دخلت شركة جوجل العملاقة ومعها شركة يوتيوب الضخمة الحرب إلى جانب العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ووظفتا معاً قدراتهما الجبارة وأدواتهما الخلاقة وانتشارهما الواسع ونفوذهما الكبير لصالح العدو الصهيوني، وهم جزءٌ أصيلٌ منه، الذي طلب منهما محاربة الفلسطينيين والتضييق عليهم، ومنعهم والعرب ومن يؤيدهم من استخدام محركاتهم العملاقة في نشر الكراهية والعنف، والتحريض والدعوة إلى محاربة الإسرائيليين، وتشويه صورتهم وفضح أسرارهم، وطالبتهما بمنع نشر وتداول الصور والمشاركات التي ينشرونها ضد شعب وحكومة إسرائيل، ودعتهما إلى عدم تقديم أي خدماتٍ أو تسهيلاتٍ إلى الجهات المشبوهة والمتهمة بالتحريض على العنف والإرهاب.
نائبة وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي تسيفني حوتوفيلي، المعروفةُ بتطرفها وتشددها، ومواقفها العنصرية الحاقدة ضد الفلسطينيين، التي تحمل الحكومة الإسرائيلية التي هي جزء منها، المسؤولية عن ضياع حقوق الشعب اليهودي، وتتهمها بأنها تتنازل عن الإرث اليهودي المقدس، وتحرم الشعب من حقه في أن يقيم حيث يشاء في أرض يهودا والسامرة، قامت مؤخراً بتوقيع اتفاقية مع شركتي جوجل ويوتيوب تلزمهما بتطبيق إجراءات جديدة وقاسية لمواجهة مظاهر التحريض الإليكتروني الفلسطيني، وحملتهما في حال عدم التزامهما بالاتفاق المسؤولية عن تأجيج الأحداث وتوتير الأوضاع في البلاد، والإضرار بالمصالح الإسرائيلية، وقد رأت أن الصورة والخبر التي تنقلهما شركات الإنترنت تساهم في المعركة بصورة سلبية، وتخدم الجانب الفلسطيني على حساب المواقف الإسرائيلية.
اتهمت الحكومة الإسرائيلية في معرض دفاعها عن قرارها، وتأكيدها على طلبها، جهاتٍ فلسطينية وعربية بأنها ترعى الإرهاب، وتزوده بأفكار ومفاهيم عنصرية، وأن خطر هذه الجهات أشد وأكبر من خطر الممولين أو المنفذين والمخططين، لأن هذه الجهات أصولية العقيدة، ومتطرفة الفكر، ومنغلقة على نفسها والمجتمع، وترى في الآخرين جميعاً أعداءً لهم ولشعبهم وأمتهم، ولهذا فإنهم يجيزون لأنفسهم وغيرهم أعمال القتل والاعتداء التي تمارس على الشعب اليهودي، ويستغلون ما تتيحه شركات التواصل الاجتماعي المختلفة، وشركات الإنترنت العملاقة، من أدواتٍ وآلياتٍ في نشر مفاهيمهم، وتعميم أفكارهم، وتوسيع شبكاتهم، وتجنيد عناصرهم، فضلاً عن استغلالهم لها في اختراق المؤسسات الإسرائيلية، والسطو على أسرارها وسرقة بياناتها ومعلوماتها، والدخول على الحسابات الفردية للمواطنين.
استجابت على الفور إدارة الشركتين إلى الطلب الإسرائيلي، وبدأتا تنفيذ سياسة حازمة ضد المشاركات العربية والفلسطينية المصنفة بأنها معادية للكيان الصهيوني، وحرضت على إلغاء استضافتهم وتزويدهم بالخدمة، وبدأت المخابرات الإسرائيلية تزود إدارة الشركتين بما توفر لديها من عناوين ومساهماتٍ، وحساباتٍ ومجموعاتٍ، ومواقع ومراكز، يرون وجوب شطبها، ولزوم إخراجها من الشبكة العنكبوتية وصفحات التواصل الاجتماعي، لأنها تضر بأمن كيانهم، وتحرض على العنف ضدهم، وتعرض مصالحهم للخطر، وقدمت الجهات الإسرائيلية المعنية إلى الشركة نماذج صارخة من المساهمات الفلسطينية، ودعمتها بالصوت والصورة المنشورة، وكشفت عن الحسابات النشطة والجهات الراعية والممولة.
