ابتدعت السياسة اللبنانية شيئا سمّي، بكل بساطة، «الثلث المعطِّل» عندما اشترطت مجموعة 8 آذار لدخول أي حكومة، أن يكون لها عدد من الوزراء يكفي لنقض أي قرار لا تريده. إذن، هو ثلث لا يبني ولا يكمّل، بل يعطّل أو يفجّر الحكومة. ومعروف أن تشكيل أي حكومة بديلة في لبنان يستغرق شهورا بسبب الخلاف حول «الثلث المعطِّل».
روسيا طاب لها هذا الدور في شؤون ومآسي العالم. إنها لا تستطيع أن تقدّم أو أن تفرض حلا في أوكرانيا أو في سوريا، لكنها قادرة على تعطيل أي حل. عرقلت «جنيف1»، ونسفت «جنيف2»، وعرضت بديلا عنهما «موسكو1» الذي أظهر مدى الكارثة السورية وهزال الدور الروسي. والسبب أن موسكو فريق أو طرف بعد المؤتمرات، أو يدخلها بمواقف مسبقة غير قابلة للنقاش. ومنذ أن استخدمت الفيتو للمرة الأولى، تبين أن سوريا ليست أزمة معروضة للحل، بل قضية صراع جديد مع الغرب. وهو صراع مبتذل – من الجانبين – لا يأخذ في الاعتبار حياة البشر وحصانة الدول، بل مراكز النفوذ الدولي ومواقع أساطيله. وقد تجاوز عدد القتلى في سوريا 300 ألف إنسان، وصار القتال على أبواب دمشق، وما زالت روسيا تدعو إلى مؤتمرات مصالحة يحضرها رجال لا يملكون حق القرار في هدنة بين قريتين، فلا النظام يبدي أي اعتبار لجديّة الحليف، ولا المعارضة تبدي أي ثقة في دور الوسيط.
يذكَّرنا الروس بدور السوفيات. كانوا أكثر من صادقين في دعم العرب، وكانوا كرماء في السلاح والمساعدات، على الرغم من ضعف اقتصادهم، لكنهم لم يتمكنوا من إخراج المسألة من دائرة الحرب الباردة. ولذلك، لم يتجاوز دورهم مرة دور «الثلث المعطِّل». وعندما عقد «مؤتمر مدريد» حضروه مثل مراقب عادي، أو مثل الدنمارك في الأمم المتحدة.
الفيتو الروسي المكرر أخرج القضية السورية من الأمم المتحدة، حيث كان يجب أن تبقى، ليس لأن سجل المنظمة الدولية مشرف في حل المعضلات، بل لأن خروجها منها سوف يوسع دائرة النزاع ويكثر عدد العناصر المتداخلة. ولأن القرارات الدولية، في طبيعتها، تحفظ ماء الوجه للمتصارعين، وتحد من شطط النوايا، وتضبط حركة البقاء تحت سقف القانون الدولي.
أظهر الرفيق لافروف مهارة وشطارة بالغتين في تعطيل أي اتفاق لا تريده موسكو. كان أمامه الائتلاف (لا أذكر بقية الاسم) فصار أمامه «داعش» و«النصرة». وكان القتال حول الرقة، فصار حول الغوطة. وسَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ / وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ.
نقلا عن الشرق الاوسط