بقليل من الذاكرة نرى كيف أن التاريخ يكرر نفسه في البيت الأبيض، حرفيا بعض الأحيان. الجميع يأخذ على باراك أوباما تردده في مساعدة المعارضة السورية. والجميع يقولون، إن «داعش» ولدت من اللاقرار الأميركي، وإن أوباما عندما اتخذ قراره كان ذلك متأخرا. إنها مرحلة عشناها جميعا، يوما بيوم، أوباما يدعو إلى إزاحة الرئيس السوري على الفور، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تدعو إلى الحرب عليه.
ثم خفتت الأصوات وتغيرت اللهجات. واضح أن ثمة بلبلة في البيت الأبيض. ولقد حدث الأمر نفسه تماما أيام جورج بوش الأب في الأيام الأخيرة من حرب الكويت. وقف بوش يدعو الشعب العراقي إلى الانقضاض على صدام حسين، وبعد أربعة أيام فقط أعلن الناطق باسمه، مارلن فيتزووتر: «لا نريد التورط في شؤون العراق الداخلية».
يروي الجنرال شوارزكوف في مذكراته، أنه بعد توقيع اتفاق الاستسلام في مركز صفوان الحدودي، طلب من العسكريين العراقيين الدخول إلى خيمته. دام اللقاء 20 دقيقة أبلغ خلاله العسكريين أن واشنطن تشجعهم على الإطاحة بصدام. لكنه اكتشف بعد قليل أن ثمة خلافا في واشنطن حول المسألة. فقد كان بوش نفسه يعتقد أن إبقاء العراق موحدا يحتاج إلى قبضة صدام حسين، بعدما بدأت المقاطعات العراقية في التفكك.
ووحد المعارضون أنفسهم من دون الدعم الذي وعدوا به، فيما كان علي حسن المجيد يصدر الأوامر إلى طياري الهليكوبتر كالآتي: «لا أريدك أن تعود إلا إذا كان في إمكانك أن تبلغني أنك أحرقتهم. وإذا لم يكن ذلك في مقدورك، لا تزعج نفسك بالعودة إلى هنا».
ويروي جون سمبسون، مراسل الـ«بي بي سي»، أن عددا كبيرا من الشيعة قصفوا حرقا من الجو، أما على الأرض، فإن الطريقة المثلى لتنفيذ «الإعدامات» كانت بإرغام المتهم على شرب البترول، ثم إشعال النار فيه. الوعود التي أعطاها الأميركيون للمعارضة تبخرت. والجنرال كولن باول كان يفرك يديه متبرئا. يقول سمبسون، إنه كان أسوأ وزير خارجية أميركي في الذاكرة.
كرر أوباما السيناريو نفسه تقريبا. تهديد النظام السوري، ثم التراجع التام. لماذا هدد ولماذا تراجع؟ لا نعرف! ربما كان السبب الأول العلاقة مع روسيا. ولكن روسيا التي رفعت في وجهه الفيتو، لماذا أدارت وجهها عندما أعطى مقاتلاته الأمر بالإغارة على «داعش» في سوريا والعراق؟
قال أوباما إن دحر «داعش» سوف يستغرق ثلاث سنوات. هل كانت المسألة ستأخذ وقتا أقل لو أنه بكر في المبادرة؟ وهل أن «داعش» موجة طغت فجأة على السطح ولم يكن يعرف بها أحد من وسائل المراقبة الأميركية في الجو والبر والبحر والرقابة المالية حول العالم؟
بعد حرب الكويت، عرف العالم أن البنتاغون هو الذي ضخم أسطورة العراق العسكرية، وزرع في العقول أنها القوة الرابعة في العالم. فعل ذلك لكي يبرر أمام مواطنيه أكبر حشد عسكري حديث. وقد سر النظام العراقي بالخدعة، لأنه كان هو أيضا يخوض حرب الخداع والتمويه. وإذا كانت الأمور بخواتمها، فإن الخواتم كانت شديدة السوء. ولا تزال المساوئ مفتوحة. وكذلك الكوارث.
نقلا عن الشرق الاوسط