كما طالبت الحكومة الإسرائيلية هذه الشركات بضرورة إزالة الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية المختلفة، التي تبرز العنف الإسرائيلي، وتكشف عن جرائمهم، وتبين اعتداءاتهم الفاضحة، وتظهر حقيقة إعدامهم وقتلهم المتعمد للفلسطينيين، خاصةً صور المستوطنين الذين يعتدون على منفذي عمليات الطعن أو المشتبه بهم، فيقتلونهم بمسدساتهم أو يعتدون عليهم بعد قتلهم ويسيئون إليهم بوسائل مختلفة، ويتظاهرون بإساءاتهم علناً، ولا يخفون اعتداءاتهم، وترى الحكومة الإسرائيلية أن بعض هذه الصور تسيئ إلى سمعة كيانهم لدى المجتمع الدولي، وتشوه صورتهم النمطية الديمقراطية الإنسانية التي يدعون اتصافهم بها.
في الوقت الذي تستجيب فيه شركات الإنترنت العملاقة إلى المطالب الإسرائيلية، وتغلق حسابات، وتشطب صفحات، وتلغي اشتراكاتٍ، وتسحب مساهماتٍ، وتحجب معلومات، وتعطل محركاتٍ، فإنها تسهل عمل مجموعات السايبر الإسرائيلية، وهي مجموعات طلابية كبيرة جداً، تديرها المخابرات الإسرائيلية، وتستخدم فيها القطاعات الطلابية على اتساعها وانتشارها، وتستفيد من أصحاب الطاقات والخبرات والمواهب، وتوظفهم جميعاً، ذكوراً وإناثاً في متابعة صفحات التواصل الاجتماعي، وخلق صداقاتٍ جديدة مدروسةٍ وهادفةٍ مع نشطاء عربٍ وفلسطينيين، وتدفعهم لتشويه الصورة وتغيير القصة، وإعادة نسج خيوط الحكاية، بما ينسجم مع الرواية الإسرائيلية ويخدم أهدافها، وبما يتعارض وينسف الرواية الفلسطينية ويضر بها، أو يشطب مكاسبها ويلغي منافعها.
الحكومة الإسرائيلية التي تنادي بوقف خدمة الإنترنت كلياً عن الفلسطينيين، وقد أعلنت أنها تأذت من نشاط العرب والفلسطينيين والمؤيدين للقضية الفلسطينية على الشبكة العنكبوتية، فهم يشاركون ويساهمون، وينقلون وينشرون، ويتقنون كل اللغات، وينشطون في كل البلاد والساحات، وعندهم جيوشٌ تطوعية تعمل بلا كللٍ ولا مللٍ، ربما أنها تعمل بلا تنسيقٍ أو تنظيم، ولكن كثافة المساهمات وكثرة الاشتراكات تقلقهم، والصور التي ينشرونها والأخبار التي يبثونها تضر بهم وتضعف روايتهم.
هذه ليست المرة الأولى التي تتقدم فيها الحكومة الإسرائيلية بطلبٍ إلى شركات التواصل الاجتماعي المختلفة، وإلى شركة جوجل تحديداً، للتضييق على الفلسطينيين وتحجيم نشاطهم وفعاليتهم على الشبكة العنكبوتية، بل تقدمت إليهم بطلباتٍ كثيرةٍ مشابهة، وقد استجابت لهم الشركات كثيراً، ونفذت رغباتهم بتفاوتٍ فيما بينهم، وأصغت إلى نصائحهم وتوجيهاتهم، ولكنها اليوم تواجه خطر استمرار الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي يعني استمرارها الإضرار بمصالحهم، والانشغال بها عن قضاياهم الأخرى، وتدهور اقتصادهم، وتوقف مرافق حياتهم المختلفة، فضلاً عن إحساسهم بأنهم سيكونون في نهاية المطاف في حال استمرار الانتفاضة، مضطرين إلى دفع أثمان باهظة إلى الشعب الفلسطيني، لذا فإنهم يطلبون العون من هذه الشركات، التي تستطيع أن تؤذي وأن تضر، وأن تحجب الصورة وتغير الحقيقة، وتخفي الأدلة والقرينة.
بيروت في 27/11/2015