون هذا علم سليمان عليه السلام، وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم ربه سخر الجن والإنس والطير والريح.
وقد اختلف المفسرون عن تأويل قوله تعالى (وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) ؛ وسنعرض أهم ما جاء في أقول المفسرون والعلماء 11:-
أ – الشياطين هي من تعلم الناس السحر في بابل :
1- فالبعض قال إن(وَمَا أُنزِلَ) أي بمعنى لم ينزل الله تعالى السحر على الملكين هاروت وماروت في بابل. أي إن هاروت وماروت من الملائكة إلا إنهما لم يعلمان السحر. وان الشياطين في بابل هم من كانوا يعلمان السحر.
2- والبعض الأخر قال إن الله عزوجل لم ينزل ملائكته وهاروت وماروت لم يكونوا من الملائكة، وسبب من يقول بهذا، لان سحرة اليهود كانت تزعم بان الله عزوجل قد انزل السحر على لسان جبريل وميكايئل إلى نبيه سليمان عليه السلام. فأكذبها الله بذلك واخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط، وبرأ سليمان من السحر، فاخبرهم إن السحر من عمل الشياطين، وإنها تعلم الناس ببابل، وان الذين يعلمونهم ذلك رجلان اسم احدهما هاروت والأخر ماروت; فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة على الناس وردا عليهم.
ولو تدبرنا قوله تعالى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) نجد إن المقصود بذلك هما هاروت وماروت فالواو هنا حرف عطف على هاروت وماروت لان الله عزوجل قال (وَمَا يُعَلِّمَانِ). فلو كانت الشياطين هي من تعلم السحر للناس في بابل لما قال عزوجل (يُعَلِّمَانِ)، وتأكيدا على هذا فلو كانت الشياطين هي من تعلم السحر للناس في بابل لما كانت الشياطين لتقول (إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر). أليس إن أهم عمل للشياطين إن تغوي بني ادم كلهم. فقد توعد إبليس الرجيم ادم عليه السلام وذريته بان يزلهم ويغويهم ليكفروا، والعياذ بالله سبحانه وتعالى.
ب – الملكين هاروت وماروت هما من علما الناس السحر في بابل :
1- والبعض الأخر قال إن هاروت وماروت كانا ملكين من الملائكة، فاهبطا ليحكما بين الناس. وذلك أن الملائكة سخروا من أحكام بني آدم. قال: فحاكمت إليهما امرأة فحافا لها، ثم ذهبا يصعدان, فحيل بينهما وبين ذلك، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة, فاختارا عذاب الدنيا. فكانا يعلمان الناس السحر, فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا (إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر).
2- والبعض الأخر قال إن هاروت وماروت كانا ملكين من الملائكة يعلمان الناس السحر لان كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمه الإنسان فصنع وعمل به كان سحرا ولكن السحر سحران سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت.
3- والبعض الأخر قال إن هاروت وماروت كانا ملكين من الملائكة يعلمان الناس السحر. وبكن هل يجوز أن ينـزل الله السحر, وهل يجوز لملائكته أن تعلمه الناس؟
إن الله عز وجل قد أنـزل الخير والشر كله, وبين جميع ذلك لعباده, فأوحاه إلى رسله، وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم. وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرفهموها، ونهاهم عن ركوبها. فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها، ونهاهم عن العمل بها. وليس في العلم بالسحر إثم, كما لا إثم في العلم بصنعة الخمر ونحت الأصنام والطنابير والملاعب. وإنما الإثم في عمله وتسويته. وكذلك لا إثم في العلم بالسحر, وإنما الإثم في العمل به، وأن يضر به، من لا يحل ضره به. فليس في إنـزال الله إياه على الملكين، ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس، إثم، إذ كان تعليمهما من علماه ذلك، بإذن الله لهما بتعليمه، بعد أن يخبراه بأنهما فتنة، وينهياه عن السحر والعمل به والكفر. وإنما الإثم على من يتعلمه منهما ويعمل به, إذ كان الله تعالى ذكره قد نهاه عن تعلمه والعمل به ولو كان الله أباح لبني آدم أن يتعلموا ذلك, لم يكن من تعلمه حرجا, كما لم يكونا حرجين لعلمهما به. إذ كان علمهما بذلك عن تنـزيل الله إليهما.
