التجسس الأمريكي ونهاية المشككين في نظرية المؤامرة
حروب الشركات المتعددة الجنسيات وعمليات التخريب الموجهة
عمر نجيب
تتابع الضربات الموجعة لهؤلاء الذين يرفضون ويشككون في نظرية المؤامرة عندما يتعلق الأمر بأحداث وتطورات سياسية ومجتمعية تخرج عن سياق التطور الطبيعي الذي أثبتته ودونته وسجلته وتابعته كل الأبحاث المتعلقة بتطور الأمم عبر مختلف العصور.
الضربات تأتي من وثائق لا يمكن الطعن فيها، مصدرها القوة التي صنفت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عقد التسعينات من القرن الماضي كالقوة العالمية الأولى والمهيمنة التي تسعى لإقامة الإمبراطورية العالمية.
خلال شهر يونيو 2013 سرب إدوارد جوزيف سنودن الذي عمل كمتعاقد تقني وعميل مع وكالة الأمن القومي الأمريكية مواد مصنفة على أنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي، منها برنامج التجسس “بريسم” إلى صحيفة الغارديان البريطانية و صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.
يوم 21 يونيو 2013 وجه له القضاء الأمريكي رسميا تهمة التجسس وسرقة ممتلكات حكومية ونقل معلومات تتعلق بالدفاع الوطني دون إذن والنقل المتعمد لمعلومات مخابرات سرية لشخص غير مسموح له بالاطلاع عليها، وأعلنت واشنطن أنها ألغت جواز سفر سنودن الذي تبين أنه لم يعد موجودا في الولايات المتحدة.
يوم 23 يونيو 2013، قالت حكومة هونك كونغ أن سنودن غادر “دون إكراه لبلد ثالث ملتزما بالطرق الشرعية والطبيعية”، وذلك بعد يوم واحد من تقديم الولايات المتحدة طلبا إلى حكومة المستعمرة البريطانية السابقة لتسليمه بسرعة. وفي حديث لصحيفة الغارديان قال سنودن إنه اختار هونك كونغ وجهة أولى لأنها توفر “إطارا ملائما ثقافيا وقانونيا للسماح لي بالعمل دون الخضوع لاعتقال فوري”. وذكر سنودن أنه سلم كل الوثائق التي كانت بحوزته إلى صحفيين عندما كان في المدينة الصينية، قبل أن يتوجه إلى روسيا.
وأشار الشاب الأمريكي إلى أنه كان يعمل براتب جيد يصل إلى مائتي ألف دولار سنويا، وكان لديه منزله الخاص في جزيرة هاواي، ولكنه “مستعد للتضحية بكل ما أملك لأن هذا التجسس يشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية التي ننادي فيها ببلادنا”. وعند سؤاله عما إذا كان خائفا، قال “أنا لا أخاف من شيء لأن هذا كان قراري”، ولكنه يخاف “أن تتعرض عائلتي للأذى”.
الكرملين منح سنودن حق اللجوء بعد عدة أسابيع قضاها في منطقة الترانزيت بمطار موسكو ساومت خلالها واشنطن بكل أشكال المغريات والضغوط من أجل إسترجاع العميل السابق المزداد في 21 يونيو 1983.
حجم وسخاء العروض التي قدمها البيت الأبيض للكرملين لصفقة تضمن التخلص من سنودن كشفت عن أهمية وخطورة المعلومات التي في جعبة الرجل، غير أن حجم أهمية معلومات سنودن لم تتكشف للعالم عبر وسائل الإعلام سوى مع بداية شهر أكتوبر 2013.
ومنذ ذلك التاريخ لا تنفك تداعيات هذه القضية تكبر ككرة ثلج، عميل المخابرات كشف أن الإدارة الأمريكية تتجسس على كل العالم مواطنين وحكومات حلفاء وخصوم، هواتف ومواقع انترنت وذلك بفضل تقنيات متقدمة جدا.
زعماء 35 دولة
يوم الخميس 24 أكتوبر كشفت صحيفة الغارديان وطبقا لوثائق سنودن إن الولايات المتحدة تنصتت على هواتف زعماء 35 دولة.
