عندما أعلن ماو تسي تونغ ما سماه «الثورة الثقافية»، كان أول ما فعله في «الثورة الثقافية» إغلاق المدارس، جميعها. كانت يونغ تشانغ يومها في الرابعة عشرة. خرجت من المدرسة لتعمل، في أي شيء. فعثرت على عمل كممرضة في طب الإبر، وكعاملة كهرباء، وكعاملة في مصنع للفولاذ. لم يكن هذا حلمها. لا غرز الإبر ولا الكهرباء ولا الفولاذ.
عندما أعيد فتح جامعة سيشوان، منطقتها، انتسبت إليها لتعلم اللغة الإنجليزية. وفي 1978 حصلت على منحة للدراسة في بريطانيا، بعدما كانت أبواب السجن الصيني قد فتحت. انتهى الأمر بعد سنوات بدكتوراه في الألسنيات، وانصرفت تشانغ إلى التأليف. أهم أعمالها «بجعات برية» (دار الساقي)، وقد كتبت عنه في طبعته الأولى، و«ماو». وقد كتبت عن صدوره بالإنجليزية.
أعود اليوم إلى الدكتورة تشانغ، بعد مقابلة لها مع «صنداي تايمس» تقول فيها، وما أجمل هذا القول، إن معلمتها الأولى أمها. كما تقول إن ماو انتصر عليها، لأن الصينيين لا يزالون يعبدون جثته، وكتبها لا تزال ممنوعة هناك.
ترجمت مؤلفات تشانغ إلى 40 لغة، وباعت 15 مليون نسخة. ماذا يعنينا ذلك؟ يعني أن السيدة لو ظلت عاملة كهرباء بلا علم لكانت الآن تشقى في أحد مصانع سيشوان. التعليم جعل منها صوتا عالميا في عالم الرجال والنساء على السواء. إغلاق المعاهد في الثورة الثقافية الصينية هو تماما مثل الجرائم التي ترتكبها منظمة «بوكو حرام» في نيجيريا، أي المنظمة التي تحرم العلم والكتب. لكن يجب أن ندرك أن الذين يمولونها ويدعمونها ويحرضونها على القتل، من النوع الذي يجيد القراءة تماما، ولو أنها قراءة في كتاب القتل والموت وتدمير العالم الإسلامي.
السيدة تشانغ مثال على أمرين: الأول، على الصين بعد ماو، والثاني، على المرأة المتعلمة. أي شوط قطع كلاهما، الوطن ومواطنته. الصين التي تصورها لنا في «بجعات برية» كانت بلد القرون الوسطى والمجاعات. الصين التي توضع فيها أقدام المولودات في قالب حديدي لأن الرجل يفضل قدم المرأة صغيرة.
يشبه ذلك العصر في الصين العصر نفسه في عصر الإمبراطورية التركية، أو في روسيا القديمة، أو في بوادي منغوليا. كان سفير الصين في بيروت، أواخر التسعينات، سيدة في جمال وابتسامة مسرح الدمى الصيني، لكنها كانت تمثل بعلومها ولغاتها ومعرفتها بالعالم العربي مليارا و200 مليون صيني. وربما كانت أول سفير لا يخاف اللبنانيون الاقتراب منه. ليس خوفا منه، بل خوفا عليه، لأن سكرتيره سوف يكتب عنه تقريرا يقول فيه إنه التقى عملاء البورجوازية الرجعية الذيلية الانحرافية الإمبريالية الرجعية. كم يبدو ذلك العالم السقيم البليد بعيدا اليوم. وكم لا تحب الناس أن تتذكره. المؤلفون مثل السيدة تشانغ، يذكروننا به فقط من نوع الإنذار.
منقول عن الشرق الاوسط