من الواضح أن النظام العالمي عبر الأنظمة والحكومات الإقليمية وأدواتها التي طبقت سياسات الأحتواء على الثورة السورية كما غيرها من ثورات بلدان الربيع العربي وساهمت في التدمير والإنهاك الممنهج بشكل مباشر وغير مباشر مع النظام والإحتلال نجح إلى حد كبير حتى الساعة في مساعيه لجعل الموقف المبدأي الأولي من ثورة الكرامة السورية المعادي لها والرافض لإنتصارها ونجاحها بالمطلق هو واقع حال وخيار وحيد متاح للسوريين بعد قرابة خمسة أعوام من الثورة .
ويختصر الموقف الدولي في إعادة إنتاج النظام وتأهيلة من جديد كنظام مركزي وبالتوازي مع ذلك ساهمت عمليا تلك الأنظمة والدول بشكل مباشر وغير مباسر في تنفيذ التقسيم ميدانيا على أرض الواقع وهيئت الظروف للمرحلة الأولية منه وأسست له ووضعت قواعده وإن تشدق مسؤوليها بالتصريحات الإعلامية في خطابهم السياسي بسعيهم للمحافظة على وجدة الجغرافيا السياسية لسورية شكلا … لأن جل المعارك العبثية الدائرة منذ قرابة ثلاثة أعوام عبثية حصرت ضمن نطاقات محددة بخطوط حمراء وحتى الآن تصب في تهيئة الميدان والمجتمع السوري وتوفير البيئة وتجهيز الأرضية للتقسيم مع العمل على تحسين الموقع التفاوضي لكل طرف وكسب أوراق لا أكثر … أضف لذلك يتم التوافق مبدئيا على تقاسم النفوذ والمصالح وتبادل الأدوار وتوزيع الحصص والمكاسب وإن كان لم يستقر الوضع النهائي لذلك بعد .
كل ذلك يجري في ظل غياب كلي لأي رأي فاعل وعمل مؤثر فيما يحدث ومجريات الأمور وهامشية أي دور فعال للثوار الأحرار المجاهدين في سورية إلا كأدوات تنفيذ للأجندات عبر وكلاء للغير بينما يدفع الشعب السوري عامة والمسلمين خاصة – السنة – ثمن التمرد على النظام العالمي وتنزل بهم أقسى العقوبات المشددة – القتل والتدمير والتهجير الممنهج – جزاء ثورتهم – جريمتهم – ضد الإستبداد والإحتلال من أجل التحرر والتحرير والإستقلال لنيل الكرامة والذي إن تحقق لهم يشكل تهديدا مباشرا للأنظمة العربية والإقليمية وخطرا داهما يؤدي إلى زعزعة أمن وإستقرار النظام الدولي أجمع …
وقد تجلى الموقف الدولي والإقليمي واضحا جليا في ثمرة جهود الأطراف – أصدقاء وأعداء – المجتمعة لفرض ذلك والمخرجات التي توافق على خطوطها العريضة المتآمرون المؤتمرون في بيان ” فيينا ” … دعاة الحل السياسي المزمع تطبيقه كحل للـ ” الأزمة ” في سورية وينادون به من اليوم الأول للثورة ويردد ورائهم وكلائهم وصنائعهم من ما يسمى ” المعارضة السياسية ” و الفصائل المسلحة – المصطنعة والمدجنة – المنضوية مؤخرا رسميا تحت جناحها ببقبول وتبني ” الحل السياسي ” الذي يخالف منطق الأشياء – الثورات ضد الإستبداد والإحتلال – ولا يحقق الحد الأدنى الأولى والمبدأي من أهداف الثورة في أيامها الأولى إبان إنطلاقتها المباركة .