في توقيت متقارب ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنها حصلت على معلومات تشير إلى أن وكالة الأمن القومي الأمريكية راقبت هواتف الرئيس الفرنسي وأعضاء الحكومة ورجال أعمال ومسئولين ودبلوماسيين وأشخاص بفرنسا، وأضافت الصحيفة الفرنسية أن واشنطن تجسست على أكثر من 70 مليون محادثة هاتفية في فرنسا في الفترة ما بين 10 ديسمبر من عام 2012 و8 يناير من عام 2013.
وأشارت لوموند في تقريرها إلى أن الجواسيس الأمريكيين يقومون بتثبيت برامج تنصت عن بعد في أجهزة الحاسوب، بما فيها أجهزة في سفارات أجنبية. وقالت إن مثل هذه البرامج ثبتت في أجهزة حاسوب بسفارة فرنسا في واشنطن، وفي جهاز حاسوب تابع للبعثة الفرنسية في الأمم المتحدة.
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة خصصت في 2011 ميزانية قيمتها 652 مليون دولار لتمويل برامج التجسس الالكترونية، وشملت العملية عشرات الملايين من الأجهزة، في ذلك العام.
وتبين وثيقة مؤرخة في 2010 أن معلومات سرقت من أجهزة حاسوب لسفارات أجنبية سمحت لواشنطن بمعرفة مواقف أعضاء في مجلس الأمن من العقوبات على إيران قبل الإعلان عنها.
إنكار غير ناجح
بعد أن حاول البيت الأبيض دون جدوى التغطية على تسريبات سنودن اعتبرها مايكل موريل الذي كان يشغل منصب نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي ايه”، يوم الجمعة 25 أكتوبر “الأخطر” على الاطلاق في تاريخ الاستخبارات الأمريكية.
وقال موريل في مقابلة مع شبكة “سي بي اس نيوز” بثت مقتطفات منها “اعتقد انها عملية التسريب الاكثر خطورة. انها اخطر عملية تسريب لمعلومات سرية في تاريخ الاستخبارات الأمريكية”.
وردا على سؤال عن رأيه بسنودن نفسه قال موريل ان هذا الشخص “ليس بطلا، لقد خان وطنه”.
وبالنسبة إلى الرجل الثاني سابقا في الـ”سي آي ايه” فان اخطر ما سربه سنودن هو الميزانية المفصلة لكل وكالات الاستخبارات الأمريكية والمسماة “الميزانية السوداء”، معتبرا أن تسريب هذه الموازنة يتيح لمنافسي الولايات المتحدة “تركيز جهودهم في ميدان مكافحة التجسس على المجالات التي ننجح فيها وعدم إيلاء الكثير من الاهتمام للمجالات التي لم نحقق فيها أي نجاح”.
واضاف ان “ما قام به ادوارد سنودن هو وضع الأمريكيين في خطر أكبر لأن الارهابيين يتعلمون الكثير من هذه التسريبات وسيكونون أكثر يقظة اما نحن فلن تكون لدينا المعلومات الاستخبارية التي كنا لنحصل عليها لو لم تحصل هذه التسريبات”.
حسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تحولت وكالة المخابرات الأمريكية المركزية “سى آى أيه” إلى أكبر أجهزة التجسس فى الولايات المتحدة بميزانية بلغت 14.7 مليار دولار من إجمالى 52.6 مليار دولار خصصتها أمريكا خلال عام 2013 لأجهزة التجسس والمخابرات.
وحصلت واشنطن بوست على “الميزانية السوداء” لأجهزة المخابرات الأمريكية من إدوارد سنودن.
