الاسلام بين العرب والغرب‎

mohamedbarziالدكتور محمد برازي

كان كل رسول أرسله الله عز وجل لهداية العباد يأتي بمعجزة خارقة للعادة وللعرف في عهده وزمنه الذي جاء به ، وذلك كدليل على صحة ماجاء به وأنه من عند الله سبحانه وتعالى ، فكانت معجزة موسى عليه السلام في عصر ازدهار السحر ، هي عصاه التي أبطلت وكشفت زيف ذلك السحر الذي كان يخدع أبصار الناس .
وكذلك كانت معجزة عيسى عليه السلام في زمنه الذي اشتهر بازدهار الطب هي شفاء الأبرص والأكمه وهو ماعجز الطب يومها عن شفائه ، بل ذهب الى أبعد من ذلك الى إحياء الموتى بإذن الله عز وجل ، و ليكون ذلك دليلاً على مصداقية رسالته من عند الله عز وجل .
أما معجزة الاسلام الخالدة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم فكانت القرآن الكريم ، لأن العرب في ذلك الوقت كانوا بارعين ومبدعين في اللغة والشعر والبيان ، وعلى ذلك النسق جاء القرآن الكريم بنفس لغتهم واسلوبهم وتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن ؟
وخلود رسالة الاسلام بسبب أنه رسالة للعالمين ، وكل رسول من رسل الله السابقين كان يبعث لقومه خاصة ، أمّا محمد عليه السلام فقد بعث للعالم كله وذلك قوله تعالى ( وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين ) وعليه كان القرآن الكريم معجزاً للعرب على أن يأتوا بمثله ؟ رغم أنه جاء بلغتهم واستعمل أساليبهم في الخطاب والبيان وبكل خصائص اللغة العربية ، وهذا الإعجاز كان دليلاً على أن القرآن الكريم هو من عند الله عز وجل الذي تحدّاهم على أن يأتوا بمثله ، أو حتى ببعضه ، أو بعض السور منه في قوله تعالى ( وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) وإعجاز القرآن الكريم كان في رصفه ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين ، والعرب كانوا على ادراك تام بالحاجز الفاصل بين كلامهم وكلام رب العالمين ، وإدراكهم لهذه الحقيقة يدل على أنهم كانوا ذوّاقين للبيان وهم الأعلم بأسراره ووجوهه ، ورغم ذلك كان هذا البيان في أنفسهم أجلّ من أن يخونوا الأمانة فيه ، أو يجوروا عن الانصاف في الحكم عليه ، رغم أن القرآن الكريم قرّعهم وعيّرهم وسفّه أحلامهم وأديانهم ، بل ذهب الى أبعد من ذلك باستخراج أقصى الضرورة في عداواتهم ، وظل مع ذلك يتحداهم ؟
في قوله تعالى ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) ويفيد التكرار هنا بلم ولن بأن الأولى تختص بنفي الماضي والأخرى تختص بنفي المستقبل ، لأنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك في عهد الرسول عليه السلام ، ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثله رغم كل التقدم والتطور الذي وصلوا اليه في حياتهم وفي كل المجالات ، ومع ذلك نهتهم أمانتهم على البيان عن معارضته ومناقضته وكان أبلغ ماقالوه ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) ولكنهم كفّوا ألسنتهم ولم يقولوا شيئاً .
ولقد كان إعجاز القرآن الكريم لغوياً للعرب دون العجم ؟ لأن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم بلغتهم واختصّهم من بقية الأمم بتبليغ رسالته للعالم ، ومن المعروف بأن العرب كانوا أمّة أمّية ، وعندما توجهوا بهذا القرآن الكريم لتبليغه للناس لم يكن الإعجاز اللغوي سلاحهم وحجتهم بذلك ، بل كانت المبادئ الاسلامية الخالدة والتي جاء بها الاسلام هي المعجزة التي حملها العرب الى بقية الأمم ، وكانت هذه المبادئ دليل آخر على أن هذا الاسلام هو من عند الله عز وجل ، وهو دين سماوي وليس طفرة علمية أو أدبية أو حضارية لأمّة أمّية ؟ ! وهذا ماسوف يبهر العالم لأن هذه المبادئ هي التي سوف تلفت نظر الأمم الأخرى وتبهرهم بروعتها ، والتي هي دليل آخر على روعة تعاليم هذا الدين وقيمه وأفكاره ورحمته ورأفته بالناس ، لأن خصائصه وميزاته هي التي تميّزه عن سائر قوانين البشر المثقلة بمثالبهم .
