الشرق الاوسط
هناك تناقض غير مقبول بين الطريقة التي عاش بها المسيح عيسى عليه السلام، الذي كان رمزا للبساطة، وبين نمط حياة البابا في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والذي تذكرنا ملابسه وحرسه والقلعة التي يقيم فيها بالإمبراطور الروماني.
وجاء في الإنجيل: «للثعالب أوكار وللطيور أعشاش.. لكن ليس لابن الإنسان مكان يسند إليه رأسه» («متى» 8:20، «لوقا» 9:58). وأود أن أذكركم بقصة أطفال قصيرة كتبها الأديب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني، وكان مغزاها أن فلسطين ليس لها مكان، فللطيور أعشاش، لكن الفلسطيني ليس له وطن. وخلال القرون الخمسة الماضية، كان البابوات يعيشون في شقة فخمة في القصر البابوي المقدس. المذهل أن البابوات هم من شيدوا القصر، لا الأباطرة، فقد بدأ بناء القصر الحالي عام 1598 خلال فترة حكم البابا سيكستوس الخامس، وأتم بناء أجزائه الأساسية من بعده البابا أوربان السابع والبابا إنوسنت التاسع والبابا كليمنت الثامن.
وكان هؤلاء البابوات يتمتعون بنفوذ أكبر من الأباطرة. على سبيل المثال، قصة فريدريك الأول والبابا أدريان شهيرة وتاريخية، كما أنه من الصعب تصديقها. عندما اقترب فريدريك من أبواب روما، تقدم البابا أدريان الرابع من أجل مقابلته. وقابله الملك في الخيمة الملكية، وبعد أن قبل قدمي البابا توقع فريدريك أن يتلقى منه في المقابل قبلة السلام (على الوجنتين)، لكن فريدريك نسي أن يمسك بركاب سرج البابا وهو يصطحبه إلى الخيمة، لذا رفض أدريان أن يمنحه القبلة إلى أن يتم الالتزام بالبروتوكول. وتردد فريدريك وانسحب أدريان الرابع، وبعد يوم من المفاوضات وافق فريدريك على أداء الطقس المطلوب.
ويمكن العثور على بعض الأمثلة المشابهة في حقبة الصفويين في إيران القديمة، مثل الإمساك بركاب سرج آيات الله العظمى.
وقيل إنه عندما كان الشاه طهماسب يمسك بركاب الشيخ بهائي العاملي، كانت لحية الشاه طويلة إلى الحد الذي اضطر الشيخ بهائي إلى وضع قدمه عليها عند امتطائه للحصان. وعندما كنت طفلا، كان يروي ملا في قريتنا هذه القصة للناس، ويقول إنها توضح القيمة الحقيقية للحية الشاه. لقد كان ذلك بمثابة إطار فكري جديد في المسيحية والمذهب الشيعي، حيث يتم التعامل مع البابا وآية الله العظمى بصفتهما شخصين استثنائيين كخلفاء للرسول أو لله. على سبيل المثال، في المسيحية هناك بعض الأقوال للبابوات توضح الأسباب التي وصلت بنا إلى هذا الوضع المتدهور في الكنيسة الكاثوليكية.
قال البابا غريغوري السابع (1073 – 1085): «البابا معصوم من الخطأ». وقال البابا باسكال الثاني (1099 – 1118): «من لا يوافق على ما يراه البابا صحيحا فهو مهرطق بلا شك». ووصف البابا إنوسنت الرابع (1243 – 1254) نفسه بقوله إنه تجسيد للمسيح (ربما بشكل يشبه تحول الخبز إلى جسد المسيح بانتخابه). وقال البابا بونيفاس الثامن (1294 – 1303): «يجب على كل إنسان أن يفعل ما يأمره به البابا». وقال البابا ليون الثالث عشر (1878 – 1903): «نحن في هذه الأرض ظل الرب المجيد».
ومصدر هذا الاعتقاد هو آخر قول للبابا ليون الثالث عشر، حيث أكد أن البابا بريء ولا يمكن أن يرتكب أي خطأ. لماذا تم طرد الفيلسوف وعالم اللاهوت هانز كونغ؟.. إنه آخر مستشار لاهوتي على قيد الحياة لمجمع الفاتيكان الثاني منذ خمسين عاما، ولا يزال رسميا «قسا كاثوليكيا ملتزما»، لكن جرّده الفاتيكان من كل صلاحياته في تعليم اللاهوت الكاثوليكي بعد انتقاده لمنهج تنزيه البابوات عن أي خطأ في السبعينيات. ومع ذلك، لا يزال واحدا من أكثر الشخصيات التي تحظى بالاحترام، وعلماء اللاهوت الذين يهتم القارئ بأعمالهم. وقام الدكتور كونغ بتأليف 30 كتابا من بينها «Infallible» (معصوم من الخطأ). وأعتقد أن ثلاثيته عن اليهودية والمسيحية والإسلام من أفضل الكتب عن الديانات السماوية. وعبّر هانز كونغ مؤخرا عن الحاجة إلى إصلاح جاد حقيقي في الكنيسة الكاثوليكية، بمعنى آخر ربيع في الفاتيكان.