وكشفت “الميزانية السوداء” التي بلغ إجمالها 52.6 مليار دولار لوكالات المخابرات الأمريكية الـ16 – عن مشهد بيروقراطي وتنفيذي معقد لأجهزة الاستخبارات لا يخضع للرقابة العامة. ورغم أن الإدارة الأمريكية تعلن حجم الإنفاق الإجمالي على وكالات المخابرات سنوياً منذ 2007 والذي تضاعف منذ هجمات 11 سبتمبر، إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن تفاصيل هذه الميزانية والمخصصات لكل وكالة من بين الست عشرة. وبحسب تسريبات واشنطن بوست فإن وكالة “سى آى أيه” تحصل على أكبر مخصصات بنحو 14.7 مليار دولار وتليها وكالة الأمن القومي بنحو 10.3 مليار دولار. وقالت واشنطن بوست إن “سى آى أيه” كانت تحصل فى عام 1994 على 4.8 مليار دولار فقط من أصل 43.4 مليار دولار تم تخصصيها في هذا العام لأجهزة المخابرات، مما يعنى أن ميزانيتها زادت ثلاثة أضعاف خلال أقل من 20 عاما. وذكر التقرير أن عدد العاملين في “سى آى إيه” زاد بنسبة 25 في المائة خلال عشر سنوات فقط ليبلغ حاليا نحو 21.575 ألف موظف، ولا يتضمن هذا الرقم العملاء للوكالة خارج الأراضي الأمريكية.
وتغطى الأموال المخصصة لأجهزة المخابرات الأمريكية أقمار التجسس والمعدات التقنية المتطورة ورواتب الموظفين بمن فيهم المحللون وخبراء اللغات وفك الشفرة وعدد متزايد من خبراء الإنترنت. وتشمل نفقات “سى آى إيه” أيضاً تمويل بناء سجون سرية ومركز موسع لمكافحة ما يوصف أمريكيا بالإرهاب وسلسلة من العمليات الخاصة وحوالي 2.3 مليار دولار لعمليات مخابراتية سرية تقوم بها عناصر مسلحة. كما تشمل 2.6 مليار دولار “لبرامج عمليات سرية” تشمل نشر طائرات بدون طيار ودفعات مادية لميليشيات محلية أو تنظيمات سياسية ومنظمات غير حكومية وجهودا لتخريب برنامج تسليح في دول معينة أو حتى مشاريع منافسة للشركات الأمريكية. وألقت تسريبات “واشنطن بوست” الضوء على قيام وكالة الأمن القومي الأمريكية المكلفة باعتراض المكالمات الهاتفية والمراسلات الالكترونية، بإنشاء مجموعات متخصصة في تطوير واستخدام برمجيات تجسس على الحواسيب والهواتف المحمولة.
وعقب تسريب واشنطن بوست لتفاصيل “الميزانية السوداء”، وفي محاولة لإمتصاص الغضب العالمي تعهد جيمس ر. كلابر مدير الإستخبارات الوطنية بنشر تقرير سنوي يتضمن المعلومات “العامة” عن أنشطة المراقبة الهاتفية. وأكد كلابر، فى بيان: “قرر ت بالاتفاق مع أجهزة المخابرات أن تنشر سنويا المعلومات العامة” حول بعض عناصر برنامج المراقبة. وسينشر التقرير عدد أوامر المراقبة وكذلك “عدد الأهداف التي شملتها تلك الأوامر”. ويتضمن التقرير الأوامر الصادرة لمشغلي الإنترنت بتزويد أجهزة المخابرات المعلومات المتصلة بأنشطة الانترنت الخارجية غير المقيمة بريد إلكتروني، دردشات في إطار مكافحة الإرهاب.
الأخطر قادم
مصادر رصد في عدة مناطق من العالم تقدر أن المرعب بالنسبة لإدارة البيت الأبيض هو أن دوائر المخابرات الأمريكية الموزعة بين 16 وكالة لا تدري حتى الآن ما إذا كان سنودن خلال عمله قد تمكن من الوصول إلى قاعدة معطيات تتعلق بقيام واشنطن بإستغلال المعلومات المحصل عليها من التجسس، لمنح شركات أمريكية الأفضلية على مثيلات لحلفائها في الفوز بصفقات بعشرات الملايير من الدولارات، أو ترتيب عمليات تضر بمنافسين أجانب ومنتجاتهم، مثل تخريب معدات أوتحريك أحزاب وجمعيات ومنظمات غير حكومية لترجيح كفة الجانب الأمريكي كما تم أستخدام المعلومات المستخلصة لوضع خطط أفضل لقلب أو زعزعة أنظمة حكم في دول مختلفة منها حتى المصنف كحلفاء أو أصدقاء لواشنطن.