ج – سبب تعليم الملكين هاروت وماروت الناس للسحر في بابل :
نجد الصواب هو ما قاله بعض المفسرون في تأويل قوله تعالى (وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)، بان الله عزوجل قد أنزل هذين الملكين هاروت وماروت لتعليم الناس السحر ابتلاءً من الله وللتمييز بين السحر والمعجزة وظهور الفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وبين كلام السحرة. وما يُعلِّم هاروت وماروت من أحدٍ حتى ينصحاه، ويقولا له إنما نحن ابتلاء من الله، فمن تعلم منا السحر واعتقده وعمل به كفر، ومن تعلَّم وتوقَّى عمله ثبت على الإيمان. فيتعلم الناس من هاروت وماروت علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين، بأن يخلق الله تعالى عند ذلك النفرة والخلاف بين الزوجين، ولكن لا يستطيعون أن يضروا بالسحر أحداً إلا بإذن الله تعالى، لأن السحر من الأسباب التي لا تؤثر بنفسها بل بأمره تعالى ومشيئته وخلقه. فيتعلم الناس الذي يضرهم ولا ينفعهم في الآخرة لأنهم سخروا هذا العلم لمضرة الأشخاص. ولقد علم اليهود أن من استبدل الذي تتلوه الشياطين من كتاب الله ليس له نصيب من الجنة في الآخرة، فبئس هذا العمل الذي فعلوه.
د – الدليل في القران الكريم على إيمان البابليين :
وبعد هذا التوضيح الذي بينه لنا علماء التفسير، نطرح تسأولا مهما عن سبب قول الملكين هاروت وماروت لأهل بابل ((فلاتكفر))..!!! فان كان أهل بابل وثنيين يعبدون الأصنام والكواكب كما درجت العادة عند علماء الآثار والتاريخ، فبماذا سيكفروا أهل بابل..!!!
إن خير إجابة وخير دليل لنا في حسم هذه المسالة، هو كلام الله عزوجل الذي ذكره في كتابه العزيز القران الكريم الذي وعد الله عزوجل إن يحفظه خالدا إلى يوم القيامة، قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر 9. فالله عزوجل يبين لنا إن أهل بابل كانوا مؤمنين به سبحانه وتعالى ولولا إيمانهم لما ذكر الله عزوجل على لسان الملكين هاروت وماروت في محكم كتابه (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) فالسحر هنا هو الكفر، والكفر هنا هو كفر بالله سبحانه وتعالى والعياذ بالله.
هـ – لماذا أراد الله عزوجل تعليم البابليين، الفرق بين السحر والمعجزة، والفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وبين كلام السحرة :
من تدبرنا لما جاء في سورة البقرة وما جاء في قصة داود وسليمان عليهما السلام نستنتج إن نبي الله سليمان عليه السلام هو من أنبياء بني إسرائيل ورث أبيه داود عليهما السلام في الحكم فكان ملكا على بيت المقدس، عاش عليه السلام بحدود القرن التاسع قبل الميلاد. فأبيه داود عليه السلام كان جنديا في جيش طالوت، وطالوت هو ملك بني إسرائيل استطاع إن يجمع شمل قبائل بني إسرائيل ويوحدهم تحت رايته بحدود عام 1040 قبل الميلاد ليسترد لهم حقوقهم من الفلسطينيين الذين تمكنوا من هزيمتهم في إحدى المعارك شر هزيمة. ذاعت شهرة داود عليه السلام بين بني إسرائيل وعند ملكهم طالوت بعدما تمكن من قتل جالوت في مبارزة عجز عنها بني إسرائيل كافة. ثم أصبح داود عليه السلام ملكا على بني إسرائيل وعمره 30عاما وحكم مدة 40عاما، ومن خلال هذه الإحداث يتبين لنا إن داود عليه السلام أصبح ملكا على بني إسرائيل بعد عام 1040قبل الميلاد بسنوات معدودة ومادام حكمه قد استمر أربعين عاما فبهذا يكون عهد سليمان عليه السلام في حدود النصف الثاني من القرن العاشر للاف الأول قبل الميلاد أي بحدود 1000-950 قبل الميلاد12.
وبالتالي فان قصة هاروت ومارت في بابل والتي جاءت على خلفية وفاة سليمان عليه السلام تكون مابين منتصف القرن العاشر قبل الميلاد والقرن السادس قبل الميلاد الذي شهد ظهور الإمبراطورية البابلية التي أقامها ملك بابل العظيم نبوخذنصر الثاني، وربما تكون قبيل أو إثناء حكم نبوخذنصر. وسبب اعتقادنا هذا يعود لاختيار الله عزوجل بابل مسرحا لإحداث قصة الملكين هاروت وماروت، أي وبمعنى أوضح فانه من المرجح إن يكون سبب اختيار الله عزوجل لبابل لأنها ابرز وأقوى دول ذلك الزمان، وبالتالي فإنها – أي بابل – الأقدر على نشر الرسالة الإلهية والعبرة والدروس التي جاء بها الملكين هاروت وماروت بين بني البشر.
