#الثورة_السورية وضرورات المرحلة
أكثر من خمسة عقود من الدكتاتورية والطغيان والاستبداد والظلم والفئوية وسرقة المال العام أصبحت اليوم في عداد التاريخ الأسود للدولة في سوريا، وقبرتها ثورة سوريا التاريخية التي امتدت ثلاثة عشرة عاما من الكفاح المتواصل والمحن التي عاش خلالها الشعب السوري أشد وأقسى عمليات الإبادة والتشريد، وبعد مكابدات وضحايا ودماء أهرقت على مذبح الحرية انتصرت الثورة السورية المباركة (وما النصر إلا من عند الله)، وهل انتهى الأمر هنا؟ بالطبع لا، فكل ثورة لابد من أن تكون لها ارتدادات، وأعداء يتربصون بها الدوائر، لذلك من الضروري التسلح بالوعي الكامل، وأخذ الحيطة والحذر كي تستكمل الثورة طريق البناء وصولا إلى تحقيق أهداف الجماهير المنشودة، فالقوى الداخلية لا تتفق كلها مع هيئة تحرير الشام عقيدة ومنهجا وإن ادعى بعضها عكس ذلك ومنهم ( اليساريون، البعثيون، القوميون السوريون الاجتماعيون، بعض الأحزاب الدينية…)، أما القوى الخارجية غير المتفقة مع هيئة تحرير الشام فهي كثيرة (أغلب الدول العربية وإن أظهرت عكس ما أضمرت) إضافة إلى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل.. فهؤلاء لا يتفقون مع الإسلام السياسي مهما كان شكله أو تسميته لأنه بنظرهم يمثل التطرف الديني غير القابل للتعايش مع الآخرين بروح العصر ومعطياته، لذلك هناك الكثير من التوجس والمخاوف على ثورتنا بعد إسقاطها للأسد وزبانيته، فهناك ماتزال ذيوله التي تشكل جيوبا سرية قابلة للتحرك في وقت من الأوقات، وأيضا بعض الأذناب التابعة لملالي إيران علما أن الشعب في سورية بأغلب شرائحه وفئاته يساند الثورة التي انتصرت شاء من شاء وأبى من أبى، ويتطلع لملامسة إنجازاتها في إعمار سورية، وازدهار اقتصادها وأمنها الوطني.
سوريا التي تحولت في مجملها إلى ركام من الأبنية والضحايا تحتاج من وجهة نظرنا والمهتمين الصادقين بشأن سوريا وانتصار ثورتها وشعبها إلى مناصرة شرفاء وأحرار هذا العالم بدءا من الدور الهام الذي يجب أن يلعبه أهل الفكر وأصحاب الرؤية الرشيدة.. نحتاج جميعا إلى المزيد من التنوير والإسهام بنقاء ووضوح ليطمئن قلبنا وقلوب المخلصين على مستقبل سوريا بعيدا عن إثارة الفتن وزرع اليأس في الأرجاء، ولنبني تصورا منصفا قد يكون قاعدة فكرية لأقلام مناصرة للثورة السورية لكي تبلغ أهدافها، ولندرك جميعا ونقر بأن الثورة السورية ورثت دولة من ركام دام معول الهدم فيها أكثر من خمسة عقود على يد عائلة الأسد وشركائها وما نشأ على الأرض من قوى وعصابات معادية للشعب السوري وجواره وهويته وتاريخه، هذا بالإضافة لما سبق ذلك من حقب تدميرية، وبالتالي فإن مسؤولية بناء سوريا الجديدة مسؤولية إقليمية ودولية إذ لا يمكن لأي حكومة وطنية سورية أن تنهض بمفردها بهذا الواقع الأليم والموروث الثقيل من دمار وخراب، فمجرد إعادة المهجرين والمشردين قد يتطلب مجهود دولة بكامل مؤسساتها تتفرغ لهذا الأمر دون غيره، ومن هنا فإن بناء المستقبل في سوريا مسؤولية دولية.
النوايا الطيبة لأبناء سوريا تجاه وطنهم حاضرة على الدوام ولا تنقصهم الكفاءات ولا الخبرات، وإني لأرى أن الحكومة المؤقتة الحالية هي أشبه بحكومة (تكنوقراط) لديها خبرات ستوظفها بالشكل الأمثل من خلال متابعتها الميدانية، وخططها الانتقالية، ويبدو أنها تسعى للتحرك بانطلاقة قوية لترسيخ قيم عملية تعطي النتائج المرجوة الصالحة للنهوض بالوضع السوري المعطوب بداية.
يعي قادة ثورتنا المباركة وشعبنا الواعي ضرورات المرحلة ومعطياتها بعد زوال تلك الحقبة السوداء إلى دهاليز التاريخ المظلمة، وفي سوريا الجديدة لن يكون هناك مكانا لمن تورطوا بدماء السوريين وأساءوا للسيادة الوطنية السورية، ولن يكون هناك من يمد يده لأعداء الثورة كملالي إيران وأتباعهم، وسنبقى في سوريا الثورة نترقب انتصار الشعب الإيراني وثورته وقيام جمهوريته الديمقراطية الحقيقية وفق برنامج المواد العشر الذي تتبناه زعيمة المقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي، وقد صرح ثوار سوريا بأن الشعب الإيراني شعبا صديقا يسعى لحريته جاهدا، وقد قدم الضحايا وسيقدم حتى يتخلص من طغاته الذين لاقوا الخزي والانكسار بعد تراجعهم وانسحابهم القسري أذلاء صاغرين من سورية هم وأذنابهم الذين استقطبوهم من كافة أصقاع الأرض إلى أن خرجوا يلملمون أذيال خيبتهم وسينالون جزائهم العادل على يد وحدات المقاومة التي سيكون سقوط الملالي على أياديهم في إيران، وإن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.
د. مصطفى عبدالقادر/ أستاذ جامعي – ألمانيا