وتشير نفس المصادر إلى أن شركات أمريكية كبيرة بعضها يعمل في مجالات التسليح وبناء الطائرات، حصلت على معونة الأجهزة الإستخبارية الأمريكية، وأنه عبر عمليات التجسس والأبتزاز والتخريب المتخفي وراء حوادث عارضة، أجبر ساسة وعسكريون في دول عديدة على التوجه للحصول على معدات أمريكية بدلا من الحصول على مثيلاتها من أطراف أخرى.
يوم السبت 19 أكتوبر 2013 قال غلين غرينولد، الصحفي الذي عمل على نقل وثائق إدوارد سنودن، إن المعلومات الأكثر خطورة حول عمليات التجسس الأمريكية واتساعها حول العالم لم تكشف بعد، واعدا بتقديم معلومات مذهلة خلال الأسابيع المقبلة.
وذكر غرينولد، في حديث له مع وسائل إعلام من مقر إقامته بالبرازيل: “هناك الكثير من التقارير المقبلة.. الأرشيف المسرب كبير ومعقد وصادم إلى درجة تدفعني إلى الاعتقاد بأن القصص الأكثر إثارة للدهشة هي تلك التي مازلنا نعمل عليها ونعد لنشرها”.
وأضاف غرينولد أن بعض المعلومات تتعلق بتجسس أمريكا على دول مثل فرنسا وأسبانيا، مشيرا إلى أنه كان على اتصال يومي بسنودن لبحث التعامل مع العدد الهائل من الوثائق التي سربها.
وذكر غرينولد أن سنودن، اتصل به لتقديم الوثائق له ولمخرجة الأفلام لورا بويترس، المقيمة في العاصمة الألمانية برلين، ولفت إلى أنه يواصل الاتصال ببويترس لبحث التعامل مع “آلاف الوثائق” معتمدا على “طرق غير تقليدية” من أجل الحفاظ على سرية الاتصال.
غوغل وفيسبوك
زيادة على تعقب سجلات الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني والتسلل إلى داخل مئات ملايين الحواسب عبر كل مناطق العالم لأخذ المعلومات منها ومواقع رئيسية على الشبكة العنكبوتية، تستخدم وكالة الأمن القومي الأمريكية وهي جهاز مراقبة رئيسي للحكومة الأمريكية، حسابات فيسبوك الشخصية ومواقع تواصل اجتماعي أخرى بهدف إنتاج خرائط “اجتماعية” مترابطة تسمح بوضع طرق التعامل مع الأشخاص المستهدفين سواء كانوا سياسيين أو عسكريين أو رجال إقتصاد ومسييري شركات.
الكشف عن هذه المعلومات جاء من قبل صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن وثائق سنودن.
وقالت مديرة قسم الأمن القومي في معهد فوردهام للقانون كارين غرينبيرغ لشبكة “سي ان ان” إن الأمريكيين يفترضون أنه إذا نظر موظف في الحكومة في معلوماتك فلأنه يملك سببا لذلك لأنك مشتبه بارتكاب جريمة”.
ويسمح الأسلوب باستخدام حسابات مواقع التواصل الاجتماعي وتحديد مكان الوجود الجغرافي للشخص نفسه والأرصدة البنكية وسجلات التأمين الصحي والضرائب لتعزيز عمليات تحليل الشخصية والاتصالات الهاتفية والإلكترونية.
وأفادت الوثيقة إنه أجيز لوكالة الأمن القومي إجراء “تحليل بياني واسع النطاق لسلسلة كبيرة جدا من البيانات الوصفية للاتصالات دون الاضطرار إلى التأكد من جنسية” كل عناوين البريد الالكتروني أو رقم التليفون أو الأمور الأخرى المحددة للهوية.
المنطقة العربية في المقدمة
يوم السبت 26 أكتوبر 2013 كشفت تقارير سنودن أن عمليات التجسس على الاتصالات العربية كانت تقدر بالمليارات وأنها فاقت بآلاف المرات تلك التي نفذتها الوكالة الأمريكية في دول أوروبية وطاولت اتصالات كل الزعماء العرب ودوائر القرار العربية المهمة ومن بينها السعودية ومصر والأردن والعراق ودول شرق أوسطية مثل إيران وباكستان وكذلك الهند.