وما يعزز اعتقدنا هذا أيضا، هو إن الله عزوجل أراد تحصين عباده عامة وأهل بابل خاصة حتى لايقعوا في فتنة اليهود والجن والشياطين، خاصة وان أهل بابل هم من سيحاربون اليهود. أي إن الله عزوجل لما انزل ببابل ملكيه هاروت وماروت فقد أراد سبحانه وتعالى إن يعد أهل بابل إعدادا روحيا إيمانيا للمعركة مع اليهود قبل إن يعدوا أنفسهم ماديا لها، وهذا ما ذكره القران الكريم في سورة الإسراء.
ومن الجدير بالذكر هنا وقبل أن نأتي على ما جاء في سورتي البقرة والإسراء، فان المتابع لقصة عرش بلقيس يجد نفسه إمام سؤال مهم. فيا ترى لماذا لم يحكم سليمان عليه السلام أهل العراق؟! ولماذا حكم اليمن ولم يحكم العراق، وهو الأقرب لبيت المقدس من اليمن؟! وفي الحقيقة فان الإجابة على هذا السؤال قد تكمن في إيمان أهل العراق وعبادتهم لله الواحد الأحد على عكس قوم بلقيس.
سورة الإسراء وحقيقة إيمان أهل بابل :
قال تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَــابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) الإسراء4-8.
وقد بين المفسرين تأويل هذه الآيات 13، فقوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ) أي إن الله عزوجل اخبر اليهود في التوراة، وكان وحيا مقضيا مبتوتا. وقوله تعالى (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) لتفسدن في الأرض، والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس، ومرتين إفسادتين. وقوله تعالى (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) ولتستكبرن عن طاعة الله، من قوله أن فرعون علا في الأرض، والمراد به البغي والظلم والغلبة، لتستكبرن عن طاعة الله تعالى، أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان، وتفرطن في ذلك إفراطا مجاوزا للحد. وقوله تعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا) والوعد بمعنى الموعود، مراد به العقاب، أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود، أي فإذا حان موعد عقاب أولى الإفسادتين.
قوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) وقد اختلف في تأويلها العلماء وسأبينها لاحقا بإذن الله عزوجل
وقوله تعالى (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ذوي قوة وبطش في الحروب، والبأس والبأساء في النكاية. وقوله تعالى (فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ) أي تخللوها كما يجوس الرجل للأخبار أي يطلبها بمعنى الغلبة والدخول قهرا. وقوله تعالى (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) قضاء كائنا لا خلف فيه، وكان وعد عقابهم لا بد أن يفعل، أي لا بد من كونه، مقضيا أي مفروغ منه.
وقوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) ثم للعطف، وتفيد التراخي في الزمن، وهذه الكرة بعد الجلوة الأولى، أي الرجعة والدولة والغلبة، على الذين بُعثوا عليكم. وقوله تعالى (وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) أعطاهم الله الأموال والأولاد. وقوله تعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) والنفير أي القوم الذين يجتمعون، ليصيروا إلى أعدائهم فيحاربوهم، وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو، أي أكثر رجالا من عدوكم، والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته. وقوله تعالى (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) وهذا الخطاب قيل أنه لبني إسرائيل الملابثين، لما ذكر في هذه الآيات، وقيل لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلى الله عليه وسلم، ومعناه إعلامهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا مثل ذلك، وأن إحسان الأعمال وإساءتها مختص بهم، والآية تضمنت ذلك، وفيها من الترغيب بالإحسان، والترهيب من الإساءة، ما لا يخفى فتأمل.
وقوله تعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الآخرة، أي عقوبة العلو الثاني. وقوله تعالى (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) أي بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، أي ليجعل العباد المبعوثون، آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم، إشارة إلى أنه جمع عليهم ألم النفس والبدن.
وقوله تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ)، وقوله تعالى (كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وقوله تعالى (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) وسنتناول دخول المسجد لاحقا لنبين الحقائق المهمة التي جاءت بها هذه الآية الكريمة.
وقوله تعالى (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) لبقية بني إسرائيل عسى ربكم، إن أطعتم في أنفسكم واستقمتم أن يرحمكم، وهذه العودة ليست برجوع دولة، وإنما هي بأن يرحم المطيع منهم، وكان من الطاعة إتباعهم لعيسى ومحمد عليهما السلام. و ذلك لأن المتقدمين من المفسرين اعتبروا أن تحصّل المرتين، كان قبل بعثهما عليهما السلام. وقوله تعالى (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) وإن عدتم للإفساد بعد الذي تقدم، عدنا عليكم بالعقوبة فعاقبناكم في الدنيا، بمثل ما عاقبناكم به في المرتين. وقوله تعالى (وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) أي محبوسون في جهنم لا يتخلصون منها.
