التهديدات الغربية لا تقلق بوتين

173646_Putin (1)ليونيد بيرشيدسكي

فقدت روسيا الكثير من شعبيتها، حتى صارت أكثر سُميَّة عن ذي قبل. وتعمل الولايات المتحدة وأوروبا من دون توقف لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الجديدة، وأكبر صندوق للثروة السيادية ينظر في قطع استثماراته في روسيا والتي تقدر بثمانية مليارات دولار، وبعض الناس في هولندا ينادون بترحيل كريمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

والسبب وراء أنه ليس شيء من ذلك له تأثير يذكر على بوتين، أو على المتمردين المحاصرين في شرق أوكرانيا – والذين أسقطوا طائرتين أوكرانيتين مقاتلتين أخيرا – يكمن في أنهم يعيشون في عوالم منفصلة عن الواقع، حيث لا تمثل مثل تلك القصص الإخبارية معنى حقيقيا لهم. والعالم الغربي، في واقع الأمر، لا يتحدث إلا مع نفسه.
والأخبار الكبيرة الصادرة اليوم حول العقوبات تفيد بأن ورقة الخيار المطروح التي وزعتها المفوضية الأوروبية تحوي اقتراحا يحظر على الأوروبيين شراء الأسهم والسندات الطويلة الأجل الصادرة عن البنوك الحكومية الروسية، والتي أصدرت عشرة مليارات دولار من الديون في الأسواق المالية الأوروبية العام الماضي. وإن ذلك، بلا أدنى شك، سوف يسبب ضررا كبيرا لأكبر بنكين روسيين، وهما «سبيربنك» وبنك «في تي بي»، لأنهما خاضعان لسيطرة الدولة هناك. ومع ذلك، فهما لا يزالان قادران على الاقتراض من آسيا ومن الولايات المتحدة كذلك، حتى تنتهج آسيا النهج الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك «سبيربنك» حاليا احتياطيا نقديا يقترب من 50 مليار دولار، وقيادته في ودائع القطاع الخاص هي من الرسوخ بمكان.
حتى إذا جرى فرض الحظر المذكور، وهو من غير المرجح حدوثه نظرا لأن الاتحاد الأوروبي منقسم على نفسه، فلن يتغير الكثير بالنسبة للبنوك المملوكة للحكومة الروسية. فالأسواق التي تشعر بالقلق من فرض المزيد من العقوبات، لم تسمح للبنكين المذكورين، على أي حال، بالكثير من الاقتراض. وخلال الشهر الماضي، أرجأ «سبيربنك» إصدار أول سندات اليورو الأوروبية منذ أن بدأ بوتين في تنفيذ مسرحيته المعروفة في شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) الماضي. أما بنك «في تي بي» فقد أصدر مبلغ 387 مليون دولار في سندات اليورو المدعومة بالفرنك السويسري، وهو مبلغ بسيط مقارنة بالبنك الذي يمتلك 267 مليار دولار من الأصول. وهو يفضل الاقتراض بالروبل في الأسواق المحلية هذه الأيام.
هبطت أسهم بنك «سبيربنك» و«في تي بي» في الأخبار، وكانت سوق الأسهم الروسية، بوجه عام، في حالة يرثى لها أخيرا – ولكن ليس بما يكفي لأن يسبب ذعرا لبوتين، حتى لو كان ينبغي عليه أن يكون هو نفسه المستثمر الرئيس. فقد مؤشر «RTS» نسبة 10 في المائة منذ التاسع من يوليو (تموز)، عندما ذهبت الآمال في وقف إطلاق النار في أوكرانيا أدراج الرياح، غير أنه لا يزال الآن عند نفس مستواه في نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي، قبل أن يتسبب بوتين في حالة من الذعر حينما طلب من البرلمان الموافقة على إرسال القوات العسكرية إلى أوكرانيا.
