اقر ماني التعاليم التنجيمية مثلما اقرها العديد من معاصريه . علاوة على انه نشأ في بلاد الرافدين ، وهي بلاد تبجيل النجوم ، وتم اظهار آرائه بطرق متعددة ، وكانت قانونا لاتباعه .
وكما عدّ ماني الشمس والقمر كائنين طيبين كانا الفعل الأداتين الرئيسيتين لاستعادة ذرات النور ، فقد عدّ بقية الكواكب ومنازل البروج على انها قوى شريرة وخبيثة .
هذا وقد تبنى المندائيون المنحى ذاته بأستمرار ، عدا عن انهم عدّوا الشمس والقمر بمثابة جزء من بقية الكواكب واشاروا لهذا السبب الى ” السبعة ، والأثني عشر ” على انها القوى المدمرة للوجود .
وكان موقف الزورانية حول هذه النقطة اكثر ترجيحا ، اذ شغلت الآراء التنجيمية والتأملات دورا هاما فيها . كما كان التنجيم وتبجيل النجوم عاملاً ثابتاً في الثقافة الهلنستية المتاخرة ، ولهذه الاسباب مجتمعة ليس من السهل تمييز المصدر الرئيسي لماني ، ومن ناحية اخرى يمكن ان يكون هناك شك خفيف في أن الحرانيين الذين وجدت العقيدة التنجيمية البابلية القديمة ملاذاً في ديارهم ، وقد أدلو بدلوهم واسهموا بعض المساهمة .
وهناك العديد من الامثلة في تعاليم ماني تم تدوينها في القفالايا ( الفصول) التي تعالج علامات منازل البروج ، وتهتم اولى هذه الاشارات بتوزيع الأثني عشر منزلاً بين عوالم الظلام الخمسة ، ومن ناحية ثانية فأن المخلوقات الخاصة بمنازل البروج لاتوجد داخل هذه الكواكب ، لكنها مسحوبة ومربوطة بالكرة السماوية او الدولاب .
وهكذا علينا ان ندرك انها مسحوبة من عوالم الظلام الخمسة ومربوطة بالكرة السماوية ، وانه قد خصص مخلوقين لكل عالم .
ويقول ماني نفسه ، انه هناك مخلوقان لكل عالم من العوالم خاصين بمنازل البروج ، ومع ذلك بما ان هناك اثني عشر برجاً وخمسة عوالم فعلى التنسيق يتبع هذا النمط:
1. القوس والجوزاء ينتميان لعالم الدخان
2.الحمل والأسد ينتميان لعالم النار
3.الثور والدلو والميزان تنتمي لعالم الريح
4.السرطان والعذراء والحوت تنتمي لعالم الماء
5.الجدي والعقرب ينتميان لعالم الظلام
وهؤلاء هم ” حكام الشر الأثني عشر ” ( القفالايا ــ الفصل 69 )
ورسم ” و. ستكمن ” المتخصص في علم التنجيم للعصور القديمة ، الابراج المذكورة وفق الترتيب السالف بشكل دائري ، متوخيا من هذا ان يوضح المعنى ، ويبدو انه قد نجح عندما قال ( من الواضح ان هذه لعبة بالمظاهر القطرية والثلاثية والتربيعية والسداسية ، كما ان التصنيف متناسق ) .
هذه هي نتائج التتابع للمظاهر التي نحن بصددها :
1. دخان قوس + جوزاء قطري ايجابي
2. نار أسد + حمل ثلاثي
3. ريح ميزان + دلو + ثور رباعي
4. ماء حوت + عذراء + سرطان سداسي
5. ظلام الجدي + العقرب قطري سلبي
واعتبر التنجيم المعاصر ان القطري والرباعي من بين هذه المظاهر سلبيان ، بينما الثلاثي والسداسي ايجابيين ، ويقع بالتالي الثلاثي والقطري الايجابي وراء القطري السلبي ، ثم تاتي الدائرة السلبية التي تنتج بدورها الثلاثي والسداسي الايجابيين ، والتنافر ناشيء عن التفاوت بين الرقمين ” 12 و 5 ” .
ويلحق بترتيب متناسب بالقطري السلبي والسداسي الايجابي ، اذ ان الاخير متقابل مع الاول السلبي ، وتؤكد هذه المعادلة المعكوسة للمظاهر المختلفة تشديد ماني على مايتعلق بالأبراج حيث يقول ( انها جميعا متعادية ومتخاصمة بعضها من بعض ) .
واستخدم ماني في المقطع الثاني من مقاطع القفالايا ( الفصل 68 ) نظاماً قسّم العالم بموجبه الى اربعة اقسام :
انقسم كل منها الى مثلثين متجاورين ، وتم توزيع الشارات الخاصة بدوائر البروج حسب التقسيم الثلاثي التالي :
المثلث الأول الحمل والاسد والقوس غرب/ شمال
المثلث الثاني الثور والعذراء والجدي غرب/ جنوب
المثلث الثالث الجوزاء والميزان والدلو شرق/ شمال
المثلث الرابع السرطان والعقرب والحوت شرق/ جنوب
واعطى ماني ملاحظة حول مختلف التكهنات المشؤومة ، لكن الغريب هنا انه تم تحويل النظام الفضائي الكوني الى نظام زمني ، فالمثلثات المشار الى توزيعها المشؤوم في دائرة البروج يصبح تأثيرها نافذ المفعول في بعض المدد الزمنية ، ومن المحتمل ان هذا قد يجلب الخير للعالم اجمع ..!
وهناك قوائم في الاصول التنجيمية تقوم بخلط الشارات المتعلقة بدائرة البروج مع التكهنات بحصول كارثة ما ، ويبدو ان ماني قد تبنى قائمة من هذا القبيل بالنسبة للمثلثات ، واضاف نظاما زمنيا الى النظام الفضائي ليس منطقيا تماما .
ويتم بيان الغموض الذي ظهر في تنجيم ماني في تقسيمه للزمن الى مدد ايضا ، فقد حرف المخطط الى حد ما ، ومع ذلك فان ( هنغ ) الذي عرض المسائل بشكل واضح وصحيح ، وقد صرح بدقة تامة قائلاً :
( لاتوجد دعوة لإنقاذ ماني لهذا التحريف الثانوي ، فقد قرره هو بالنسبة لعلم عصره وللافكار العلمية بشكل عام ، ولم تكن لديه اية رغبة ليكون رجل علم . بل مجرد كاهن ) ….