أ – تأويل قوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) :
اختلف بعض المفسرين في أمرين أولهما في تأويل قوله تعالى (بعثنا عليكم)، وثانيهما في تأويل قوله تعالى (عبادا لنا) وسنبين ذلك بالتفصيل.
في تأويل قوله تعالى (بعثنا عليكم) :
فقد اختلف بعض المفسرين في من هم المقصودين في قوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) فالبعض اعتقد إنهم قوم جالوت، والبعض الأخر اعتقد قوم سنحاريب وآخرين اعتقدوا قوم نبوخذنصر 14.
ولكن مع مرور الزمان وتطور وسائل الإنسان في الكشف والتنقيب عن اثأر الماضي فقد تبين بما لا يقبل الشك إن المقصود بقوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) هو نبوخذنصر ملك بابل أو بالأحرى ملك العراق والشام وأعالي الجزيرة العربية وبعض من بلاد وعيلام وشمالي بلاد الرافدين.
ولزيادة اليقين والتأكد فلو كان مقصود بقوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) جالوت وقومه فهذا يدل على إن فساد بني إسرائيل قد حدث مرتين الأولى غلبهم جالوت ثم غلب داوود جالوت. والمرة الثانية حدثت بتغلب نبوخذ نصر والبعض يقول سنحاريب على بني إسرائيل. إلا إن هذا القول مردود لان الله عزوجل ذكر بان فساد بني إسرائيل سيحدث مرتين.. وبهذا فما سيكون فساد بني إسرائيل اليوم إذن؟!
كما إن القول بان المقصود في قوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) هو سنحاريب فهو مردود أيضا فبالإضافة لما سبق فان سنحاريب لم يدخل بيت المقدس أبدا إنما حصاره ثم انسحب ولم يتبين لحد ألان لعلماء الآثار والتاريخ والسير سبب انسحاب سنحاريب من حصار بيت المقدس15.
كما ذكر نبي الله ارميا عليه السلام في سفره سفر ارميا 25/9، بان البابليين بقيادة ملكهم نبوخذنصر هم من قاتلوا بني إسرائيل :-
(فها أنا أُجنّد جميع قبائل الشمال، بقيادة نبوخذ نصر عبدي، وآتي بها إلى هذه الأرض، فيجتاحونها ويهلكون جميع سكّانها، مع سائر الأمم المحيطة بها، وأجعلهم مثار دهشة وصفير، وخرائب أبدية). وجاء أيضا في سفر ارميا 27/9 (فلا تسمعوا انتم لأنبيائكم وعرافيكم وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم الذين يكلمونكم قائلين لاتخدموا بابل). وجاء في سفر ارميا 29/7 (اطلبوا السلام المدينة التي سبتكم إليها وصلوا لأجلها الرب..) 16.
في تأويل قوله تعالى (عبادا لنا) :
قال بعض المفسرين في تأويل قوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) أي إن الله عزوجل أرسل إلى ملك أولئك العباد رسولا، يأمره بغزو بني إسرائيل، فتكون البعثة بأمر منه تعالى 17. وبان إطلاق لفظ ﴿عباداً لنا﴾ ينطبق على لفظ (عبادا الله) فالمنتصرين على بني إسرائيل كانوا مؤمنون، إذ إن لفظ عباد الله أو عباد الرحمن لا يطلق إلا على المنقادين لطاعة الله 18. قال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) الفرقان 63.
بينما قال البعض الأخر من المفسرين بان لفظ ﴿عباداً لنا﴾ قد أطلقه القرآن على الكافرين في الآخرة أيضا، كونهم أي الكفرة لا يملكون آنئذ إلا طاعة الله. وقال آخرون في إن لفظ (عبادا لنا أو عبادي) يشمل كل البشر بغض النظر أن كانوا مؤمنين أو كفار. وبالتالي فما المانع أن يكون نبوخذ نصر قد خرج لحرب اليهود بأمر من الله وإن كان كافراً لتأديب اليهود. عندئذ يصح إطلاق لقب عباد الله على أفراد جيشه 19. قال تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلّوا السّبِيلَ) الفرقان 17.
إلا إنني أجد إن المعنى الأول في تفسير لفظ (عبادا لنا) هو الأصح وهو الرأي القائل بإيمان نبوخذنصر وجنده. لان الرأي الثاني وهو رأي القائلين بان لفظ (عبادا لنا) تنطبق على الكفار أيضا أي إن نبوخذنصر وجنده كانوا من الكفرة، يخالف ما جاء في قوله تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلّوا السّبِيلَ) الفرقان 17.، لان القران الكريم حينما أطلق لفظ (عبادي) على الكفار لم يطبقه على الكفار في الحياة الدنيا إنما على الكفار في يوم القيامة. أي إن لفظ العباد أو عبادا لنا أو عبادي لا يطلق إلا على المنقادين لطاعة الله عزوجل، بدليل إن الله تعالى حينما أطلق على الكفار لفظ (عبادي) لم يكن في الدنيا إنما كان في الآخرة أي في يوم الحساب حيث لا يملك الكفار آنئذ إلا الانقياد لطاعة الله عزوجل. قال تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلّوا السّبِيلَ) الفرقان 17، وقال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون) البقرة 186.
