باسل رفايعة: عمان نت
يصطفُّ مسلمون سُنَّة مع “داعش”. لا يُمْكِنُ إخفاءُ ذلك، أو إنكارهُ. الظاهرُ أنَّ التعاطفَ معقَّدٌ جداً، بما هو ماديٌّ، يدعمُ التنظيمَ، ويتبناهُ، وبما هو عاطفيٌّ وإعلاميٌّ، حيثُ لا يدعي أحدٌ سيطرته على هذه الصناعة، وقد أتاحت الشبكةُ لكلِّ المحاربين سيوفاً، وبنادقَ، وساحاتٍ للجهاد، وذلكَ جهدٌ، يُبدعُ القطيعُ في قطع كلِّ أسباب مقاومته، وتفنيدها، دفوعاً دينيةً، عن إسلام منحاز. أيِّ إسلام، يُنتقى، ويُصفَّى، كما يُرِيدُ المحاربون، وكما يَشَاءُ الممولون، فهذه حربٌ، لا تُسألُ فيها الأخلاقُ، ولا يُسألُ الدينُ نفسه، بنصوصه، وبتاريخه، وعلى مَنْ يشتبك بالفهم، ألا يفهمَ. تحقُّ له الدهشةُ فقط. ربما فقط.
الدولُ تخادعُ في التسويقُ، كما هي حركات الإسلامُ السياسيُّ، على نقيضِ وضوحِ النَّاس، فهم ليسوا معنيين بالصورة الإعلامية، ولا بالعلاقات الدولية، وأول ما يريدونه دفاعٌ كثيفُ القوة عن ما يعتقدون، وقد بسطوا نفوذهم على شبكةٍ، تُتيحُ التعبيرَ، دون دبلوماسية، أي دون خجلٍ من الخصوم. دون حسابٍ للتبعات. ربما أكثر، دون الخوفِ من أيَّ فضيحة.
الدواعشُ “زنادقةٌ وخوارج”. الوصفُ سياسيٌّ بحتٌ، تظنُّ الخندقةُ السُنيّةُ أنه يُعفيها من المعركة، وهو يشيرُ إلى التاريخ، وتلك خديعةٌ أخرى. فالخوارجُ خرجوا على من تشيّعَ، حينَ لم يكنْ مفهوم السُنّةِ واضحاً، كما هو اليوم، عقائدياً، بنصوصه، وضيّقاً بحدوده. كانَ لكلٍّ شيعته. كانَ لكلٍّ منْ ينتصرُ له، ولم تكنْ ثمة قاعدة لأهلِ “السُنّةِ والجماعة”، ولم تُخترعُ أوصافُ الانحياز بين هذا، وذاك. لا “روافضَ” ولا “نواصب”. كانَ هناك اقتتالٌ سياسيٌّ، أفضى إلى انقسامٍ دينيٍّ، يُقتلُ بسببه الصحابةُ، وأهلُ بيت النبيّ، وتُسبى النساءُ والأطفال.
الواقعُ أنَّ “داعشَ” في العراق وسورية توحَّشَ ضدَّ الشيعة، والعلويين (يصفهم بالنصيريين، كاصطلاحٍ سُنيٍّ شائع). ولم يتراجعْ همجيّاً، حينما واجهَ تصنيفه الخاص للسنّة. لقد أعدمَ دعاةٌ، وسكاناً في الرقة والموصل، رفضوا مبايعة خليفتهم، ولديه تلخيصٌ شائعٌ لأعدائه السُنّة. يصفهم بـ”المرتدين” عن سُنَّته. وهو يضعهم في فئة “الروافض والصليبيين”. لكنَّ الأمرَ ليس كذلك، كما لو أنَّ تصنيفَ “داعش” القطعيّ، يخلو من غايات. ثمة فيديو، يروي إن التنظيمَ أرادَ ذبحَ عائلةً في العراق، على اعتبار أنها شيعية، وحينما عرف “أميرُ الجماعة” أنها سُنيّة، تراجعَ، ومن ذلك أيضاً، ما أظهرتهُ اعترافاتُ وتحقيقاتُ مجزرة “سبايكر” 2014، أنَّ الدواعشَ وحلفاءهم البعثيين أطلقوا سراحَ طلبة سُنَّة في القوة الجوية العراقية، وذبحوا أكثر من ألفي تلميذ، غالبيتهم العظمى من الشيعة.