ولذلك ليس غريباً أن تقوم كلية القانون الامريكية في هارفارد معقل بلاد العلمانية باختيار الأية الكريمة 135 من سورة النساء في القرآن الكريم وتنقشها على مدخل الكلية كأعظم عبارة قيلت عن العدالة عبر التاريخ ، والآية الكريمة هي ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالفسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ) .
وهاهي وزارة البيئة الألمانية قررت وضع هذه الآية الكريمة في الأماكن العامة كقيمة عليا تعتبر مفخرة للإنسانية تستوجب العمل والالتزام بمضمونها .
وفي تقرير للباحثة السويدة
( Ann Kull )
وهي استاذة متخصصة في علوم الاسلاميات بجامعة لندس تقول ( إن الاسلام يراعي جيداً حقوق المرأة في جميع الميادين من خلال دراسات ومشاريع قامت بها في اندونيسيا وأكدت رغم أن المرأة المسلمة تلبس الحجاب ولديها تعامل خاص من قبل زوجها وعائلتها ، إلّا أننا لانجد تعسفاً بين الرجل والمرأة .
وأضافت : أنه رغم التفتح الذي تعرفه المرأة في السويد إلا أنهم في حقيقة الأمر لا يعرفون جيداً حقوق المرأة ولا يراعونها . داعية الدولة الى الإقتداء بتعاليم الاسلام لإعادة النظر في القوانين وفي التعامل مع المرأة .
وأيضاً هاهي البنوك الاوروبية تناقش الحلول المصرفية المتوافقة مع الشريعة الاسلامية ، ولذلك تستضيف زيوريخ السويسرية المنتدى المالي الاسلامي العالمي الأول في أوروبا والحادي عشر عالمياً ، والذي يركز على الطلب المتنامي على الحلول المتوافقة مع الشريعة الاسلامية في مجال الثروات والخدمات المصرفية .
وأيضاً في تقرير بعنوان : البنوك الاسلامية في عيون الغرب يقول : يحظى موضوع الصيرفة الاسلامية على اهتمامات العالم الغربي حتى بات مادة شيقة تتحدث عنها الصحف الأجنبية بعد أن شرعت العديد من المؤسسات المصرفية الغربية في توفيق أوضاعها وتعاملاتها على أساس الشريعة الاسلامية التي تحرّم الربا .
وعليه هناك اليوم في الغرب كثير من العقول المتمردة والحائرة والثائرة والتي تبحث عن مخرج ومنفذ … انها تبحث عن الخلاص … تبحث عن مخرج لهذا العالم المنهك والمتهالك والمتآكل في مشاكله ، ومن هنا سيأخذ الاسلام زمام المبادرة في المدى المنظور وسيمارس دوره كمخلّص وكمنقذ للبشرية الذي تبحث عنه تلك العقول ، عندها لن يكون الاسلام سلوكاً لقطيع من الأغنام ، انما سيدخل الى العالم باعتباره القدرة الخلاقة القادرة على انقاذ هذا العالم من أزماته زمشاكله .
ولكن بكل أسى وأسف وحزن لابد من ذكر تعليق الباحثة
( Ann Kuii )
وهي تقول : انه يوجد في السويد دعاة ورجال دين مسلمين ، ولكنهم للأسف لم يفهموا جيداً معاني الاسلام الحقيقية ، مما أدى الى تشويه سمعته وسط العالم السويدي ، واقترحت قائلة : لذلك يجب أن تكون هناك مدارس لتنظيم دورات تأهيلية جيدة للدعاة وللأئمة الموجودين في السويد ، واشارت الباحثة الى أن اليمين المتطرف في السويد يستعمل المرأة المسلمة كسلاح سياسي لخدمة مصالحه الشخصية ، ولهذا يجب أن نفهم جيداً أن حقوق المرأة في الدول الغربية لا تشبه نظيرتها المسلمة .

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.