ب – في تأويل قوله تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) :- من خلال تدبرنا لما ورد في الآية رقم سبعة من سورة الإسراء نستطيع إن نبين ثلاثة حقائق قد جاءت بها هذه الآية الكريمة، وسنوضحها بالتفصيل وكما يلي :-
الأولى ؛ من سيدخل المسجد ثانية :-
إن من سيدخل المسجد الأقصى هم العراقيون بإذن الله عزوجل، فمن خلال تدبرنا لقوله تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) يتبين لنا إن اللام هنا لام كي والضمير للعباد أولى البأس الشديد، والمسجد مسجد بيت المقدس 20. وإما عن قوله تعالى (كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي إن من دخل المسجد أول مرة سيدخله في المرة الثانية أيضا، وبما إن العراقيين هم من دخلوا المسجد الأقصى أول مرة فأنهم من سيدخلوا المسجد ثاني مرة و بأذن الله عزوجل هم من سيحرروا فلسطين ويدمروا الكيان الصهيوني المسخ21.
الثانية ؛ في الدخول الأول للمسجد الأقصى وعدم تدميره :-
دخول جيش نبوخذنصر للمسجد الأقصى لم يصحبه إي تدمير. فمن خلال تدبرنا لقوله تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) يتبين لنا إن من انهي الفساد والعلو الأول لبني إسرائيل قد دخل المسجد – وهو نبوخذنصر وجيشه كما أوضحنا أنفا – فلم يأتي القران الكريم على أي ذكر غير الدخول ولو دمر جيش نبوخذنصر المسجد لما قال تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ). وإما قوله تعالى (فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ) أي تخللوها كما يجوس الرجل للأخبار أي يطلبها بمعنى الغلبة والدخول قهرا 22، وبالتالي فالجوس غير التتبر فالأولى تفيد الدخول بالقوة والثانية تفيد التدمير والخراب.
وقوله تعالى (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) يعود إلى قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي للدخول الثاني (أي للمستقبل) فاللام هنا لام كي، والضمير للعباد أولى البأس الشديد، وليتبروا أي يدمّروا ويهلكوا ما غلبوا عليه من بلادكم، تتبيرا أي تدميرا، ما علوا مفعول ليتبروا، أي ليُهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه.
ومن الجدير بالذكر هنا، انه قد يكون الاستياء الثاني محصور على ما يقع بأيدهم من مدن وقرى، لقوله تعالى (مَا عَلَوْا) وبهذا فقد يبقى لبني إسرائيل بعض المدن أو القرى أو على اقل تقدير قد يبقى لهم بعض الوجود في فلسطين. ولكن سيكون المسجد من ضمن ما يقع بأيدي أولوا البأس الشديد لقوله تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ). بعكس ما حدث في الاستيلاء الأول الذي شهد سيطرة البابليين على كل إرجاء مملكة يهوذا من غير تنبر ودمار. ففي الاستيلاء الثاني سيكون فيه التتبر ودمار إلا إن هذا التتبر والدمار لن يشمل كافة مدن وقرى بني إسرائيل.
الثالثة ؛ في إيمان البابليين وملكهم نبوخذنصر :-
فمن خلال تدبرنا لقوله تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يتبين لنا إن دخلوا نبوخذنصر وجيشه للمسجد الأقصى في المرة الأولى عقب فساد بني إسرائيل وعلوهم الأول، كان دخول المؤمنين بالله عزوجل. فحاشا الله إن يمكن من قد كفروا به وعبدوا الأصنام والكواكب من دخول مسجده، وحاشا الله إن يصف هؤلاء القوم الكفرة بعباد له وبكونهم أهل باس شديد لان هاتين العبارتين لا تفيدان على الذم إنما على المدح – وقد سبق وأوضحنا تأويل قوله تعالى ﴿عباداً لنا﴾ – وخاصة حينما يوّعد الله عزوجل نفس القوم – وهم أهل العراق – من دخول مسجده مرتين. كما إن تطابق طريقة الدخول الثاني مع طريقة الدخول الأول للمسجد الأقصى تفيد هي الأخرى بان من دخله أولى مرة كان مؤمنا لان من سيدخله ثاني مرة هو مؤمنا أيضا ولا يصح العكس.
