الثمن الحقيقي لصفقة اعزاز
الحياة اللندنية: الياس حرفوش
من عقود مضت كان مشهد كالذي شهده مطار بيروت ليلة السبت يحصل بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية، في اطار صفقات التبادل بين الاسرى الفلسطينيين وجنود الاحتلال الاسرائيلي الذين تكون المقاومة قد نجحت في اسرهم او جثث من تمكنت من قتلهم. مشهد مماثل كنا نتابعه كذلك بين اسرائيل والمقاومة اللبنانية في وجه الاحتلال، ايام كانت المقاومة اللبنانية ما تزال تقوم بتلك الوظيفة.
لكن المشهد الاحتفالي الاخير الذي شهده مطار بيروت كان من نوع آخر. وهو يدلل الى مدى الانحدار الذي وصلت اليه حالنا العربية، والى السلوك المذهبي الفاقع الذي بات ملازماً لممارسات النظام السوري. انه تبادل بين مخطوفين لبنانيين ابرياء واسيرات محتجزات (وبريئات ايضاً) لدى النظام السوري، لم تنفع كل وسائل الضغط من ذويهن او من المنظمات الانسانية الدولية لاطلاقهن واعادتهن الى اهلهن. ولم يكن نظام دمشق يخضع لمطلب اطلاقهن الا تحت ضغط الصفقة التي تمت لمبادلة الاسرى اللبنانيين (الذين ينتمون الى طائفة ذلك النظام) بالاسيرات السوريات.
ليس هذا فقط. تأملوا قليلاً القيمة المعنوية التي يقدّر بها النظام السوري اسرى اعزاز، و»التضحية» التي قدمها لاطلاقهم! لو صح ان عدد الاسيرات اللواتي اطلقهن من سجونه هو 128 كما قيل، لافادتنا حسبة بسيطة ان كل اسير لبناني «كلّف» اطلاقه اخراج 15 سجينة من معتقلات النظام. هل يذكّركم ذلك بالاعداد المرتفعة من السجناء الفلسطينيين التي كان يفرج عنها الاسرائيليون مقابل كل فرد من جنودهم؟
ومثل الاسرى الفلسطينيين الذين كانت تحتجزهم اسرائيل في ذلك الزمن الغابر، لم ترتكب اولئك السوريات اي ذنب، سوى المطالبة بالحرية في بلادهن، وبانهاء مهزلة الوراثة السياسية في الجمهورية السورية السعيدة. غير ان تلك المطالبة هي الجريمة بعينها في نظر حاكم دمشق.
من المحزن ان يكون الامر قد وصل الى هذا الحد. لكن… هل كانت هناك وسيلة اخرى للضغط على هذا النظام الذي تفيض سجونه بالمعتقلين، بتهمة مزورة ومن دون تهمة؟ لا شك ان الخطف عمل مدان، في هذه الحالة وفي كل حالة اخرى مماثلة، عندما يتعلق الامر بخطف ابرياء. وخصوصاً ان هؤلاء المخطوفين لا يتحملون المسؤولية عن ارتكابات النظام السوري، ولا تربطهم به سوى رابطة وحيدة هي رابطة الانتماء المذهبي المشترك. لكن الذي تبين في النهاية ان هذه الرابطة وحدها هي التي دفعت هذا النظام (الذي لا يتردد في وصف نفسه بغير الطائفي والعلماني) الى انهاء محنة المخطوفين اللبنانيين في بلدة اعزاز والموافقة على مبادلتهم بالاسيرات من ابناء بلده، اللواتي يقبعن في سجونه من دون تهمة واضحة، سوى التهمة الشهيرة بـ «اضعاف الشعور القومي»، من خلال مطالبتهن باجراء اصلاحات سياسية.
في اجواء الاحتفالات بوصول الاسرى اللبنانيين التسعة الى مطار بيروت، لم ينتبه احد من المحتفلين هناك ان هناك طرفاً آخر في عملية التبادل تلك، هم اولئك الاسيرات السوريات اللواتي كان اطلاقهن هو «الثمن» الذي دفعه النظام في صفقة التبادل. لم ينتبه احد ايضاً الى خطورة الفرز المذهبي الذي كان واضحاً لكل عين. هل كان يمكن تصور ان يوافق نظام دمشق على اطلاق اسرى من سجونه لو كان المخطوفون الذين يبادلهم بهم هم من طائفة او مذهب آخر؟
رغم كل ما يقال عن جهود قطرية وفلسطينية (وحتى ايرانية) لانجاح صفقة التبادل الاخيرة، فان الحقيقة التي نجحت هذه الصفقة في اثباتها لكل عين ترى هي ان النظام السوري لا يعبأ الا بمصير من ينتمون الى طائفته، وان تجاوبه مع مطالب الخاطفين (من المعارضة السورية) الذين احتجزوا الاسرى اللبنانيين لم يكن الا بسبب الانتماء الطائفي لاولئك الاسرى.
اما الحقيقة الاخرى، التي قد تكون مفيدة للمسؤولين اللبنانيين، فهي ان احد هؤلاء المسؤولين استطاع اخيراً التعرف الى مكان اقامة اللواء علي مملوك في دمشق!
لعلّ وعسى!