وصلنا على الإيميل عبر موقعنا على الإنترنت سؤال من الدكتورة ليلى محمد من مصر وفادية عاشور من لبنان ومحمد عبد القادر من تونس وغيرهم كثيرين – يسألون عن حكم الشرع فى التماثيل العارية وهل هى تعد أصنام وأغلب الأسئلة كانت بمناسبة الهجوم الذى وقع على صديقنا المستنير د خالد منتصر ؟
وللأجابة على هذا السؤال نقول :-
بدايةً بتوفيقً من الله وإرشاده وسعياً للحق ورضوانه وطلبا للدعم من رسله وأحبائه ، نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام ، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى ، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد ابن عبد الله –، ايضا نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لانفرق بين أحدً منهم —————- اما بعد
للاسف أن بعض الافكار الخاطئة وردت لنا من بعض كبار فقهائنا ومشايخنا الأوائل ،وللاسف سارا على نهجهم الكثير من مشايخنا المعاصرين كالقطيع دون تفكير ، فهم لم يدركوا الفرق بين ثلاثة أنواع وهى 1- الأنصاب 2-والأصنام 3- والتماثيل – فقد خلطوا بينهم فى الحكم رغم وجود فرقً كبير بين الثلاثة فى الحكم ، فالأنصاب حكمها أنها مكروهةً ، أما الأصنام التى تُعبَد من دون الله فهى محرمةً ، أما التماثيل فهى مباحة لا حرمة فيها ويستحب صنعها ، وندلل على ذلك بآيات القرآن الكريم كما فى قوله تعالى عن الأنصاب فى سورة المائدة آية 90 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) فالإجتناب هنا للكراهة للأنصاب التى كانوا يذبحون عليها – وأما قوله تعالى عن الأصنام فى سورة الانعام آية 74 (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) وفى سورة الشعراء آية 71 قوله تعالى (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ) وايضا مثلها أصنام قريش مثل اللاتَ والعزّى ومناةَ التى وردت فى سورة النجم ( (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى(19)وَ مَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأَخْرَى(20)أَلَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الْأُنثَى) فكل هذه أصنام كانت تعبد من دون الله، وكانوا يعتبرونها بذاتها الهة فتلك محرمة ،ولا يختلف أحد على تحريمها حتى من أتباع كل الأديان – أما النوع الثالث وهو التماثيل التى يصنعها الفنان المبدع الموهوب من الله كرمز لشخص مقدس أو كأبداع جمالى لخلق الله لعرض قصة قد حدثت فقد أمر الله الأنبياء بصناعتها وطلب منا ربُ العزة أن نشكرة على هذا العمل وهذا العلم والصنع الفنى الجميل كما ورد فى سورة سبأ آية 12و13 فى قوله تعالى ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) لاحظ قوله يعملون له مايشاء أى سيدنا سليمان من محاريب وتماثيل ثم يطلب الله منا أن نشكره على هذا الصنع وهذا التعليم بقوله اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ – والكلام واضح لا يحتاج لف وتاويل وهو مايعنى أن التماثيل التى تُصّنَع للجمال أو كرموز لشخصيات مقدسة ويعلم أتباعها أنها مجرد رموز وليست ألهة حقيقية مثل تماثيل بوذا وتماثيل العذراء مريم وتماثيل قصر النمرود وتماثيل الفراعنة والتماثيل التى يصنعها الفنانون الذى خصهم الله بهذه الموهبة وغيرها فهى تماثيل لا حرمة فيها ، بل أمرنا الله أن نشكره على الموهبة التى أعطاها لنا وعلمها لنا لإبداع مثل هذه التماثيل، ورغم أن الآية واضحة وصريحة ، إلا أن الكثير من فقهائنا ومشايخنا القدامى ومن صاروا على نهجهم من المعاصرين كالعميان أرادوا تحريم هذه التماثيل ، فتركوا الآية وذهبوا إلى مجموعة أحاديث غير صحيحة لإنقطاع سندها ، مثل حديث ابن عمر منسوب للرسول (ع) قوله (” إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّورَةَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) وايضا حديث عبدالله ابن مسعود منسوب للنبى (ع) قوله (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ المصُوِّرُونَ ) ايضا حديث آخر عن السيدة عائشة منسوب للنبى (ع) قوله ( أشدّ الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله ) ايضا وغيرها حديث منسوب لابن عباس عن النبى (ع) قوله ( كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فتعذبه في جهنم ) ايضا حديث أبى هريرة منسوب للنبى (ع) قوله ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير ) وحديث منسوب لأبى طلحة عن النبى (ع) قوله ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ) — وغيرهم من الأحاديث فى هذا الباب للأسف قد نُسِبَت زوراً للصحابة وللرسول ص ، بدليل إنقطاع السند فيها وعدم وجود مصدر ثابت لها ورغم ورودها فى الكتب المنسوبة زوراً للبخارى ومسلم إلا أنها أحاديث غير صحيحة ، وتتناقض تماماً مع نص الآية السابقة من سورة سبأ القاطعة المانعة الواضحة الدلالة بشكل صارخ
والخلاصة مما سبق :- هى أن مافعله صديقنا د خالد بعرض صورة لتمثال من حجر وليس لحم ودم فلا حرمة فى ذلك لعدم ورود نص يحرم ذلك ولا يُعد مخالفاً لشرع الله — وطالما أن الأعضاء التناسلية مغطاة ذلك اذا أردنا أن نتزيد ونساوى التمثال بالإنسان الحى فنأخذ ماحدث لأدم وحوا مثال عندما هبطا للارض فقد غطيا اعضائهما التناسلية بأوراق الشجر والريش فقط كما قالت الآية ( يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون ) ص ق — سوأتكم أى الأعضاء التناسلية ، ونقول للسادة السائلين أن من هاجم د خالد شخص جاهل من اشباه الرجال معطوبى العقل لا تأخذ منهم الفتوى فكيف نثق فى من يأكل على كل الموائد وعديم المبدأ والضمير والشرف وقد ضبط متلبساً بالكذب عشرات المرات فمثل هؤلاء إتبعوا شرعاً فاسداً وهم ملعونون من الله فى الدنيا والأخرة .
هذا وعلى الله قصدُ السبيل وإبتغاءِ رِضَاه
الشيخ د مصطفى راشد عالم أزهرى ورئيس الإتحاد العالمى لعلماء الإسلام من أجل السلام ومفتى استراليا ونيوزيلاندا وعضو نقابة المحامين وإتحاد الكُتاب الأفريقى الأسيوى ورئيس منظمة الضمير العالمى لحقوق الإنسان