التغيير… حلم كاذب…؟؟..!!!..

في علم النفس هناك مفهوم الوعي الذي نسمع به كثيرا و يستخدمه الجميع لأغراض مختلفة و متناقضة… لهذا السبب muf55استحدث بعض المفكرين الماركسيين (انجلز و اخرون فيما بعد) مفهوم الوعي الكاذب

False Consciousness

و الذي يشير الى التأثير الخادع للأيديولوجيا و لدور المؤسسات في النظام الرأسمالي على البروليتاريا ….

ربما تجاوز الزمن هذا الكلام لكن من المؤكد ان دور الاعلام قد توسع كثيرا في العالم اجمع و اصبح تأثيرها اكثر عمقا في نفوس الناس و في وعيهم و العراق ليس استثناء … و هذه الحقيقة تطرح الكثير من التساؤلات حول الخطاب السياسي للأحزاب و التكتلات و خاصة في موسم الانتخابات… كما انها تعيد طرح فكرة دور المفاهيم و علاقتها بالتطور الاجتماعي…

و رغم ان هذه التساؤلات تشمل الخطاب السياسي لجميع الأحزاب لكن ادري كيف ينظر الماركسيون اليوم الى هذامفهوم الوعي الكاذب و هم ينشطون في ترسيخ نظام متهرئ من احلام “ديمقراطية” ليس لها علاقة بالواقع… فهم مثل غيرهم يتحدثون عن التغيير شعارا سياسيا غير قابل للتحقيق … لا في الدنيا و لا في الآخرة … اي لا في ظل الحكومات القائمة و لا في ظل من قد يأتي لاحقا..

لكن لكي نعطي الموضوع مصداقية اكبر لابد ان نلقي نظرة عامة على المشهد حيث يكثر الكلام هذه الأيام في العراق عن التغيير…لا بئس في ذلك… فنحن في موسم الانتخابات و في المواسم تتحدث الناس عن أشياء لا تعنيها… في موسم الأعياد يتحدث الناس عن الأفراح و الأحلام و المشاريع الوهمية … و في لحظات الأحزان يظهر الناس معاني الأخوة و الجدية في التضامن و تطلق وعود تنتهي اجلها مع رفع خيام مجلس التأبين …

هل تعكس طبيعة هذا النوع من لغو الكلام او لهو الحديث ( نقتبس من القرآن) وعيا حقيقيا ام كاذبا..؟؟… ربما الفاصل بين الوعي الحقيقي و الوعي الكاذب هو معرفة الحدود بين فكرة التغيير و الإمكانيات الواقعية لتحقيقه… فالوقائع على الارض يتم تجاوزها بوعي او من دونه و يتم سلخ مؤشراتها في الحياة اليومية للناس و يتم زرع وعود و احلام في مخيلة الناس لا تنتمي الى عالم وعيهم الحقيقي…

هكذا هي أيضاً حال موسم الانتخابات فالاحزاب و الشخصيات المرشحة و اتباعهم و أسيادهم يتحدثون عن ضرورة التغيير لان الجميع يشعر انها حاجة ضرورية لحياة الناس لكن الواقع لا يتعلق فقط عن استحالة التغيير بسبب الصعوبات الواقعية و إنما أيضاً بسبب مفهوم التغيير نفسه لانه ببساطة يعني أشياء متعارضة و متناقضة مع بعضها فما يعنيه هذا الحزب او ذاك بالتغيير هو في الغالب معاكس تماماً لما يعنيه غيره و لذلك في المحصلة النهائية فان رغبات الأحزاب المختلفة تنتهي عند الحفاظ على الوضع كما هو لان ذلك يضمن بقاء وجودها كما يضمن الحد الأدنى من المصالح… و على هذا الأساس يتحول التغيير من هدف يسعى الجميع لتحقيقه وفق الخطاب السياسي الى عدو يتهرب للجميع من مواجهته فور البدء في رفع الصور و الشعارات من الشوارع بعد انتهاء الانتخابات…

هنا يعود الجميع الى لعبة التوافق او لعبة المؤامرات و الدسائس … كل حسب ظروفه و غلته من الأسهم و المصالح… هكذا جرت في الانتخابات السابقة و هكذا ستجري الامور بعد ايام و ربما في المستقبل أيضاً طالما ان الامور تترسخ كل يوم… الطائفية و الديمقراطية التوافقية و حكم المليشيات و الاوليجاركية الاقتصادية وثقافة عسكرة التكفير و الأحقاد التاريخية و التشظي الاجتماعي…