وكشفت الوثائق إن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على حوالي 125 مليار اتصال هاتفي ورسائل نصية في فترة شهر يناير وحده من العام 2013 وكانت غالبيتها من دول شرق أوسطية.
وحسب موقع “سريبتوم” المتخصص في نشر الوثائق السرية فإنه جرت 7800 مليون عملية تجسس على الاتصالات في السعودية ومثلها في العراق و 1900 مليون اتصال في مصر و 1600 مليون اتصال في الأردن.
وكشفت الوثائق أن أكبر عمليات التجسس كانت في أفغانستان التي كانت حصتها من التجسس تفوق 21.98 مليار اتصال ثم 12.76 مليار اتصال في باكستان و6.28 مليار اتصال في الهند، و1.73 مليار اتصال في إيران.
تحذير من موسكو
مصادر رصد أوروبية ذكرت أنه عندما التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في31 من يوليو 2013 الأمير بندر بن سلطان، الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي ورئيس الاستخبارات العامة وجرى نقاش حاد حول الحرب الدائرة في سوريا، ذكر بوتين أن على الرياض أن تكون حذرة من واشنطن وأن هذه الأخيرة تخطط لزعزعة استقرار المملكة وأنها تساند مجموعات تصفها بالمعارضة المطالبة بالديمقراطية. نفس المصادر ترجح أن الكرملين أبلغ السعوديين في ذلك التوقيت أن أجهزة المخابرات الأمريكية تتجسس عليهم بشكل واسع وأن عليهم أن يطلعوا على ما في حوزة سنودن من معلومات ليتقنوا من ذلك.
أوضح خبير في أمن المعلومات عبد الله العلي يوم السبت 26 أكتوبر 2013 أن وكالة الأمن القومي الأمريكية، تعتمد في عملياتها عدة وسائل منها الشراكات “القانونية” وعميلات الاختراق وتقنيات جديدة غير مفصح عنها بعد زيادة على أساليب خداع مختلفة.
وأضاف إنه ومنذ تأسيسها في 4 نوفمبر 1954 بغرض جمع المعلومات عن الاتصالات الدولية وتحليلها، ومقرها الرئيسي في فورت ميادي بولاية ماريلاند الأمريكية وتشغل حاليا حوالي 1620 موظف، كانت مهمتها الهيمنة على قطاع المعلومات والاتصالات، ومع مرور الوقت أصبحت الوكالة تشغل المئات من علماء الرياضيات والتشفير وتحاول أن تضم لها آخرين فإذا رفضوا تعرقل أبحاثهم وتقدمهم الوظيفي بل تمارس ضدهم كل أنواع الترهيب لمنعهم من العمل لحساب مؤسسات أخرى قد تتعارض نشاطاتها أو تعرقل مع ما تقوم به مختلف أجهزة المخابرات الأمريكية.
وشرح العلي أن الوكالة وبالإضافة إلى وسائلها الخاصة وطواقمها والوكالات الـ 15 الأخرى العاملة في المجال الأمني، تعتمد في تجسسها غير المباشر على عدة وسائل: أولها الشراكات السرية بينها وبين الشركات الكبرى في مجال تكنولوجيا المعلومات أمثال غوغل وآبل وياهو وغيرها. وهذه الشراكات، التي تغطى بشكل قانوني تتيح للوكالة الولوج إلى قواعد معلومات ضخمة ومهمة، خاصة أنه غالبا ما تقوم هذه الشركات بتقديم خدمات لمؤسسات مهمة ودول حول العالم.
أما بالنسبة للشركات التي ترفض الشراكة مع وكالة الأمن القومي أو لا تستطيع هذه الوكالة الوصول إليها كالشركات الصينية على سبيل المثال، فتقوم الوكالة بمحاولات لإختراقها لتحصل على المعلومات التي في قاعدة بياناتها، كما تعمل على تقليص دورها في الشبكة الدولية بحيث يبقى الاقبال مركزا على المؤسسات المرتبطة بوكالة الأمن القومي.