وقبل الحديث عن تبعات القبول بتمرير ” الحل السياسي ” المزعوم وفق السقف الجديد الذي حددته مخرجات ” فيينا ” في سورية والذي إنخفض كثيرا عن سقف مبادرة ” جنيف ” المرفوضة أصلا وما يشاع من تنحية لرأس النظام بعد فترة انتقالية – بصرف النظر عن مدتها – وبعيدا عن خيانة الدماء والشهداء والقضايا الأخلاقية والوطنية والدينية وغيرها من القضايا الأدبية والإعتبارية لا بد من الإشارة بإيجاز إلى قضية بالغة الخطورة تتعلق بالنظام الإستبدادي الشمولي الطائفي الذي إغتصب السلطة والدولة السورية منذ قرابة خمسة عقود بإنقلاب على الشرعية في حينه تبعه إنقلاب آخر على الإنقلاب الأول وتلسيط الضوء على تطوير النظام آليات الإستبداد في المرحلة الأخيرة من تسلطه لتناسب وتواكب عصرها في كل حقبة مقبلة .
فالنظام الإستبدادي الأسدي مر بعدة أطوار ومنذ منتصف الثمانينات وبعد الهزة التي كادت تطيح به لولا تداعي الجميع – النظام الدولي – لنجدته وتغاضيهم عن جرائمه بدأ الإعداد والتحضير لطور جديد يتناسب مع التطورات المتوقعة مستقبلا ويعتمد بشكل رئيس تدريجيا على الإستبداد عبر الإقتصاد … وكانت الفترة لغاية العام 1989 تحضيرية لهذه المرحلة حيث بدأ سياسة الإنفتاح الإقتصادي بعد أن سيقتها مرحلة التجويع الممنهج وتوجها بقانون الإستثمار رقم 10 في العام 1991 .
ودخلت السياسات الجديدة مرحلتها التنفيذية النهائية في العقد الأخير بعد نفوق المقبور وتوريث الإبن في العام 2000 وتسارعت وتيرتها قبيل إنطلاق الثورة حيث بلغت الذروة وإستحوذ النظام على كل ثروات البلاد وتحكم في مفاصل الإقتصاد وتحولت الدولة إلى ملكيات وإقطاعيات خاصة به بشكل مباشر أو عبر وسائط و واجهات مالية … وبالتالي فإن ” الحل السياسي ” المزعوم ومنه إجراء ” تنحي ” رأس النظام بعد فترة إنتقالية يعني مبدأيا ما يلي …:
1- التنحي يعني شرعية كل ما قام به الأسد ونظامه قبل الثورة وبعدها منذ إعتصاب السلطة قبل خمسة عقود .
2- منح الحصانة للنظام ومجرمي الحرب مع الإحتفاظ بمكاسبهم المادية .
3- شرعنة وجود العصابات الشيعية والعرقية المتعددة الجنسيات في سورية الغازية ومراعاة مصالحها وصيانة إستثمارتها .
4- المصادقة على جميع إلتزمات النظام والإتفاقات التي عقدها قبل وبعد الثورة وشرعنتها .
5- شرعنة المال العام المنهوب خلال خمسة عقود وتبيضه لاحقا عبر إعادة الإعمار وإلغاء أي إمكانية أو إحتمال لإستراجعها.
6- المصادقة على الإمتيازات التي منحها لإيران وروسيا وغيرهما من شركائه المباشرين وحلفائه .
7- الإلتزام بعقود التسليح التي أبرمها النظام وقتل بها السوريين ودفع المستحقات المالية المترتبة عليها .
خلاصة القول …:
بصرف النظر عن الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون عامة والمسلمين ـ السنة – خاصة في سبيل الحرية والكرامة على كافة الصعد يكون النظام قد نجا بفعلته ونجح في إكمال طوره الجديد – الإستبداد عبر الإقتصاد – … بضمان إحتفاظه بكل مكاسبه من الثروات العامة والخاصة المنهوبة خلال عقود وفوقها ما سلبه بعد الثورة والإقرار له بذلك كحق مكتسب وإسباغ صفة شرعية عليه وعلى حلفائه وشركائه في الجريمة على صعيد الأفراد والأنظمة مع تدمير ما لم يستطيع إغتصابه وتملكه، وبالطبع سيقابل ذلك شرعنة طبقة أمراء الحرب – صغار كسبة نسبيا – ووكلاء الطرف المقابل من المعارضة السياسية والمسلحة التي جنت ثروات في الثورة وسيعود نظام الإستبداد من باب واسع عبر بوابة الإقتصاد وتحت شعار إعادة الإعمار ” الإستعمار ” ورهن مستقبل سورية – المقسمة – لعقود قادمة إن لم يكن للأبد