تفقد روسيا ارتفاع الأسعار الحالي في أسواق رأس المال العالمية، حيث تتدفق أموال المستثمرين على الأسهم الإندونيسية، والعملات التركية والجنوب أفريقية. وقد يكون ذلك كافيا لجعل أصحاب المليارات الروس يقضمون أظافرهم، لكن ذلك لا يكاد يكفي لحملهم على تمويل انقلاب على السلطة. حتى نية صندوق الثروة السيادية، المقدرة أمواله بـ890 مليار دولار في النرويج، في مراجعة الاستثمار بقيمة ثمانية مليارات دولار في السندات المالية الروسية، والحصة الكبرى منها هي نسبة 4.6 في المائة في بنك (في تي بي)، لا تعتبر تهديدا حقيقيا؛ فيمكن للصندوق بيع كل ممتلكاته دفعة واحدة وحماية استثماره ما لم يجبر على التصرف بخلاف ذلك وفقا لبعض العقوبات القاسية، ومثل تلك العقوبات ليست حتى محل النقاش حاليا.
ربما يتوقف بوتين لقاء التهديد بترحيل كريمته ماريا من هولندا، حيث يعرف عنه خوفه الشديد على بناته. غير أن بيتر برويرجيس، عمدة مدينة هولفيرسوم، والذي عبر عن مقترحه ذلك في مقابلة إذاعية، لا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت ماريا بوتين تقيم بالفعل في بلاده من عدمه (وتلك قصة غير مؤكدة لاكتها ألسنة الصحف الهولندية العام الماضي)، وقد تقدم العمدة باعتذاره عبر تغريدة على موقع «تويتر»، وعلى أي حال لم يتم ترحيل أحد.
تدهورت السمعة الروسية بوصفها شريكا للدول الغربية جراء غزو شبه جزيرة القرم، وهو توقيت سيئ للغاية بالنسبة للروس نظرا لأن الكثير من الناس يتابعون الأخبار. لقد استطاع بوتين وفريقه منذ فترة طويلة استيعاب تلك المخاطر وأقنعوا أنفسهم بأنهم يتعرضون للاضطهاد غير المبرر نظرا لأن روسيا هي العدو الدائم للغرب. أما بوتين، الذي توقفت شعبيته عند مستوى 83 في المائة – وهو مستوى لا يحلم به العالم الغربي، حتى مع الأخذ في الاعتبار هشاشة نتائج استطلاعات الرأي الروسية – قد صرح مؤخرا في اجتماع لمجلس الأمن خاصته بأن سلطاته لا يمكن تقويضها من الخارج. فقد قال «إن الوصفات التي تنجح لدى الدول الضعيفة العاجزة والممزقة بالخلافات والصراعات الداخلية لا يمكن أن تنجح هنا. إن شعبنا، مواطني روسيا، لن يسمحوا أو يقبلوا بذلك مطلقا».
أما المتمردون في شرق أوكرانيا، من ناحيتهم، فلا يعيرون الكثير من الاهتمام للبنوك الحكومية الروسية، أو صندوق النفط النرويجي أو كريمة الرئيس بوتين؛ فالجيش الأوكراني يفعل بهم ما يشاء ببساطة لأنهم قليلو العدد، وروسيا لن ترسل قواتها النظامية لدعمهم، ولن يتفاوض أحد بشروطهم، لذلك كل ما يستطيع المقاتلون فعله هو المحافظة على مقاومتهم ذات منوال البؤس المتصاعد.
وعند هذه النقطة، يمكن فقط وقف العنف بطريق التدخل العسكري الدولي قبل إبادة المتمردين ونزوع عصابات الهمج الباقية إلى شن الهجمات الإرهابية التي تماثل ما نفذته قوات الانفصاليين الشيشانيين المنهزمين على رأس القرن. ومثل ذلك التدخل العسكري لا يمكن تصوره مطلقا. ومع ذلك، ظلت العقوبات ذات المغزى بعيدة عن حيز التنفيذ بعد مرور أربعة أشهر على بدء الأزمة. سوف يتعين على الصراع متابعة مساره الاعتيادي، وسوف يتحتم على روسيا الحياة مع السمعة السيئة وإمكانات الاستثمار الضئيلة التي ترافقها. فقد تقبل بوتين بالفعل تلك التضحية وفسرها بأسلوبه الخاص.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
نقلا عن الشرق الاوسط

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.