روجر كوهين
ميونيخ، سوريا – إنها معضلة بالنسبة لإسرائيل؛ فمن شأن إسقاط الحاكم المستبد بشار الأسد أن يضع نهاية للحليف العربي الوحيد لإيران ويقطع أنبوب المساعدات الإيرانية الممتد إلى حزب الله، وهو ذراعها في لبنان. ويمثل هذا الأمر أهمية استراتيجية لإسرائيل، لكن على الجانب الآخر، لن ترضى إسرائيل بالفوضى التي ستعمّ سوريا عقب سقوط الأسد، حيث ستتمكن الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، التي تحب الفراغ وتبغض اليهود، من الحصول على أسلحة متطورة. لذا كان من المثير للاهتمام الاستماع إلى تصريحات وزير الدفاع المنتهية مدته، إيهود باراك، في مؤتمر الأمن بميونيخ، التي أكد خلالها على ضرورة رحيل الأسد وأعرب عن أمله في أن يحدث هذا «قريبا».
لا يوجد خيار بشأن سوريا في هذه المرحلة من التفكك لا يتضمن مخاطرة. مع ذلك، أسوأ طريق هو الطريق الذي اختاره الرئيس أوباما وقادة الدول الغربية والمتمثل في عجز الضعيف، الذي يعد أكبر خطأ.
وقصفت إسرائيل مؤخرا قافلة كانت تنقل أسلحة مضادة للطائرات في سوريا مثلما قصفت من قبل مركز أبحاث على الأسلحة، ولم يرد الأسد سوى ببعض التذمر المتأخر واصفا الأمر بأنه «مزعزع للاستقرار». وتبدو هذه الطريقة متقدمة بالفعل. ومن الأسئلة التي أثارها هذا الهجوم هو: إلى أي مدى أصبح الأسد نمرا من ورق؟ وهناك سؤال آخر وهو: هل استخدام الغرب القوة سوف يؤدي حتما إلى رد فعل قوي من الجانب السوري؟ لا يبدو هذا.
وتقدم سوريا، التي اندلعت ثورتها قبل نحو 22 شهرا، صورة توضح انعدام الضمير. لخص الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، الأزمة في تقرير إلى مجلس الأمن بتاريخ 29 يناير (كانون الثاني) الماضي تم تسريبه. لقد تحدث عن «مدن بدت مثل برلين عام 1945». وأدان الإبراهيمي مقتل ستين ألفا راحوا ضحايا المذابح الدموية، والسبعمائة ألف لاجئ، الذين سيرتفع عددهم إلى مليون في غضون أشهر قليلة، والنازحين بالداخل الذي يفوق عددهم المليونين، والمعتقلين الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف. وحذر من انهيار بعض دول الجوار مثل الأردن ولبنان تحت فيضان اللاجئين الذي يزداد قوة.
وقال الإبراهيمي لمجلس الأمن: «آسف أنني أبدو مثل أسطوانة قديمة مشروخة مكررة، لكنني لا أرى من أين يمكن للمرء أن يبدأ أو أن ينتهي إلا بقول إن الأمور سيئة وتزداد سوءا وإن الدولة تنهار وتتفكك أمام أعين الجميع. لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، على الأقل حل عسكري لا يدمر سوريا والشعب السوري تماما. لا يستطيع السوريون أنفسهم بدء عملية سلام، فدول الجوار غير قادرة على مساعدتهم.. فقط المجتمع الدولي هو الذي يمكن له أن يقدم لهم المساعدة». مع ذلك، «المجتمع الدولي»، ويا لها من عبارة مقيتة، منقسم على ذاته، حيث تشارك روسيا، التي أيدت القيام بعملية عسكرية في ليبيا، والصين، التي تعارض التدخل العسكري، في لعبة العرقلة.
يريد الإبراهيمي حكومة انتقالية تتشكل من قوى لها «صلاحيات كاملة». ويعد هذا تعبيرا دبلوماسيا عن عدم وجود مكان للأسد في تلك المرحلة الانتقالية. وستكون الحكومة ثمرة مفاوضات تتم خارج سوريا بين ممثلي المعارضة ووفد حكومي «مدني – عسكري قوي». وستشرف الحكومة على مرحلة التحول الديمقراطي بما فيها من انتخابات وإصلاحات دستورية. ويبدو هذا جيدا، لكنه غير قابل للتطبيق.
أتفق مع الإبراهيمي في عدم وجود حل عسكري، فسوريا لوحة من الفسيفساء العرقية والدينية، لذا تحتاج إلى تسوية سياسية وحل وسط حتى تبقى، وهذه هي الحركة الأخيرة في مباراة الشطرنج. ولا يعني هذا عدم قدرة العمل العسكري على الدفع باتجاه النتيجة السياسية المرجوة من خلال دعم تعزيز القدرات العسكرية للمعارضة السورية وتمهيد ساحة المعركة والتعجيل برحيل الأسد اللازم من أجل ميلاد سوريا الجديدة. ولن يرحل الأسد، الذي ينتمي إلى العلويين، إلى أن تتغير كفة ميزان القوى لصالح الطرف الآخر.
لا تريد الولايات المتحدة أن تنجرف إلى صراع شرس آخر في الشرق الأوسط. لقد سئم الأميركيون الحروب. كشف لي زميلاي مايكل غوردون ومارك لاندلر كيف عرقل أوباما محاولة من هيلاري كلينتون خلال الصيف الماضي لتدريب مجموعات مختارة من الثوار السوريين وإمدادهم بالأسلحة. كذلك لا يريد أوباما أن يجد نفسه في موقع مساعدة المتطرفين الإسلاميين على ملء الفراغ في سوريا. ائتلاف المعارضة منقسم على ذاته وتنقصه المصداقية، لكن لا يمكن أن يصبح نتاج هذه المخاوف هو العجز أمام احتراق سوريا. لقد كان السناتور جون ماكين محقا حين قال: «ينبغي أن نخجل من فشلنا في مساعدة الشعب السوري». وكان أيضا على صواب عندما رد مجيبا عن سؤال حول كيفية تغيير وضع الطريق المسدود، بكلمتين هما: «القيادة الأميركية».
لقد تم الوصول إلى نقطة انقلاب. يزيد عدم القيام بأي فعل من اتجاه الوضع نحو التطرف في سوريا، وتفكك الدولة، وتزايد وتيرة عمليات القتل الجماعي التي يرتكبها الأسد، واحتمالات امتداد الصراع إلى خارج سوريا في المناطق ذات الطابع الطائفي. يعد هذا إهدارا لفرصة إضعاف إيران، وليس هذا في مصلحة الغرب. الاتفاق الذي يتضمن رحيل الأسد فضفاض.. لا بد أن يتم التوصل إلى اتفاق وتفاهمات من دون كلام في موسكو. وتمتم وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، وهو في حالة من عدم التصديق متحدثا عن فكرة جلوس قوى المعارضة على طاولة حوار مع نظام ذبح أنصارها. لقد حان وقت تغيير ميزان القوى في سوريا ليصبح التوصل إلى تسوية سياسية أمرا ممكنا ولا يصبح هناك خيار أمام الأسد سوى الرحيل. ويعني هذا وضع برنامج شامل لتدريب وتسليح الجيش السوري الحر. كذلك يعني أن دعوة ماكين إلى استخدام صواريخ «كروز» الأميركية لتدمير طائرات الأسد قبل أن تقلع، تصبح أكثر إقناعا يوما بعد يوم.
* خدمة «نيويورك تايمز»