التقية والمعاريض بالسياسة العربية المعاصرة !
طلال عبدالله الخوري
اظهرت وثائق ويكيليكس, ما كنا نعرفه ونعيه مسبقا, بان الحكام والسياسيون العرب, وعلى جميع المستويات, لديهم خطابين متناقضين. الخطاب الاول يستخدمونه لمخاطبة شعوبهم, من اجل تخديرهم وتضليلهم, من خلال الخطابات الرنانة والعنجهيات الفارغة والبطولات الدون كيشوتية. بالاضافة الى ذلك فهم يستخدمون المؤسسات الدينية ورجالها, المعينين والمومولين من قبل حكامنا المستبدين, لاظهارهم بمظهر الاتقياء الورعين وحاميين حمى الاوطان والمذيدين عن حدودها. هذا الخطاب الساقط, الذي يصمون به اّذاننا, ليل نهار, من خلال احدث وسائل الاعلام والتقنيات المختلفة …
الخطاب الثاني, يستخدمونه لتلميع صورتهم بالغرب, وتشويه صورة شعبهم ومواطنيهم ,واظهارهم على غير حقيقتهم, هذا الخطاب الاخيرموجه فقط للدبلوماسيين الغربيين, ويتم خلف الكواليس ووراء الجدران المغلقة وبسرية تامة, من اجل اقناع الغرب بعدم الضغط عليهم في المسائل التي تقض مضاجعهم وتنكد عيشهم وتهز عروشهم وهي الحرية, والديمقراطية والمساواة بين المواطنين وحقوق الانسان.
سأحاول في هذه السطور ان افضح استخدام السياسيين العرب للتقية والمعاريض ,المحللة اسلاميا, ضد شعوبهم من اجل تكريس الاستبداد والفساد والحفاظ على كراسيهم وتوريثها لابنائهم كما تورث المزارع, وذلك من خلال المحاور التالية: خطاب الحكام والزعماء العرب لشعوبهم, خطاب الحكام والزعماء العرب للغرب, والخاتمة.
ماذا يقول الحكام والسياسيون العرب لاميركا والغرب وراء الكواليس؟؟
عندما يلتقي الحكام والسياسون العرب بنظائرهم الغربيين, يكونون محملين باثمن الهدايا وانفسها على الاطلاق (راجعوا الوثائق التي اصدرها البيت الابيض والحكومة البريطانية بهذا الشأن), وتحت مسمى الكرم العربي. ونحن نشك كثيرا بكرمهم , فما معنى ان تسرق شعبك وتكرم به على الاخرين؟؟ هذه الهدية السخية تكون مفتاح لهم , لتقديم انفسهم على انهم حلفاء مخلصين للغرب, على عكس شعوبهم المتدينة والمتطرفة, والتي تعادي الغرب.
هم يستخدمون كل اساليب التملق والكذب والتذلل لاقناع الغرب بعدم جدوى الديمقراطية لشعوبهم, لان الديمقارطية ستجلب الاسلاميين والمتطرفين ,المعادين للغرب, للحكم. وهم ايضا يخوفون الدبلوماسيين الغربيين من الاثار الكارثية على مصالح الغرب , مثل اغلاق اسواق بلادهم بوجه البضائع الغربية والتوقف عن تصدير المود الاولية الرخيصة والمستخرجة من باطن الارض. كل هذه المصالح ستتأثر سلبا اذا جاء معارضيهم الى السلطة عوضا عنهم , لذلك ينصحون الغرب بعدم الضغط عليهم من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان !!
والانكى من هذا كله, انهم يصورون التدين والتطرف على انه مطلب جماهيري حيوي لشعوبهم , وانه ليس هناك اي قدرة على الوقوف بوجهه. ومن اكاذيبهم ايضا,فهم يدعون انه مجرد المساس بالمعتقد الديني, ستقوم الثورات العارمة التي تؤدي الى عدم الاستقرار, وهز المصالح الغربية في بلادهم.
طبعا الحقيقة هي عكس ذلك, فالاسلام حمال اوجه, والمؤسسة الدينية ورجالها يتصرفون باوامر السلطان. وبهذا يستطيع الحاكم ان يصدر اي فتوى يريدها! ولكن الحكام يريدون ان يكون الدين اداة لاستعباد شعوبهم وتنكيلها.
لم يعد سرا بان جميع الدول العربية تقيم علاقات كاملة مع اسرائيل اما علنا ورسميا مثل مصر والاردن وقطر, او بالخفاء مثل بقية الدول العربية. ومن المفارقات ان جميع الدول العربية التي تحيط باسرائيل, تخطب ود اسرائيل ودعمها من اجل اقناع الغرب بدعم استقرار انظمتهم السلطوية وبتخفيف الضغط على الحكومات العربية في مسائل الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان. والثمن الذي تحصل عليه اسرائيل مقابل هذا الدعم هو التعهد السري بأمن اسرائيل والتعاون معها بشتى المجالات السياسية والاقتصادية والامنية. نحن هنا لسنا ضد المصالح المتبادلة, ولكن نحن ضد استغفالنا واستغبائنا وطعننا من الخلف من قبل حكامنا الاشاوس!