وأضاف العلي أن وكالة الأمن القومي تعتمد أيضا في تجسسها على تقنيات جديدة غير معلنة أو منتشرة بعد، متحدثا عن برنامج متقدم يعتمد على معدات كبيرة ومعقدة ويقوم باعتراض الاتصالات ورسائل الجوال ليس فقط من مراكز داخل الولايات المتحدة بل خارجها، وقد نشرته واشنطن في 100 قنصلية وسفارة لها عبر العالم.
ورابع وسيلة تستخدمها وكالة الأمن القومي للتجسس على العالم هي “الشركات الوهمية، حسب تعبير العلي، وتقوم الوكالة بتأسيس هذه الشركات في دول “محايدة كسويسرا، وتقدم هذه الشركات خدمات تشفير عالية الدقة لصالح دول مختلفة، عدة دول في منطقة الشرق الأوسط استخدم هذا التشفير لضمان أمن الإتصالات بين سفاراتها في العالم أو في مؤسسات سيادية في داخلها.
وأضاف العلي أن وكالة الأمن القومي تستعين في عمليات الاستخبارات بشركات أخرى، تكون أحيانا متمركزة خارج الولايات المتحدة وتكون لها فروع عبر العالم وتعلن أنها تقدم خدمات في مجال “مكافحة التجسس” وتأمين ألحواسب وأجهزة الاتصال المختلفة من الاختراق، في حين أنها تفعل العكس بتقديم كل مفاتيح التأمين التي تبيعها لزبنائها إلى المخابرات الأمريكية.
ولم يستبعد العلي أن تكون هناك شراكات بين وكالة الأمن القومي وشركات اتصالات في الدول العربية أو أجهزة استخبارات محلية.
كما شدد على أن شبكات الاتصال والبنى التحتية في دول الخليج “هرمة”، محذرا من أنها لا تحتاج لكل تقنيات وكالة الأمن القومي المتقدمة لاختراقها والتصنت عليها.
اللغز الألماني
إذا كان نشر وسائل إعلام أخبارا عن تجسس الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين قد أثار موجة إحتجاجات من جانب الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، فإن الكثير من الملاحظين وحتى صحف أوروبية إعتبرته باردا ولا يتناسب مع حجم الفعل الأمريكي.
مصادر رصد أوروبية لمحت أنه لا يمكن أن تكون ألمانيا بكل قدراتها العلمية المتفوقة على كل شركائها لم تعرف أن الأجهزة الأمريكية تتجسس على هاتف مستشارتها ميركل، وإذا كان هذا قد حدث فعلا فإن هذا أمر خطير ومؤشر تراجع للقاطرة التي تقود الاتحاد الأوروبي.
كشف أحدث تقرير نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية، أن واشنطن تجسست على الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية انغيلا ميركل منذ عام 2002، وأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان على علم بقضية التجسس التي بدأت سنوات قبل توليه الرئاسة ولكنه لم يفعل شيئا لوقف تلك الممارسات.
وكانت ميركل قد أجرت اتصالا بالرئيس الأمريكي فور علمها بالتجسس.
وأفادت تقارير صحفية بأن أوباما اعتذر لميركل وأقسم لها بأنه لم يكن على دراية بتلك الممارسات وأنه كان ليوقفها فور علمه بها.
ولكن صحيفة ” صنداي بيلد ” الألمانية نقلت عن مصدر في وكالة الأمن القومي الأمريكي قوله إن رئيس الوكالة كيث الكسندر أطلع أوباما شخصيا على مهمة التجسس على ميركل عام 2010.
مجلة دير شبيغل كشفت أن السفارة الأمريكية في برلين احتوت مركزا للتنصت وهو الذي قام بمراقبة هاتف ميركل وملايين الألمان وكذلك الدبلوماسيين الأجانب في العاصمة الألمانية.
وتبين من الوثائق أن مراكز تنصت كتلك موجودة في 80 موقعا حول العالم.
ونقلت وسائل الإعلام عن وزير الداخلية الألماني قوله إنه إذا صحت تلك التقارير بشأن مركز التصنت في برلين فذلك يعني أن ممارسات واشنطن غير قانونية، ولم يعلق الوزير على أخبار تتعلق بوجود مراكز تنصت في عدد من القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة فوق التراب الألماني.
