بينما تتقدم أميركا في حربها الثالثة في العراق خلال ربع قرن، من المهم أن تقوم المرجعية العقلية بتقييم ما إذا كانت الاستراتيجية الأميركية يمكن أن تحقق نجاحا في العراق أم لا. وفي تلك اللحظة، من الصعب أن نكون متفائلين بسبب استمرار الفساد والطائفية في العراق.
يبدو الإطار الاستراتيجي الأساسي للرئيس أوباما صحيحا من الناحية النظرية. وأكد أوباما في بكين على الآتي: «الذين سيقاتلون ليسوا أبناءنا. ففي نهاية المطاف يقع على العراقيين مسؤولية محاربة داعش وضمان أمنهم».
وبينما تعهد الرئيس أوباما مجددا بالالتزام الأميركي «بمساعدة العراقيين على مساعدة أنفسهم»، أعلنت أميركا أنها سوف تضيف 1500 جندي آخر بوصفهم مستشارين في العراق، مما يعنى تقريبا مضاعفة القوة الأميركية هناك.
كيف يمكن للولايات المتحدة تجنب تكرار أخطاء الماضي؟ بحثا عن إجابة عن هذا التساؤل، تحدثت هذا الأسبوع مع ستيوارت بوين، المفتش الأميركي السابق لإعادة إعمار العراق، الذي قام مكتبه بالتدقيق في قضايا الفساد المتكررة وسوء الإدارة في الفشل السابق للعراق. لقد ساعدني في إعداد ورقة تقييم للجهود الراهنة المبذولة. ولفهم كيف أصبحت الأمور أسوأ في العراق بعد الغزو الأميركي له في مارس (آذار) 2003. يمكن قراءة التقرير الأخير الذي أعده بوين عام 2013 والذي يحمل عنوان «التعلم من العراق». فحسب تقديره فإن نحو 40 في المائة من المشاريع التي رعتها الولايات المتحدة وقام بالتدقيق فيها تتضمن أوجه قصور كبيرة.
وهنا يوجد تذكير غريب حول كيفية خروج النفقات العراقية عن نطاق السيطرة؛ حيث يكتب بوين أنه في عام 2003 و2004. سلمت الولايات المتحدة إلى العراق أكثر من 10 مليارات دولار نقدا – حصلت عليها من العائدات النفطية المجمدة للعراق – وكانت في «شكل حزم من العملات الورقية من فئة 100 دولار». ويلاحظ بوين أن «هذه الأموال لم تجر إدارتها بشكل جيد». وربما جرى نهب الكثير من تلك الأموال.
ويقول بوين في وصف البنك المركزي العراقي: «إن برنامج إعادة الإعمار الأميركي عزز عن غير قصد (مثلث المحسوبية السياسية) الذي يتضمن الأحزاب السياسية والمسؤولين الحكوميين والجماعات الطائفية. وهذا المحور القاتل حث على الإرهاب والفساد الذي سمم البلاد».
باختصار، هناك يكمن التحدي؛ فعلى مدى العقد الماضي خرب العراق العنف الطائفي والفساد. ويتعين على أي جهد أميركي مبذول لإعادة بناء جيش عراقي قوي – يكون بمقدوره إلحاق الهزيمة بالمتطرفين الإسلاميين – التصدي لتلك القضايا. ومجددا، كان أوباما محقا عندما أصر على إسقاط نوري المالكي، رئيس الوزراء الطائفي كشرط لتقديم المساعدات العسكرية. ولكن ماذا نفعل الآن؟
كيف يتعامل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي خلف المالكي ويحظى بدعم أميركي، مع القضايا الرئيسية من أجل حكومة نظيفة وأقل طائفية؟ لقد بدأ بداية بطيئة. كما يتضح من التالي:
ـ الفساد: لا يمكن أن ينجح العراق عسكريا أو اقتصاديا دون الحد من الفساد الذي استشرى في عهد المالكي. وحسب ما توصل إليه بوين في تقريره، فإن غسل الأموال من خلال البنك المركزي أسفر عن وقوع خسائر تزيد قيمتها على 100 مليار دولار على مدى الـ10 سنوات الماضية وجرى تسريب الكثير من تلك الأموال إلى بنوك في دبي وبيروت. ويعد تعيين علي العلاق حديثا كمحافظ للبنك المركزي خبرا غير مشجع؛ فقد كان العلاق الأمين العام لمجلس الوزراء في عهد المالكي وكان معنيا بالإشراف على التعاقدات الحكومية.
ـ الطائفية: استغل المالكي الحكومة من أجل معاقبة الأغلبية السنية بالعراق، مما دفعهم إلى التطرف. وكان العبادي قد تحدث عن إنهاء هذه الدولة البوليسية الطائفية، ولكنه قام بتسمية محمد سالم الغبان ليشغل منصب وزير الداخلية، وهو مسؤول فيلق بدر، الذي ينظر إليه الكثير من السنة باعتباره فرقة الموت الشيعية. ويخشى السنة من أن يتلقى الغبان أوامره من هادي العامري، قائد الفيلق.
ـ التدريب العسكري: انهار الجيش العراقي الذي دربته الولايات المتحدة عندما اجتاح تنظيم داعش الموصل في شهر يونيو (حزيران). ويصل الآن مدربون جدد من الولايات المتحدة ودول أخرى من أجل إعادة بناء الجيش. ولكن يتعين توخي الحذر؛ حيث أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 20 مليار دولار لتدريب قوات الأمن العراقية في الفترة ما بين 2005 – 2011. ويحتاج مخططو البنتاغون للتساؤل: ما الذي سوف يبدو مختلفا هذه المرة؟
ـ التواصل مع الأكراد: من أجل كسب تأييد الأكراد، يتعين على العبادي تنفيذ ما وعد به الدستور العراقي بتخصيص ما نسبته 17 في المائة من الميزانية الوطنية لكردستان؛ كما يجب عليه أيضا تمرير قانون جديد يضمن تقاسم الإيرادات النفطية. فمنذ شهر يناير (كانون الثاني) لم يتلق الأكراد دينارا واحدا من مخصصات الميزانية التي وُعدوا بها.
ـ التواصل الإقليمي: من أجل إعادة بناء الثقة مع السنة، يتعين على العبادي العمل بالتعاون مع دول الخليج المجاورة، وليس فقط إيران. وتعد مشاركة العرب بمثابة طريق ذي اتجاهين؛ حيث يتعين على العبادي السفر إلى الرياض والعواصم الخليجية الأخرى، وعلى السعودية وغيرها التعامل بالمثل. يمكن للعراق أن يأخذ بزمام المبادرة ضد تنظيم داعش فقط إذا أصبح دولة أكثر شمولية (ولامركزية أيضا). تعد استراتيجية أوباما منطقية من الناحية النظرية، ولكن لا يمكن أن تعمل دون اتخاذ تدابير فعالة لدرء الطائفية والفساد.
* خدمة «واشنطن بوست»
نقلا عن الشرق الاوسط