لا شك أبدًا أن مشاعر الأكثرية في السعودية، والدول العربية عمومًا، غاضبة من تدخل الروس في سوريا، لأنه جاء لدعم نظام بشار الأسد، الذي ارتكب أبشع المجازر في تاريخ المنطقة. مع هذا فإن حث الشباب هنا على «الجهاد» لقتال الغزاة الروس تطور خطير، وتعدٍ على الدولة، وسيتسبب أولاً في خروج الشباب للقتال ضد الروس، ثم التحول لاحقًا لقتال لبلدانهم وحكوماتهم وأهاليهم. وعندما تقبض السلطات الأمنية على شاب يحاول التسلل أو العودة، فمن المسؤول؟ هل هو الداعي المحرض أم الشاب المغرر به؟ بكل أسف المسجونون اليوم هم المغرر بهم، أما الذين أرسلوهم، فإنهم ينامون في أسرتهم قريري العين!
والسؤال الأهم: هل الدعوة لـ«الجهاد» إعلان حرب أم اجتهاد من صاحبه أي مجرد رأي؟ الأكيد أنها تحريض، وفي كل الأنظمة الدعوة للقتل تعتبر عملاً خطيرًا. وأكثر من رأي فردي عابر بسبب صراحتها ولأنها عمل جماعي.
وأعادت الدعوة للقتال في سوريا للذاكرة، تاريخ «الجهاد» في أفغانستان، الذي غيّر السعودية فكريًا إلى الأسوأ. فقد رحل آلاف الشباب للقتال، نيابة عن الأميركيين. وانتهت الحرب بتأسيس عهد جديد من الفوضى بظهور جماعات إرهابية، لا يزال العالم يعاني منها إلى هذا اليوم. وفي داخل السعودية لم تتوقف المطاردات عن ملاحقة خلايا تنظيم داعش، و«القاعدة» التي هي من امتدادات «الجهاد» في حرب أفغانستان. أما لماذا غيرت للأسوأ، فلأنها زرعت فكر التطرف السياسي ومفاهيم استخدام القوة خارج إطار الدولة من أجل التغيير.
الحقيقة، كلنا غاضبون من التدخل الروسي في سوريا، لأنه جاء لمساندة نظام الأسد وإيران وميليشياتها في الحرب الظالمة على شعب تحت تسميات كاذبة مثل الحرب على الإرهاب. مع هذا يجب ألا يسمح بتكرار فصول التاريخ السيئة، التي افتتحت بالدعوة لـ«الجهاد» ضد السوفيات في أفغانستان، فمقاتلة الأميركيين في العراق، وبعدها محاربة الأسد في سوريا، ثم الآن ضد الروس في سوريا.
صاحب الحق في الدعوة إلى حرب، في العالم كله، هي الدولة، والأمر نفسه في الإسلام هو حق ولي الأمر. وبالتالي الدعوة إلى الحرب عبر البيانات لا تخرج عن كونها تحديًا لشرعية مؤسسات الدولة، واستعداء للعالم على السعودية، وتجاوزًا لقرارات دولية ضد التحريض على الإرهاب. السؤال لماذا يفعلها هؤلاء رغم النهي عن التحريض والتحذير؟ كنا نعتقد أنهم جهلة في علوم الصراع السياسي، لكنهم يكررون التحريض مرة بعد أخرى، حتى نجحوا في تأليب الرأي العام الدولي ضد السعودية والمسلمين بشكل عام.
الضرر كبير لأن دعواتهم صبّت في مصلحة تنظيمات قبيحة مثل «داعش» أجرمت باسم الإسلام والمسلمين، وأضرت بالسوريين وقضيتهم. فقد كانت أمنية النظام السوري عندما بدأ ارتكاب مذابحه ضد الشعب السوري في منتصف عام 2011، أن يلتحق المتطرفون بجيش المعارضة، حتى تصدق مزاعمه أنه يقاتل التكفيريين الإرهابيين. حينها، كانت غالبية السوريين المنتفضين مواطنين يدافعون عن بيوتهم وأحيائهم، ولم يخالطهم مقاتلون أجانب، بعد. ومن أجل إلصاق تهمة التطرّف بمعارضيه، أطلق نظام الأسد سراح المعتقلين في سجونه من الجماعات الإرهابية، وبدأ يبرر عملية القتل الواسعة بأن معارضيه من تنظيم القاعدة. وتحققت أمنيته بدخول دعاة «الجهاد»، الذين أرسلوا شبابًا لا يؤمنون أصلا بشيء من مبادئ الثورة السورية، ولا يهمهم شيء من مطالب الشعب السوري، هدفهم الوحيد إقامة دولة دينية متطرفة لا مكان فيها لمعظم السوريين، وملامح دولتهم الحلم تشبه في قسوتها وإقصائيتها نظام الأسد.
من جانب آخر، يتمنى، أيضًا، الأسد والإيرانيون أن تتسع المعركة، ويقع الصدام بين الروس وخصومهم في الخليج، وهؤلاء الذين كتبوا بياناتهم يحرضون الخليجيين على السفر وقتال الروس في سوريا، يخدمون النظام الإيراني. كعادتهم في كل أزمة، يفعلونها، إما بسبب جهلهم في السياسة أو بسبب رغبة البعض في توسيع دائرة الصدام وتقويض المجتمع الذي يعيش فيه. بالنسبة للروس في سوريا نحن نعلم أنهم سيخسرون، دون دعوات «الجهاد»، فقد سبقهم إلى سوريا ومساندة الأسد، حزب الله وعجز، ثم التحق به الإيرانيون وفشلوا، والآن الروس يحاولون ترميم نظام متآكل على وشك الانهيار.
*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”