وتقول المجلة إن محرريها شاهدوا وثائق مصدرها وكالة الأمن القومي الأمريكي تظهر فيها قوائم بأرقام هواتف جرت مراقبتها بينها رقم هاتف ميركل منذ عام 2002 أي قبل ثلاث سنوات من توليها منصبها.
وكانت ألمانيا وفرنسا قد طالبتا يوم الجمعة 25 أكتوبر من الولايات المتحدة توقيع اتفاقية عدم تجسس قبل نهاية السنة. وفي نيويورك، صرح دبلوماسيون بالأمم المتحدة بان ألمانيا والبرازيل تعدان مشروع قرار بالجمعية العامة للأمم المتحدة سيطالب بوضع نهاية لعمليات التجسس المكثفة وانتهاك الحياة الشخصية للأفراد.
المتخصصون في أساليب التصنت يؤكدون أن مثل هذه الاتفاقيات لا تنفع كثيرا وذلك على ضوء عدم التزام واشنطن وتطور التقنيات السريع، ولهذا فإن السبيل الوحيد هو التسابق المستمر لتطوير تكنولوجيا مضادة تكفل الحماية.
منذ سبعينيات القرن العشرين تطور وكالة الأمن القومي الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية تكنولوجيا إلكترونية أطلقت عليها اسم “المجموعة الخاصة” تتميز بدقتها وتقلص حجمها، وقد أصبحت الأجهزة الصغيرة جدا تقوم بمهمات كبيرة، مما يسر عمليات التصنت والتجسس بشكل كبير.
من هذه الأجهزة “ميكرفون الليزر” الذي يستعمل في التصنت على المكالمات الجارية في الغرف المقفلة، إذ يتم توجيه أشعة ليزر إلى نافذة من نوافذ تلك الغرفة، وعندما ترتد هذه الأشعة تحمل معها الذبذبات الحاصلة في زجاج تلك النافذة نتيجة الأحاديث الجارية في الغرفة، وتسجل هذه الذبذبات ثم يسهل تحويلها إلى أصوات واضحة هي أصوات المتحدثين في تلك الغرفة، ولا تقتصر فاعلية هذا الميكرفون الليزري على تسجيل الحوار الدائر في الغرفة، بل تستطيع اقتناص أي إشارة صادرة من أي جهاز إلكتروني فيها.
ومن الأجهزة الأخرى المهمة في هذه “المجموعة الخاصة” جهاز أطلق عليه اسم “تي أكس” وبفضل هذا الجهاز لم تعد هناك ضرورة للمخاطرة بزرع جهاز إرسال صغير داخل الهاتف المراد التصنت عليه، فقد أصبح ممكنا بواسطة هذا الجهاز الدخول إلى خط ذلك الهاتف من بعيد دون أن يشعر أحد بذلك، كما يستطيع هذا الجهاز تحويل الهاتف الموجود في الغرفة إلى جهاز إرسال ينقل جميع المكالمات والأحاديث التي تجري داخلها، وحتى لو كان الهاتف مقفولا يستطيع الجهاز تكبير وتضخيم الذبذبات الضعيفة التي يرسلها الهاتف في حالته الاعتيادية “أي في حالة عدم استعماله” فيسجل جميع المحادثات الجارية في الغرفة.
السلاح المضاد
في إطار التفتيش عن حلول تبعد خطر التجسس، اقترحت شركة الاتصالات الألمانية “دويتشه تيليكوم” المدعومة من الحكومة، التعاون مع شركات اتصالات ألمانية أخرى “لحماية الإنترنت المحلي من اختراق أجهزة المخابرات الأجنبية”. وخلصت نتائج لقاءات مع ستة من خبراء الإنترنت إلى أن الشبكة الدولية لن تعمل عندما يتصفح الألمان مواقع إلكترونية محملة على خوادم بالخارج مثل شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك أو محرك البحث “غوغل”، مطمئنة الرأي العام الذي قد يرفض طرح الشركة برمته. وقد تواجه دويتشه تيليكوم صعوبة أيضاً في الاندماج مع مجموعات منافسة تقدم خدمة الإنترنت السريع، لأنها ستخشى من تبادل معلومات الإنترنت. وقال دان كامنسكي، وهو باحث أمني أمريكي إنه إذا حصنت المزيد من الدول نفسها، فقد يؤدي ذلك إلى “بلقنة” الإنترنت بنحو مزعج، ما يشل الانفتاح والكفاءة اللذين جعلا من الشبكة مصدرا للنمو الاقتصادي.