الخلاصة :
من خلال ما جاء في هذا الجزء من بحثنا عن مكانة أهل العراق عند الله عزوجل، تتبين لنا عدة حقائق مهمة عن هذه الحقبة الزمنية.
فالحقيقة الأولى، التي بينها لنا هذا الجزء من بحثنا عن أهل العراق، بان البابليين في زمن ملكهم نبوخذنصر الثاني كانوا مؤمنين بالله عزوجل ودليل ذلك إطلاق الله عزوجل لفظ (عبادا لنا) وبدليل ثان وهو دخول البابليين للمسجد الأقصى، وبدليل ثالث أوضح من ما سبق وهو ما جاء على لسان هاروت وماروت في القران الكريم حينما كانوا يعلمون الناس السحر في بابل حيث ما كانوا يعملون أحدا إلا وقالوا له (إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر) كما سبق وواضحنا ذلك.
والحقيقة الثانية، بان حملة ملك بابل نبوخذنصر الثاني كانت بأمر الله تعالى، أي إن الله عزوجل قد أرسل إلى نبوخذنصر الثاني رسولا، يأمره بغزو بني إسرائيل. وهذا دليل أخر على إيمان البابليين وعلى إن البعثة – أي حملة نبوخذنصر على مملكة يهوذا – كانت بأمر من الله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا).
إما الحقيقة الثالثة، فهي إن العراقيون بحربهم الأولى لإنهاء الفساد الأول لبني إسرائيل ورغم سيطرتهم التامة على المملكة اليهودية إلا أنهم لم يخربوا المدينة وبالأخص المسجد الأقصى. إنما عمد البابليين على ترحيل بني إسرائيل عن ديارهم وهو ما عرف باسم السبي البابلي، فلو قام البابليين بتخريب المدينة لعمدوا أيضا على قتل ساكنيها معا وبان واحد وذلك أسهل وأفضل للبابليين من ترحيلهم وبالتالي تحمل مسؤوليتهم ومسؤولية إطعامهم وسكنهم الجديد 23. وإذا ما حدث خراب في المدينة فقد يكن السبب في ذلك هم اليهود أنفسهم بعدما تأكدوا من حتمية دخول جيش نبوخذنصر إليها أو على اقل تقدير فان خراب المدينة كان سببه إحداث الحرب والحصار الذي دام عدة أشهر. وفي كل الأحوال فان البابليين لم يخربوا المسجد الأقصى سواء في إثناء حربهم أو في حصارهم أو بعد دخولهم للمملكة وقد أشار الله عزوجل إلى ذلك صراحة في قوله تعالى (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فيتبين لنا من هذا إن البابليين قد دخلوا المسجد وهذا ما معناه إن المسجد الأقصى لم يخرب أبدا.
والحقيقة الرابعة، والتي تتمحور حول ما عرف لاحقا عند اليهود بالسبي البابلي، فلم يكن الدافع منه هو لجعل اليهود خدم أو عبيد للبابليين. إنما من اجل منع تكرار تهديد حدود الإمبراطورية البابلية، ومنع اليهود من تعذيب وسجن وقتل أنبيائهم. بدليل إن نبوخذنصر حينما دخل مملكة يهوذا وجد النبي ارميا عليه السلام وقد سجنه بني إسرائيل فأخرجه وأحسن إليه كما سبق واشرنا إلى ذلك. ويبدو إن لنبوخذنصر علاقة ومعرفة طيبة بارميا عليه السلام من قبل ذلك. وربما يكون ارميا عليه السلام هو من أرسله الله عزوجل لنبوخذنصر الثاني يأمره بغزو بني إسرائيل كما قال بعض المفسرون في تأويل قوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ). وليس من الضروري إن يكون نبي الله ارميا عليه السلام قد التقى بنبوخذنصر الثاني قبل الحملة ليبلغه أمر الله تعالى بغزو بني إسرائيل إنما قد أرسل له وفدا يعلمه بذلك الأمر الإلهي. وقد يكون وقت نزول الأمر الإلهي إثناء ما كان نبي الله ارميا عليه السلام في سجن قومه، بعد إن رفضوا الإصغاء إلى نبيهم ارميا عليه السلام الذي طالبهم بطاعة أوامر الله عزوجل.
