مدمن المخدرات يمر بثلاث مراحل واضحة: المرحلة الأولي هي مرحلة الإدمان، والثانية هي مرحلة انكار الادمان، والثالثة هي الاعتراف وطلب العلاج. وكلما طالت فترة الادمان كلما استعصى العلاج.
المسلمون عامةً، وشيخوهم ومعاهدهم العلمية قد ادمنوا الأدلجة الإسلامية على مدى الألف وأربعمائة عامً الماضية وما زالوا في مرحلة الانكار، فهم بعيدون عن العلاج بعد الثرى عن الثريا. في كل مرة يرتكب المؤدلجون فظيعةً من فظائعهم المعروفة، يصمت شيوخهم من أمثال القرضاوي والزنداني أو ينكرون أن ما حدث يمت للإسلام، دين السلام، بأي صلة. وفي أغلب الأحيان يلجؤون إلى نظرية المؤامرة.
فبعد أن ارتكب الدواعش جريمتهم النكراء بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، خرج علينا فقهاء الأزهر بباقة من النكران. يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، والدكتور عبدالفتاح إدريس، عميد كلية التربية وأستاذ الفقه المقارن، والدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين السابق: ” السنة النبوية بها نص صحيح يصرح بعدم جواز قتل أحد بالنار، لقول رسول الله “لا يُعذِّب بالنار إلا رب النار”، وقال النبي الحديث عندما كان في سفرة من السفرات مع الصحابة وأحرقوا “قرية من النمل” أو حفرة كان بها نمل، فلامهم على ذلك وقال “لقد قتلتم أمة من الأمم” انتهى.
لا شك هذه لفتة بارعة من محمد ومنتهى الحنو على النمل من رسولٍ لم يُعرف عنه الحنو على أسرائه من بني قريظة أو بني المصطلق الذين هاجمهم عند الفجر وهم نيام فقتل رجالهم وسبى نساءهم وأطفالهم وساق منهم أكثر من ألف بعير. ويبدو أن الأمر قد اختلط على فقهاء الأزهر لأن مناسبة الحديث كانت غير ذلك. الرواية تقول “حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن بُكَيْرٍ بنِ عبدِ الله عن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال: “بَعَثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْثٍ، فقال: إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَناً وَفُلاَناً لِرَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ فأحْرِقُوهُمَا بِالنّارِ، ثم قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ: إنّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ تحرِقُوا فُلاناً وفلاناً بالنّارِ، وإنّ النّارَ لا يُعَذّبُ بها إلاّ الله، فإن وَجَدْتُمُوهما فَاقْتُلُوهُمَا” (تحفة الأحوذي للمباركفوري، حديث رقم 1574، كتاب السير، باب الحرق بالنار). فنبي الإسلام قد أمر بحرقهما أولاً ثم لسبب ما غيّر رأيه وأمر بقتلهما دون أن يخبرنا بسبب القتل أو الحرق، أو ما دعاه لتغيير رأيه.
ويستمر فقهاء الأزهر فيقولون: “الزعم بأن الصحابي أبوبكر الصديق أحرق “الفجاءة السلمي” حيًّا غير صحيح وساقط وباطل لا سند له؛ لأن رواية إحراق “أبي بكر” للفجاءة باطلة مدار سندها على “علوان بن دَاوُدَ البجلي”، وهو رجل مطعون في روايته، قال الحافظ بن حجر في لسان الميزان: “قال البخاري: علوان بن داود- ويقال بن صالح- منكر الحديث” انتهى
بالطبع أي حديث لا يعجبهم لا بد أن يجدوا في سنده شخصاً يقولون إنه غير ثقة وضعيف وكاذب، كأنهم كانوا جالسين مع هؤلاء الرواة الذين كانوا قد ماتوا وشبعوا موتاً عندما جمع البخاري (كبير الكذابين) هذه الأحاديث بعد أكثر من مائتي عام بعد وفاة محمد، فكيف عرفوا أنه ضعيف. ولكن هناك حديث عن عبد الرحمن بن عوف عندما دخل على أبي بكر وهو على فراش الموت، فقال له أبو بكر: “وأما الثلاث اللاتي وددت أني فعلتها: أني يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه فإنه يخيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه، ووددت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن أحرقته، وقتلته شريحاً أو أطلقته نجيحاً، ووددت أني حين وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله عز وجل” (مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي/ ج5، كتاب الخلافة، حديث رقم 9030). فهاهو أبو بكر نفسه يقول إنه تمنى لو أنه قتل الفجاءة ولم يحرقه حياً.