ولعل قرار البابا فرنسيس الأول بمغادرة القصر والإقامة في فندق يكون بداية لعملية إصلاح في الفاتيكان. ومن المتعارف عليه أن يقيم البابا في القصر البابوي كأنه ملك أو أحد أباطرة روما. لذا يبدو هذا القرار نقطة تحول كبيرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. وصدم البابا بنديكتوس السادس عشر العالم عندما أعلن استقالته، لكنه كان في شهره الأخير كبابا للفاتيكان، لكن البابا فرنسيس الأول بدأ برفضه الإقامة في القصر البابوي فصلا جديدا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. لقد شهد العالم بالفعل كيف تجنب فرنسيس الكثير من فخاخ البابوية، حيث رفض ارتداء القبعة المخملية الحمراء التي كان يرتديها البابا بنديكتوس السادس عشر خلال المناسبات الرسمية، واكتفى بالصليب البسيط المطلي بالحديد المدلى على الصدر الذي كان يرتديه عندما كان أسقفا وكبيرا للأساقفة.
وصرح الفاتيكان بأن البابا فرنسيس الأول، الذي طالما رفض البذخ في المظاهر، أخبر العاملين والضيوف بمبنى سانت مارثا بأنه لا يعتزم الانتقال قريبا. وكانت المناسبة هي القداس الذي يقيمه فرنسيس كل صباح في كنيسة الفندق منذ انتخابه في 13 مارس (آذار) الماضي. ويدعو فرنسيس مجموعات من الضيوف يوميا إلى القداس اليومي بمن فيهم بستاني الفاتيكان ومنظفو الشوارع والعاملون في الفندق والعاملون في صحيفة الفاتيكان «أوسيرفاتوري رومانو». وصرح الفاتيكان بأن البابا فرنسيس الأول أراد أن تتسم ترتيبات إقامته بالبساطة ومشاركة الآخرين. وفضلا عن القداسات التي يقيمها في كنيسة الفندق، قيل إن البابا يتناول طعامه مع ساكني مبنى سانت مارثا وضيوفه. ويعني هذا أننا إزاء بابا جديد يقوم بواجبات منصبه كخادم مثل المسيح لا مثل إمبراطور روماني.
إن هذا لفصل جديد عظيم في تاريخ الفاتيكان. ويبدو أن البابا فرنسيس الأول لا يريد الاستمرار على الدرب القديم، بل تغيير بعض التقاليد التي تعود إلى خمسة قرون مضت من تاريخ البابوية.
لقد اتخذ البابا قرارا غير متوقع، فقد غسل وقبل قدمي معتقل مسلم. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يقام فيها قداس خارج كاتدرائية القديس بطرس أو الكاتدرائية البابوية في مدينة الفاتيكان.
لقد احتفل فرنسيس بالقداس مع المذنبين الصغار في سجن «كازال ديل مارمو». وفي الوقت الذي يغسل فيه قدم 12 شخصا في إطار تقليد مسيحي يحاكي ما فعله يسوع عندما كان يغسل أقدام تلاميذه، تعد هذه هي المرة الأولى التي يشمل فيها هذا التقليد نساء أو مسلمين. ويمكن القول إن البابا خادم حقيقي وتلميذ مخلص للمسيح. وهذا درس عظيم بسيط لكل الشخصيات الدينية البارزة باختلاف دياناتهم.
دلالات لابد منها … ؟
١: بداية تحياتي للكاتب عطاء ألله مهاجراني ؟
٢: البابوات السابقون للبابا الحالي ( فرنسي ) رغم عيش بعضهم طفولة فقيرة إلا أنهم غالبيتهم عاشو بعدها في كنف دول مترفة ، ومن ثم سار على التقليد ؟
٣: البابا الحالي بحكم كونه من قارة ودولة فقيرة ، لابد حتى من بيئة أكثر فقرا ، ومن ثم لكونه من الرهبانية اليسوعية فلقد فرضت عليه كل هذه المعطيات إعادة النظر ومن ثم وهو ألأهم إزدياد النقد للكنيسة وعدم عيش دعاتها ورعاتها حقيقة وحياة المسيح
٤: وأخيرا إن فكرة الربيع بحد ذاتها أخذت فعلا تستلهم الكثير من الناس سواء كانو ثوارا أو مفكرين سياسيين ، فكيف لاتمتد لتشمل حتى رجال الدين سواء كانو مسيحيين أو مسلمين رغم أنف المتعصبين وألإرهابيين والظلاميين ؟