والحقيقة الخامسة، والتي تبين لنا بالتتابع المتناسق إحداث قصة نبوخذنصر وحملته واحداث قصة ارميا عليه السلام وعلاقته بنبوخذنصر. أي إن ارميا عليه السلام قد طالب بني إسرائيل بالعودة إلى طاعة الله عزوجل بعد إفسادهم الأول، إلا أنهم كذبوه وعصوه وعذبوه وسجنوه. فأوحى الله عزوجل لنبيه ارميا عليه السلام بان يبلغ نبوخذنصر الثاني بشن حملته الخاصة لغزو بني إسرائيل وإسقاط مملكتهم مملكة يهوذا ومن ثم يأخذهم مرغمين إلى بابل. حيث سينعم نبي الله ارميا عليه السلام بالخير والإحسان وطاعة بني إسرائيل وأهل بابل له في ظل رعاية الملك نبوخذنصر الثاني. وهذا ما قد يفسر لنا سبب إعادة كتابة التوراة في بابل ومن الجدير بالذكر هنا إن إعادة كتابة التوراة في بابل تعطي لنا دليلا أخر عن إن البابليين لم يحرقوا التوراة في مملكة يهوذا إنما قد يكون من فعل ذلك هم بني إسرائيل أنفسهم فمن يتجرأ على قتل الأنبياء لن يخشى حرق كتبهم. بل إن ثبت فعلا إن البابليين هم من حرقوا التوراة في مملكة يهوذا فلابد إن تكون تلك التوراة محرفة وليست التوراة الأصلية.
ملاحظات مهمة :
ومن الجدير بالذكر في ختام بحثنا عن مكانة أهل العراق عند الله عزوجل ان نشير إلى بعض الملاحظات الهامة والتي ينبغي لكل منصف إن يتوقف عندها مليا:-
1- إن بحثنا هذا هو الأول من نوعه، حيث تناولنا حقيقة إيمان أهل العراق قبل الإسلام. أي حقيقة إيمان السومريين والاكديين والأشوريين والبابليين بالاعتماد على ما جاء في القران الكريم وأحاديث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم ما جاء في كلام العلماء والمفسرين وأهل السير والإخبار والتواريخ وعلماء الآثار والتاريخ حيث تمكنا من التوصل إلى توافق بين ما جاء في ديننا الإسلامي الحنيف وبين ما جاء في اكتشافات وتنقيبات علماء الآثار. فلم نجد من سبقنا في البحث عن يمان أهل العراق قبل الإسلام.
2- إننا واجهنا الكثير من الصعوبات في كتابة هذا البحث، فقلة المصادر وضبابية ترجمة اللغة السومرية واقتصار إعمال علماء امتنا الإجلاء رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته على بيان العبر والدروس في تفسيرهم للقران الكريم والذي لم يأتي على ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام أجمعين كقصص تاريخية إنما جاء على ذكرهم كعبر ودروس للمؤمنين، شكلت هي الأخرى تحديا إمامنا للتوصل إلى الحقيقة. فمثلا في كتاب البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله نجد أكثر من رواية للحدث الواحد حتى اختلفت بعض الروايات مع بعضها الأخر، أضف إلى ذلك إن ابن كثير نفسه لم يحدد لنا ما هي الرواية الأكثر صحة، إنما اكتفى بعرضها. ونفس الحال مع ما جاء في كتب القرطبي والطبري وغيرهم من علماء امتنا الإجلاء رحمهم الله.
3- إننا في كتابتنا لهذا البحث إنما قد قدمنا الهيكل العظمي إن صح التعبير في بيان حقيقة إيمان أهل العراق قبل الإسلام. أي إن بحثنا هذا يحتاج المزيد من الجهد والمتابعة والتنقيح والمصادر، خاصة من قبل أصحاب الاختصاص.
وبهذه المناسبة نكرر دعوتنا لكافة أبناء امتنا العربية والإسلامية المجيدة عامة ولأبناء بلدنا العراق العظيم خاصة وعلماء اللغة العربية والسومرية والعبرية وعلماء التفسير والحديث وعلماء الآثار والتاريخ بان يحثوا الخطى نحو بيان حقيقة إيمان أهل العراق قبل الإسلام وان لا يبخلوا على أجدادنا بالبحث والتحقيق المتخصص، لاسيما وان علماء امتنا الإجلاء رحمهم الله قد تركوا لنا باب البحث مفتوحا على مصراعيه بعد إن اكتفوا بعرض روايات من سبقهم.
إما عن مكانة أهل العراق عند الله عزوجل بعد ظهور ديننا الإسلامي الحنيف فقد تناولها الكثير من أبناء العراق والعرب والمسلمون بالبحث والتحقيق. خاصة وان العراق قد أصبح مركز إشعاع لنور الإسلام والتوحيد ولنور العلم والحضارة والازدهار وأصبحت بغداد عاصمة الخلافة للأمة الإسلامية برمتها ولقرون من الزمن.
