روزانا بومنصف
في الشق الذي خصصه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله للوضع اللبناني من خطابه يوم الجمعة الماضي والذي تمحور على شن حملة على المملكة السعودية لمبادرتها الى شن حملة عسكرية لاستعادة الشرعية الى اليمن، “استل” اسم العماد ميشال عون بحيث اتهم في السياق نفسه وزير الخارجية سعود الفيصل بعرقلة وصول الاخير الى رئاسة الجمهورية راميا كرة تعطيل انتخابات الرئاسة في خانة السعودية. وفيما يرد السيد نصرالله بذلك على واقع العرقلة الحاصلة للانتخابات الرئاسية والتي يتحمل فريقه جزءا كبيرا منها، فانه بدا في الوقت نفسه كأنه يهدد نهائيا فرصة وصول حليفه، في حال كانت ثمة فرصة اساسا مما لا يعكس واقع الامور، التي لم يعد يراها كثر حتى من بين مناصري فريق 8 آذار. فاستخدام اسم الجنرال عون في معرض الايحاء بان الحزب ليس وحيدا على الساحة الداخلية وله حلفاء اقوياء من طوائف اخرى ادرج حليفه في معمعة الصراع المحتدم السني – الشيعي في المنطقة بحيث ينبئ بتحويله ورقة تفاوض متى حان الوقت لذلك من اجل الافراج عن الانتخابات الرئاسية. ومن جهة ثانية فان الخطاب الناري الذي شن فيه حملة على السعودية وعددا من الدول العربية بالتزامن مع الدفاع الشرس عن ايران من شأنه ان يأخذ حليفه المسيحي بجريرته بغض النظر عن واقع تأييد العماد عون لموقف “حزب الله” والمحور الايراني في هذا الشأن ام لا.
الا ان الالتباس الذي احاط بموقف لبنان الرسمي من القمة العربية والتطورات الاخيرة في اليمن ألقى بظلال قاتمة على امكان أو احتمال وصول رئيس للجمهورية محسوب على فريق أو ينتمي اليه في مقابل تعزيزه فكرة البحث عن رئيس توافقي. هذا الالتباس شهره اولا اداء الديبلوماسية اللبنانية ممثلة بوزير الخارجية الذي ينتمي الى الفريق الحليف لـ”حزب الله”. فالوزير جبران باسيل ارتبك في اجتماع وزراء الخارجية العرب في التعبير عن موقف لبنان الذي حمله موقف السيد نصرالله اكثر مما يحتمل من ضمن بيئته العربية وموقعه ووضعه على كل الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فعبر عن موقف غير مفهوم من نص القرار الذي صدر عن القمة الا وهو النأي بالنفس على غرار ما قرره لبنان الرسمي من الازمة السورية. وليس سهلا المأزق الذي وجد فيه باسيل نفسه في الوقت الذي لا يمكن لبنان ان ينأى بنفسه عن كل القضايا العربية وهو اعتمد هذا الموقف المتمثل في اعلان بعبدا نسبة الى الازمة السورية ليس الا في حين ان حليفه الاساسي أي “حزب الله” رمى النأي بالنفس في سلّة المهملات. لكن باسيل اضطر الى استعادتها ليشهرها بالنسبة الى الاجماع العربي في اليمن ما عبر عن ارباك ليس متصلا بواقع البلد فحسب بل هو مرتبط أيضاً بواقع موقفه كفريق سياسي ايد ابتعاد الحزب عن سياسة النأي بالنفس في ما خص تدخل “حزب الله” في سوريا. ولاحقا وصف العماد عون من يحارب خارج ارضه بالقبضاي في اشارة الى الحرب التي يقوم بها الحزب خارج ارضه وانتقد سياسة النأي بالنفس. وهذا ما قد يكون متعذرا على التيار العوني التوفيق بين تأييده “حزب الله” وهو خارج رئاسة الجمهورية ومحاولة مراعاة خصوصيته معه في حال وصل الى الرئاسة. ولا ينكر احد انه يتعين على الديبلوماسية اللبنانية صياغة سياسة دقيقة تراعي كل الحساسيات والانقسامات في البلد في خضم تطورات صعبة ومحورية في المنطقة، الا ان التطورات الاخيرة ستضع الفريق الذي ينتمي اليه باسيل في موقع حرج خصوصا متى كان وصول العماد عون الى سدة الرئاسة الاولى مرتبطا باطمئنان الحزب الى وجود رئيس حريص على مصالح الحزب ويرتاح اليه. وهو ما يمكن ان يعرضه في حال تعارض سياسة لبنان الخارجية مع مصالح الحزب الى ازمة داخلية يحاول الحزب الا يخوض مثلها مع رئيس الحكومة تمام سلام نتيجة موقفه في القمة العربية لعدم وجود مصلحة لديه في تفجير الحكومة راهنا. وهو ما ليس مضمونا في أي محطة مع الرئيس المقبل. والكلام على ديبلوماسية خارجية مرتبكة أو يتم اخضاعها لأجندة الفريق الذي تنتمي اليه هذه الحقيبة يثقل على لبنان أيضاً في مجالات اخرى ليس آخرها الكلمة التي ألقاها باسيل في اجتماع مجلس الامن حول “ضحايا الهجمات والاضطهاد الاتني أو الديني في الشرق الاوسط” وتساؤله “ماذا بقي من قيمة للاقليات اذا مسخت رئاسة الجمهورية في لبنان وسخرت بأشخاصها حتى اصبح لا يسمح باعتلائها الا لمن هو من اهل الذمة؟” وهو كلام استوقف مراقبين ديبلوماسيين الى جانب كلامه على طلب الحماية الدولية للاقليات. لكن ليس هذا هو بيت القصيد الا بمقدار ما تثبت التطورات الاخيرة استحالة انتخاب رئيس محسوب على طرف بغض النظر عن آراء الخارج في ذلك على رغم انه رأي مؤثر. وكان آخر ما سجله في هذا الاطار كلام لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف على هامش القمة العربية ما اعطى زخما لاتجاه مضاد لما يطالب به فريق 8 آذار.
يقول مطلعون ان هذا الواقع يفترض محاولة لعب اوراق جديدة بحيث يخرج المسيحيون والعماد عون تحديدا الرئاسة من بازار المساومة التي لن تفسح المجال امامه لكسب الموقع الرئاسي. لكن آخرين يعتقدون ان الوقت تأخر جدا على ذلك.