والحرق بالنار مارسه أبوبكر وعلي وغيرهم “فيجوز أن يكون الصديق رضي الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق بالنار، وبالحجارة وبالرمي من رؤوس الجبال، والتنكيس في الآبار، تعلق بعموم الآية. وكذلك إحراق علي رضي الله عنه قوما من أهل الردة يجوز أن يكون ميلا إلى هذا المذهب، واعتمادا على عموم اللفظ. والله أعلم.” (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي/ ج8، سورة التوبة، الآية 5).
ويستمر فقهاء الأزهر في نكرانهم فيقولون “ـ اتهام الصحابي خالد بن الوليد بحرق رأس خالد بن نويرة هي رواية باطلة في سندها محمد بْنُ حميد الرازي وهو كذاب، قال عنه الإمام ابنُ حِبَّان: “كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات. قال أبو زرعة ومحمد بن مسلم بن وَارَة: صَحَّ عندنا أَنَّهُ يكذب” انتهى.
أنا قد وجدت اثنين وتسعين حديثاً في سندها محمد بن حميد الرازي ولم أجد أحداً يضعفه غير الحافظ العراقي حينما قال عنه إنه أحد الكذابين (تخريج أحاديث الأحياء، للحافظ العراقي، ج1، الباب السابع، حديث ابن ادريس الخولاني). ولكن المدمن في فترة النكران يتشبث بأي قشةٍ يجدها.
وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري نجد: وقد اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقاً سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما. قال المهلب: ليس هذا النهي عن التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم، أعين العرنيين بالحديد، وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضرة الصحابة وحرق خالد بن الوليد ناساً من أهل الردة، وكذلك حرق علي. فهل الباركفوري من الكذابين؟
وتقول الموسوعة الكويتية في باب القصاص- ذهب الشّافعيّة ؛ وهو المشهور عند المالكيّة ، ورواية عند الحنابلة ، إلى قتل القاتل بما قتل به ولو ناراً . ويكون القصاص بالنّار مستثنًى من النّهي عن التّعذيب بها . واستدلّوا بقوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وبما أخرجه البيهقيّ والبزّار عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث البراء ، وفيه : ” من حرق حرقناه”. فهذا هو نبي الرحمة يقول “من حرق حرقناه” فهل البزار من الكاذبين؟
حتى عقوبة اللواط أجازوا فيها الحرق ” يرى الإمام أبو حنيفة أنّ عقوبة اللّواط سواء اللاّئط والملوط به التّعزير ، ويجيز للحاكم أن يكون التّعزير بالإحراق . وإلى هذا الرّأي ذهب ابن القيّم وأوجب إحراقهما ابن حبيب من المالكيّة ، خلافاً للجمهور الّذين يرون أنّ عقوبتهما لا تكون بالإحراق وتفصيل ذلك في ( الحدود ) . واستدلّ من رأى الإحراق بفعل الصّحابة وعلى رأسهم أبو بكر . وتشدّد في ذلك عليّ رضي الله عنهم” (الموسوعة الفقهية الكويتية، ج2، ص 77).