كل هذه الامور و أشياء كثيرة اخرى رسمت تاريخاً و حفرت حقائق من الصعب تجاوزها…. عندما فكر الأمريكيون في اعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية كان نوري رئيساً للوزراء و لذلك اصبح هو المحور الذي تدور حوله عجلة اعادة البناء… فتم ربط المدارات العسكرية و الاجتماعية به… و نجحت الفكرة و التجربة تطورت مع الأيام … ترسخت و توسعت … و كل ما فعله المنافسون هو انهم سعوا الى بناء بدائل لا تختلف عن جوهر هذه التجربة… فظهرت مأسسة محلية و طائفية هنا و هناك… دارت صراعات سياسية و دموية و ما تزال تدور لكن الجميع توصل الى نوع من توازن الرعب مبني على أساس قناعة ان لا احد يستطيع ان يزيح الاخر و لذلك لابد من التعايش التوافقي او المصلحي …

هذه هي تجربة الولايات المتحدة … التعايش المصلحي بين الحزبين الجمهوري و الديمقراطي رغم الصراعات و الاختلافات التي قد تؤدي في بعض الأحيان الى الإزاحة القسرية لبعض الوجوه (قتل كندي و استقالة نيكسون) لكن الحالة التوافقية لم تتغيير أبدا و الوجوه تتغيير وفق ضرورات اللحظة التاريخية للحفاظ على النظام العام داخليا و الهيمنة العالمية خارجيا…

في العراق يملك البعض طموحات للهيمنة خارج الحدود بينما يسعى الجميع للهيمنة على الاخر داخليا و لكن دون ان يلغي او يغير توازن الرعب او التعايش التوافقي المصلحي…. رغم ان هذا التوازن يكلف العراقيين الكثير من الدماء و يكلف الفقراء لقمة عيشهم… و لذلك فان موسم الانتخابات هو في أحسن الأحوال سوق عكاظ تفتح فيه منابر الخطابة و الشعر السياسي تسعى الأحزاب من خلالها الى الحفاظ على اسمها اكثر من اي شيء اخر لان البرلمان … كما يعرف الجميع… ليس له اي دور حقيقي… بينما تتخذ القرارات بالتوافق بين الأحزاب بعيدا عن البرلمان..

هذا هو الواقع الذي نراه…و لا ندري ان كنا ندري او لا ندري… فان كنا في وعي كاذب فكل ما نقوله هو نابع من تصورات وهمية… اما اذا كنا في وعي حقيقي فالكلام عن التغيير هو هروب من الواقع و بالتالي هو كلام عن حلم كاذب…

هل هناك من يدري… ؟؟… حبي للجميع..

أكرم هواس (مفكر حر)؟

About اكرم هواس

د.اكرم هواس باحث متفرغ و كاتب من مدينة مندلي في العراق... درس هندسة المساحة و عمل في المؤسسة العامة للطرق و الجسور في بغداد...قدم الى الدنمارك نهاية سنة 1985 و هنا اتجه للدراسات السياسية التي لم يستطع دخولها في العراق لاسباب سياسية....حصل على شهادة الدكتوراه في سوسيولوجيا التنمية و العلاقات الدولية من جامعة البورغ . Aalborg University . في الدنمارك سنة 2000 و عمل فيها أستاذا ثم انتقل الى جامعة كوبنهاغن Copenhagen University و بعدها عمل باحثا في العديد من الجامعات و مراكز الدراسات و البحوث في دول مختلفة منها بعض دول الشرق الأوسط ..له مؤلفات عديدة باللغات الدنماركية و الإنكليزية و العربية ... من اهم مؤلفاته - الإسلام: نهاية الثنائيات و العودة الى الفرد المطلق', 2010 - The New Alliance: Turkey and Israel, in Uluslararasi Iliskiler Dergisi, Bind 2,Oplag 5–8, STRADIGMA Yayincilik, 2005 - Pan-Africnism and Pan-Arabism: Back to The Future?, in The making of the Africa-nation: Pan-Africanism and the African Renaissance, 2003 - The Modernization of Egypt: The Intellectuals' Role in Political Projects and Ideological Discourses, 2000 - The Kurds and the New World Order, 1993 - Grøn overlevelse?: en analyse af den anden udviklings implementerings muligheder i det eksisterende system, (et.al.), 1991
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.