وفي أغسطس 2013 طرحت الشركة الألمانية خدمة أطلق عليها اسم “بريد إلكتروني صنع في ألمانيا” يرسل البريد فقط من طريق الخوادم الألمانية. ويعد التجسس الحكومي مسألة حساسة جدا في ألمانيا التي تطبق واحدا من أشد القوانين محافظة على الخصوصية في العالم.
من جانبها تعتزم دول مجموعة “البريكس” وهو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتتينية المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إنشاء وصلات جديدة للإنترنت تتفادى المرور بأراضي الولايات المتحدة، وذلك لمكافحة التجسس الأمريكي على حكومات ومواطني تلك الدول.
ووفقا لموقع “انفو وورز” الإلكتروني، فإن البرازيل التي وقعت بدورها ضحية للتجسس الأمريكي، أطلقت مشروعا جديدا لمد كابلات ألياف بصرية تمر عبرها الاتصالات السلكية والرقمية.
وستصل هذه الشبكة دول أمريكا الجنوبية مباشرة بالقارة الأوروبية لتفادي استخدام الشبكة القديمة التي تمر عبر الولايات المتحدة، حسب المشروع التي تبنته مجموعة دول “البريكس”.
وسينتهي العمل بهذه الشبكة، التي يبلغ طولها 34 ألف كيلومتر، بحلول عام 2015، على أن تصل مدينة فلاديفوستوك الروسية بالأراضي البرازيلية، وذلك عبر شانتو الصينية وتشيناي الهندية وكيب تاون بجنوب إفريقيا.
موقف موسكو
سياسيون روس اعتبروا أن معلومات إدوارد سنودن “ستسفر عن مرحلة جديدة من سباق تسلح الكتروني موجه نحو حماية المعلومات ومكافحة التجسس”.
وفي مينسك، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن كشف تسريبات عن برامج تجسس أمريكية على بلاده والصين “أمر غير مهم لنا، ولن يؤدي إلى قطع اتصالاتنا بواشنطن”.
واستبعد رئيس إدارة مجلس السياسة الخارجية والدفاع في روسيا، فيودور ليوكيانوف: “ردا سياسيا دراماتيكيا من موسكو على كشف برامج تجسس غربية استهدفتها مع بكين”.
واعتبر وجود برامج للتجسس على روسيا أو الصين “غير مفاجئ، لأن الأمريكيين وحلفاءهم تعاملوا معهما دائما، باعتبارهما عدوتين أو منافستين”. لكنه رأى أن مواجهة “من نوع جديد” بدأت تلوح في الأفق بسبب ما كشفه سنودن “ترتكز على سباق يهدف إلى حماية المعلومات، ومنع تسرب الوثائق السرية”.
ورجح أن “تبدأ روسيا وبلدان غربية نشاطات واسعة في هذا المجال، في مقابل محاولة أمريكا إيجاد آليات أكثر فاعلية لإخفاء برامج التجسس”.
الأمر الذي يجب تسجيله أن واشنطن لم تكن المتورطة الوحيدة في فضيحة التجسس، حيث اتهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، سنودن وصحفا بخدمة أعداء بلده وبلدان أخرى، عبر مساعدتهم في تفادي مراقبة أجهزة الاستخبارات، “مما يصعب مهمتنا في تأمين مواطنينا من اعتداءات، ويجعل عالمنا أكثر خطرا”.
وامتنع كامرون عن الرد على أسئلة حول احتمال ضلوع لندن في التصنت، مكتفيا بالقول إن “أجهزة الاستخبارات البريطانية تتبادل معلومات مع دول أوروبية وتخضع لإشراف مناسب”، علما أن لندن متهمة بالتجسس على دول أوروبية، بينها إيطاليا.
التجسس الالكتروني ليس سوى جزء من حرب سرية أوسع بكثير.
omar_najib2003@yahoo.fr