كيف يخاطب الحكام والسياسيون العرب شعوبهم؟؟
يسعى الحكام العرب , بابقاء شعوبهم تحت التخلف , وغسل ادمغتهم بالموروث الديني ليسهل عليهم قيادتهم واستغلالهم . لقد وجد الحكام العرب ان افضل شماعة لتعليق اسباب وصول بلادهم الى موخرة الامم بكل المجالات الاقتصادية والعلمية والسياسية, هي مهاجمة اميركا المتكبرة والمتغطرسة والغرب الكافر واسرائيل مغتصبة الارض , ليل نهار من خلال وسائط الاعلام المختلفة فقط لا غير. فامريكا هي تتأمر علينا وهي سبب تخلفنا وفقرنا ؟؟ وكل ما يجب ان تفعلوه يا ايها المواطنين هو ان تدهبوا للمساجد لكي تشتموا خلف شيوخكم امريكا واسرائيل , وتدعونا بسلام نحكمكم الى الابد؟ وكل من يطالب بالحرية والعدل والمساواة والديمقراطية, فهو عميل امبريالي, يعمل لصالح الغرب, لكي يحرفنا عن الصرط المستقيم, والنضال ضد الامبريالية والصهيونية واسرائيل؟ فكل شئ مؤجل الى ما لانهاية حتى ننتصر على الامبريالية والصهيونية؟ تصورا انهم يصورون علاقاتهم مع اسرائيل على انها تقية وحنكة سياسية محللة شرعيا؟ فالزعماء العرب بلا شك ابطال اسلاميين لن يفرطوا بذرة تراب واحدة. وسيحررون جميع الاراضي العربية المحتلة من فسلطين الى لواء اسكندرون وكليكية وعربستان مرورا بالجزر الاماراتية طنب الكبرى والصغرى؟
نحن نعرف ايضا بان السياسيين الغربيين تعلموا في الاكاديميات السياسية بانه لا يوجد بالسياسة عدو دائم او صديق دائم ولكن هنالك مصالح دائمة. نحن لا نقول بان السياسيين الغربيين هم ملائكة ومنزهين , ولكن هم يستخدمون كل التقنيات السياسية , والهوامش المسموحة بها لكي يفعلوا الافضل لمصلحة بلادهم وشعبهم , ولا يدعون بتشريعات سياستهم من الله, وليس لهم اهداف ضد مصالح شعبهم كالاستبداد وتوريث الحكم للابد؟
نحن نقول لنتنياهو الذي فرح لفضح وكيليكس لازدواجية الحكام العرب امام شعوبهم: لا تفرح يا نتانياهو من كشف وكيليكس لكذب الحكام العرب لان هذا مشرعا ربانيا بلاسلام , وتبريره موجود الهيا؟
من هنا نرى ان هناك ازدواجية بالخطاب السياسي العربي بين ما يقال للشعب وما يقال بالخفاء. يستخدمون لذلك ما توارثوه وما اتقنوه ابا عن جد من التقية والمعاريض الاسلامية . فاولا واخيرا, الشعب العربي هو الاسلام ..والاسلام هو الشعب العربي ..الحكام العرب هم الاسلام , والاسلام هم الحكام العرب. لم يفعل حكامنا المستبدون اي شئ خارج الشريعة المحللة الهيا, فهم اولا واخيرا امتداد تاريخي وطبيعي للحكم الاسلامي الذي بدأ قبل 1430 سنة وما زال مستمرا على نفس المنهاج ولم يتغير اي شئ. وكما يقال: وكما يولى عليكم تكونون , ونحن نضيف, وكما تعتقدون وتؤمنون تكونون.
هوامش
تعريف التقية كما جاءت بموقع زاد المعاد:
التقية في اللغة : الحيطة والحذر من الضرر والتوقي منه ، والتقية والتقاة بمعنى واحد ، قال تعالى : ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ) (1)أي : تقية ، بالاتفاق(2). قال ابن منظور : وفي الحديث : «قلت : وهل للسيف من تقية ؟ قال : نعم، تقية على اقذاء، وهدنة على دخن» ومعناه : إنّهم يتقون بعضهم بعضاً، ويظهرون الصلح والاتفاق وباطنهم بخلاف ذلك (3).
وفي الاصطلاح : فقد عرفها جمع من علماء المسلمين بألفاظ متقاربة وذات معنى واحد . فهي عند الشيخ المفيد (ت | 413 هـ) عبارة عن : (كتمان الحق ، وستر الاعتقاد فيه ، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا) (1). وعرفها الشيخ الاَنصاري (ت | 1282 هـ) بـ (الحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق) (2). وقال السرخسي الحنفي (ت | 490 هـ) : (والتقية : أن يقي نفسه من العقوبة ، وإن كان يضمر خلافه) (3)، وبهذا النحو عرّفها آخرون (4).
تعريف المعاريض كما جاءة بمنتديات دار الحديث بمأرب
تعريف المعاريض: فأخرج الإمام البخاري رحمه الله في كتاب ” الأدب المفرد ” بإسناد صححه الألباني عن مطرف بن عبد الله قال : صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة ، فما أتى علينا يوم إلا أنشدنا فيه الشعر ، وقال : إن في معاريض الكلام لمنْدُوحَة عن الكذب .) وأخرج فيه أيضا رحمه الله بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال عمر : ( أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب ؟ )
والمعاريض والمعارض – بإثبات الياء أو بحذفها – من التعريض بالقول ، قال الجوهري : هو خلاف التصريح ، وهو التورية بالشيء عن الشيء . وقوله : ( مندوحة ) أي : فسحة ومتسع ، ندحت الشيء إذا وسعته ، والمعنى : أن في المعاريض ما يغني عن الكذب .
http://www.zaad.org/books/index.php?id=362
http://mareb.org/