بعيداً عن ايران، وشيعة العراق، وعلويي سورية، ينحازُ عوامُ السنّة إلى “داعش”. إمّا نقمةً من أوضاعهم العامة في بلدانهم، وإما تعصُّباً، لا يقبلُ إلا بإسلامٍ واحد. وهم يحضرون بفاعلية على تطبيقات الشبكة، ونوافذها. ثمة مَنْ يدفعُ بقبول الناس لنموذجٍ معقول، تحت حكم “داعش” في الرقة والموصل والفلوجة، وسابقاً في الأنبار، حيثُ الشريعةُ الإسلاميةُ، بنسختها المُتسنّنة، وحيثُ تنجحُ دعايةُ “دابق” مع مَنْ استعدوا مُسبقاً لتصديقِ الرواية، وتكذيبِ أعدائها، وهم شيعةٌ، على أية حال، أو سُنَّةٌ، ارتدوا عن صحيح الدين، وصحيحه احتكارٌ سُنيٌّ، يدمغهُ وقوفُ أميركا وروسيا وإيران ضدَّ “داعش”، تظلُّ الآمالُ مرهونةً على ما يحققه الجهادُ السنيُّ من إنجاز، ولا ريبة من تركيا. دائماً يجدُ لها المناصرون ذرائعَ، ما دام أردوغان يرفعُ المصحفَ في معارك حزبه، ولا يأبهُ لانضمام بلاده للاتحاد الأوروبيّ.
الاصطفافُ مع الدواعش سنيٌّ شعبيٌّ، وحركاتيٌّ مُسيّس، وبعضهُ رسميٌّ، يُخفي ما لا تفهمه أميركا والغرب. الحربُ على إرهابيي التنظيم في الفلوجة مثلاً، جرى تلخيصها بأنها “سنيّة -شيعية”. هل من حاجةٍ لتذكير الغاضبين بأقوالهم بأنَّ “داعشَ” لا تُمثِّلُ الإسلام، وأنها كلابُ أهل النار، وخوارج. هل من قراءةٍ عادلةٍ لواقع العراقيين السُنَّة من سكانِ الفلوجةِ تحتَ حكم دولةِ “داعش” المُريعة. ثمةَ إعلامٌ عربيٌّ يصفُ التنظيم بـ”الدولة الإسلامية” مُقارباً نزاهةً كاذبة، وهو يبثُّ في النشرةِ نفسها أنَّهم “خوارجُ هذا العصر”.
مَنْ يُوافقُ على فظائع “داعش” ضدَّ الشيعة تحديداً، عليه أنْ يُسألَ عن غضبه على ذبح الأكراد والأيزيديين والمسيحيين، والسنّة المُرتدين كذلك. بماذا يختلفُ مسجدُ “جعفر الصادق” في الكويت عن تفجيراتِ الحلّة وديالى والنجف وبغداد. مع مَنْ يصطفُّ المصطفّون من السلفيّة السُنية، ولماذا، ومن أجلِ ماذا؟. ثمَّ لندع الإعلامَ العربيَّ يُواصلُ أهواءه، ويتركُ لنادي ريال مدريد الإسبانيّ أنْ يُعلِّمنا الحزنَ على مُشّجّعين ماتوا في ملعب، وعلى أطفالٍ تمزّقت أجسادهم في بغداد، فيما يبتسمُ المُذيعُ في نشرةِ الأخبار، وينتقلُ إلى الفقرةُ الرياضية..