4- سنخصص بإذن الله عزوجل بحثا خاصا ملحقا عن لغات أهل العراق القديمة وعن ترجمتها وعن معنى مفردة الإلهة عند العراقيين القدماء. وسنضيف بأذن الله عزوجل قسما جديدا للجزء الأول والذي سبق وان نشرناه لنعرض فيه بعض ما توصلنا إليه في خلق ادم عليه السلام وعلاقة ذلك بوادي الرافدين.
الهوامش :
1- الدكتور فوزي رشيد، الملك بنوخذنصر الثاني، 19-21.
2- المصدر نفسه، صفحة 38-43.
3- المصدر نفسه، صفحة 22-25.
4- المصدر، نفسه صفحة 74-76.
5- المصدر نفسه، صفحة 31.
6- سفر دانيال، الإصحاح الرابع.
http://st-takla. org/pub_oldtest/27_dan. html
7- سفر أرميا، الإصحاح الخامس والعشرون.
http://st-takla. org/pub_oldtest/Arabic-Old-Testament-Books/28-Jeremiah/Sefr-Armeya-Chapter-25. html
8- كتاب البداية والنهاية لأبي فداء الحافظ ابن كثير، المجلد الأول – الجزء الثاني، صفحة 34.
9- المصدر نفسه، صفحة 38.
10- المصدر نفسه، صفحة 39.
11- -انظر تفسير سورة البقرة الآية 102، للقرطبي والطبري وابن كثير وغيرهم من علماء التفسير.
12- عفيف عبد الفتاح طبارة، كتاب مع الأنبياء في القران الكريم، صفحة 275- 278.
13- انظر تفسير سورة الإسراء الآيات 4-8، للقرطبي والطبري وابن كثير وغيرهم من علماء التفسير.
وانظر http://www. alargam. com/numbers/end/4. htm
http://www. alargam. com/numbers/end/index1. htm
14- http://www. alargam. com/numbers/end/5. htm
15- العراق في التاريخ، تأليف لجنة من كبار المختصين العراقيين برئاسة الدكتور صالح احمد العلي رئيس المجمع العلمي العراقي، صفحة 155، رقم الإيداع في المكتبة الوطنية ببغداد 837 لسنة 1983، دار الحرية للطباعة.
16- المصدر نفسه، صفحة 172.
17- بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا:البعث بالتخلية وعدم المنع (البيضاوي)، وقال الزمخشري : ” خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال “، وقال ابن عطية : ” يحتمل أن يكون الله تعالى، أرسل إلى ملك أولئك العباد رسولا، يأمره بغزو بني إسرائيل، فتكون البعثة بأمر منه تعالى “.
18- http://www. 55a. net/firas/arabic/?page=show_det&id=1295&select_page=1
19- المصدر السابق.
20- اختلف العلماء في تحديد زمن بناء بيت المقدس فالبعض قال إن بيت المقدس قد تم بناءه بعد 40عاما من بناء المسجد الحرام والبعض الأخر قال إن بناءه تم في عهد سليمان عليه السلام.
21- انظر : عودة نبوخذنصر/الجزء الثالث : تفكيك وتدمير الكيان الصهيوني المسخ.
22- قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْجَوْس مَصْدَر قَوْلك جَاسُوا خِلَال الدِّيَار، إي تَخَلَّلُوهَا فَطَلَبُوا مَا فِيهَا كَمَا يَجُوس الرَّجُل الْأَخْبَار أَيْ يَطْلُبهَا ; وَكَذَلِكَ الِاجْتِيَاس. وَالْجَوَسَان بِالتَّحْرِيكِ الطُّوفَان بِاللَّيْلِ ; وَهُوَ قَوْل أَبِي عُبَيْدَة. وَقَالَ الطَّبَرِيّ : طَافُوا بَيْن الدِّيَار يَطْلُبُونَهُمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ ; فَجَمَعَ بَيْن قَوْل أَهْل اللُّغَة. قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَشَوْا وَتَرَدَّدُوا بَيْن الدُّور وَالْمَسَاكِن. وَقَالَ الْفَرَّاء : قَتَلُوكُمْ بَيْن بُيُوتكُمْ، وَأَنْشَدَ لِحَسَّان : وَمِنَّا الَّذِي لَاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّد فَجَاسَ بِهِ الْأَعْدَاء عَرْض الْعَسَاكِر وَقَالَ قُطْرُب : نَزَلُوا ; قَالَ : فَجُسْنَا دِيَارهمْ عَنْوَة وَأُبْنَا بِسَادَتِهِمْ مُوثَقِينَا.
23- العراق في التاريخ، تأليف لجنة من كبار المختصين العراقيين برئاسة الدكتور صالح احمد العلي رئيس المجمع العلمي العراقي، صفحة 171.
والله اعلم.
تم الجزء السادس بحمد الله وتوفيقه.