فإذا كان نبي الرحمة يسمل أعين العرنيين ويقطع أطرافهم ويتركهم في هجير الشمس حتى يموتوا عطشاً لمجرد أنهم سرقوا إبله وقتلوا راعيها، هل يقبل العقل أنه زجر أتباعه لحرقهم بيت النمل؟ إنها محاولة لتجميل ما لا يمكن تجميله.
ولا أرى السبب في محاولة فقهاء الأزهر إنكار أن الصحابة قد أحرقوا الناس بالنار والقرآن مليء بآيات عذاب النار المستديم لمجرد أن الشخص رفض أن يؤمن بمحمد نبياً وربما آمن بعيسى أو موسى أو أي نبي آخر زعم أن الله أرسله للعالمين. بل أن رب القرآن لا ينتظر يوم القيامة ليحرق الناس: ” رجل من اليهود كان يسخر بأذان بلال فأحرقه الله بالنار” (تنوير المقياس من تفسير ابن عباس، سورة المائدة). وهذا لمجرد أنه سخر من الأذان فأحرقه الله. وأكثر الآيات التي يقشعر لها البدن في القرآن هي آيات وصف العذاب في جهنم. فإذا كان رب القرآن يتلذذ برائحة شواء البشر ويجدد جلودهم المحروقة بجلود أخرى إلى ما لا نهاية، فلماذا لا يتلذذ الدواعش بحرق معاذ. إذا كان رب الدار بالدف ضارباً فشيمة أهل الدار كلهم الرقصُ.
وأكثر ما يؤسف له أن فقهاء الأزهر الذين أدانوا أفعال داعش طالبوا بأن تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم يصلبون. أي سادية هذه؟ هل قطع الأيدي والأرجل من خلاف أقل وحشيةً من الحرق بالنار أم أنه الادمان والنكران؟
بعض أنواع الانكار تأتي في صورة المؤامرة. شد انتباهي أحد المعلقين في صحيفة إيلاف عن حرق الطيار الأردني حينما قال ” جهاز الإستخبارات الروسيه يكشف الهويّة الحقيقيّة والكاملة لأمير داعش الملقّب بأبوبكر البغدادي. الإسم الحقيقي : شمعون إيلوت الخطّة : عميل إستخباراتي بجهاز الإستخبارات الصهيوني موساد ——— الإسم المزيّف الحالي : إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري الرضوي الحسيني الخطّة : إختراق التحصينات العسكريّة والأمنيّة للدول اللّتي تشكل تهديد لأمن إسرائيل و تدميرها لإجتياحها لاحقا بغية التوسّع و تأسيس إسرائيل الكبرى. فقد توضحت الهوية الحقيقية ﻷ-;-بو بكر البغدادي إسمه الحقيقي شمعون ايلوت وهو يهودي المولد حيث كان يعيش لعدة سنوات ويستخدم هوية مزورة وتدرب على أيدي الموساد الاسرائيلي واليوم يتم تعريفه للعالم بأنه أحد المدافعين عن المسلمين السنة حتى يزرع بذور النفاق والعداوة بين المسلمين سنة وشيعة. –
هل حرق (معاذ الكساسبة) جائز في الاسلام؟
لو سمح لي رجال الأزهر أن أهمس في آذان الاساتذة الكبار بأن الحل لمآسي الأمة الإسلامية يكمن في تنقيح وتحديث مناهجهم التي تملأ رؤوس النشء بأحاديث أبي هريرة والتي تجيز لنا أن نقتل المرتد ونطبخ لحمه ونأكله، أو ربما نأكله نيئاً. أفيقوا من إدمانكم وواكبوا التطور والحداثة.
لكن يبدو لي أننا سوف نظل في مرحلة انكار الادمان إلى أن يأتي رجل شجاع مثل كمال أتاتورك ليُدخل فقهاء الحيض والنفاس في مساجدهم ويفصل الدين عن الدولة، ووقتها سوف نبدأ مرحلة العلاج التي ربما تطول كما طالت علينا فترة الادمان